الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"المختطفات".. صرخات ضحايا بوكو حرام

كتاب المختطفات شهادات
كتاب المختطفات شهادات من فتيات بوكو حرام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«لن نتمكن من مكافحة الإرهاب بنجاح إلا حين نستمع إلى ضحاياه: النساء».
بهذه العبارة يؤكد الصحفى الألمانى فولفجانج باور، مضمون كتابه «المختطفات: شهادات من فتيات بوكو حرام»، والذى قضى شهورًا فى الاستماع إلى الناجيات من براثن واحدة من أسوأ جماعات الإرهاب باسم الدين، والتى وصفت بأنها قتلت عددًا من البشر أكثر مما فعل تنظيم داعش، والتى لا نعرف عنها سوى القليل بحكم تواريها فى أحراش أفريقيا، وهى منطقة لا تضر كثيرًا مصالح المحيط الأوروبى أو الأمريكي، لذا فليس لدى الغرب عزمًا لإزالتها كما حشد جيوشه للقضاء على تنظيم البغدادى فى سوريا والعراق.
يقول باور «فى أوروبا وأمريكا، تلك القارتين اللتين تبدوان بعيدتين، لم تطلنا كارثة بوكو حرام حتى الآن، وقد اتفق معظم المراقبين على أن هذه الطائفة ستقوم بهجمات فى الغرب ذات يوم، لذا ينبغى علينا فى الغرب ألا نتجاهل بوكو حرام، إذا ما واصلنا غض الطرف عن دماء الآخرين، سرعان ما سنرى دماءنا نحن».
فى كتابه الصادر نسخته العربية عن دار العربى للنشر، والذى ترجمته الدكتورة علا عادل، وفاز بجائزة أفضل كتاب مترجم فى الدورة الذهبية من معرض القاهرة الدولى للكتاب، يرسم صحفى التقارير بجريدة «تسايت» الألمانية، منطقة نفوذ التنظيم فى نيجيريا، مثل: دوهو أو جوبلا أو جولاك، والتى لن يتمكن أحد من التعرف على أى منها فى صور الأقمار الصناعية إلا عبر التكبير والاقتراب من المكان، ليظهر شارع يمتد عبر منطقة ذات أبنية بسيطة، محاط بمنازل متناثرة تصطف بمحاذاة طريق قريب من غابة سامبيسا الكائنة شمالى شرق نيجيريا بالقرب من حدود الكاميرون. 
يتخذ باور من «الغابة» بداية لرحلة قارئه، فهى المكان الذى كانت الضحايا من النساء والأطفال من الفتيات يُسقن إليه؛ كُن يُحملن من دوهو وجوبلا وجولاك إلى غابات سامبيسا المليئة بالمستنقعات؛ حيث اختطفتهن جماعة بوكو حرام وزوجتهن قسرًا، وأساء مقاتلو الجماعة معاملتهن لأشهر طويلة، وفقدن بعضًا من أفراد عائلاتهن ومن الأصدقاء والجيران، وشهدن قسوة لا يمكن تخيلها وعانين منها حتى استطاعت بعضهن الفرار، حتى استطاع باور التحدث إليهن فى يوليو ٢٠١٥، وفى يناير ٢٠١٦. كذلك يوثِّق الأمور بصورهن التى التقطها المصور الفوتوغرافى «أندى سبيرا».
يؤكد الصحفى الألمانى، أنه بالرغم من كون هؤلاء النساء نجحن فى الفرار، فإن هذا لا يعنى أنهن أصبحن فى مأمن، لأن بوكو حرام تعيث فسادًا وتسبب الدمار بعنف متزايد، فأمير الجماعة أبو بكر شيكاو يزداد نفوذًا ويكتسب أرضًا، مكنته من استغلال ماكينات الدعاية، خاصة بعدما ارتبطت بوكو حرام تدريجيًا بتنظيم داعش، وبدأت تدريب بعض المقاتلين فى الشرق الأوسط؛ لينقل حكايات سعدية وتالاتو وبتولا ورابى وسكينة وعيسى وكلارا وليديا؛ وهى الأصوات التى تمنح الكتاب طابعًا مميزًا، وتبقى عالقة فى الأذهان حقًا. 
تحكى سعدية وتالاتو، وهما أم وابنة، عن حياتهما قبل وأثناء اختطافهما من قِبل بوكو حرام وبعد الاختطاف؛ وهى حكاية مُشابهة لحكايات آلاف النساء اللاتى ساقتهن الميليشيات المسلحة إلى غابات سامبيسا عبيدًا بعد أن هاجمت القرى التى يعشن فيها؛ قبل ذلك كانت سعدية الأرملة تبيع كعكًا فى إحدى محطات الحافلات فى دوهو، وكانت ابنتها تالاتو تحلم بأن تصبح طبيبة؛ فى الغابات نفسها ظلت بتولا ذات الواحد وأربعين عامًا هى وابنتها رابى طوال أشهر فى قبضة الإرهابيين، عندما احتلوا قريتهما، واضطرت الاثنتان لمشاهدة رجال القرية يُذبحون، وبعد أن ساقهما الإرهابيون إلى غابة سامبيسا زوجوهما قسرًا واغتصبوهما؛ حيث أصدر أمير الجماعة المقيم فى سامبيسا، أبو بكر شيكاو أوامره بمعاملة النساء بوحشية والإساءة إليهن. كن هن أيضًا بجوار التلميذات اللاتى اختطفتهن بوكو حرام عام ٢٠١٤ من شيبوك -واللاتى شغلت حالتهن العالم مع نداء «أنقذوا بناتنا»- بينما كانت الحركة تقوم بتلقينهن تعاليمها وتعين عليهن إعطاء النساء الوافدات دروسًا فى الإسلام.
بين صرخات أولئك النساء، استعرض باور قصة نشأة الجماعات الإرهابية المتطرفة وخلفياتها الاجتماعية السياسية، فالجماعة التى تطلق على نفسها اسم «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، ويسميها العالم «بوكو حرام»، تستهدف تأسيس خلافة فى نيجيريا، ويتعاونون فى ذلك مع تنظيم القاعدة فى مالى والجزائر، وسبق لأعضاء الجماعة أن بايعوا داعش فى صيف ٢٠١٤، بعدما احتلت خُمس مساحة نيجيريا فى أشهر قليلة. نقل الصحفى الألمانى فى كلماته تصويرًا لعالم توصمه وحشية لا يتصورها عقل، عبر أحاديث مُعايشيها؛ مؤكدًا أن الأمر الحاسم فى تطور جماعة بوكو حرام هو ضعف الدولة النيجيرية فى المقابل، فالفساد المتفشى وغياب القانون المترتب عليه جعلا وعود أصحاب اللحى والأفكار المتطرفة تجد لها أرضًا خصبة، كى يخلقوا ظروفًا مُعاد تنظيمها بمساعدة الشريعة، حسب رؤيتهم.