الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

المسرح المصري.. على الأصل دور.. أزمة طاحنة بين المؤرخين والنقاد على شرف بدايات "أبوالفنون" في مصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قالوها زمان فى الأمثال «الأصل غلاب»، و«على الأصل دور»، ولذا فإن جدلًا واسعًا ومعركة كبيرة تتصاعد فصولها يومًا بعد يوم، تدور رحاها حول بدايات المسرح المصرى.


بدأت الأزمة خلال إحدى الندوات البحثية التى أقيمت ضمن فعاليات الدورة الحادية عشرة من مهرجان المسرح العربى، التى نظمتها الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية فى الفترة من 10 حتى 16 يناير 2019.

حملت الندوة الفكرية محل الخلاف عنوان «نقد التجربة - همزة وصل».. المسرح المصرى فى نصف قرن «1905- 1952»، تم خلالها تقديم عدة أبحاث نقدية حول بدايات المسرح المصرى الحديث، والتجارب الراسخة التى أثرت وشكلت المشهد المسرحى فى البلد المضيف.

ويستند المهاجمون على أن بعض القائمين على هذه الندوة عمدوا إلى محاولة تشويه تاريخ المسرح المصرى، ومحو الفترات السابقة قبل عام 1905 وإسقاطها عمدًا من ذاكرة المسرح المصرى.


وكان على رأس المهاجمين الناقدة عبلة الروينى، التى وصفت فى مقال لها الندوة بالهزيلة، لأنها اعتبرت الفترة ما بين العام 1905 - 1952 هى إرهاصات العبث فى بدايات المسرح المصرى وتاريخه، متجاهلة الفترة التى سبقت العام 1905، وهم بذلك يتجاهلون قرابة النصف قرن من الإبداع.

كما شن الناقد المسرحى جرجس شكرى، هجومًا عنيفًا على الندوة، واصفا البحث المقدم للندوة بأنه لا يخلو من سوء نية عندما أرخ لبداية المسرح بتأسيس الشيخ سلامة حجازى لفرقته بعد انفصاله عن القرداحى، وما قبل ذلك أطلق عليه منسق هذه الندوات «المسرح فى مصر» وليس «المسرح المصري»، مبررًا وصفه أن المسرح نشأ بأيدٍ غير مصرية، باعتباره وصفًا لا يخلو من العنصرية، على حد قوله.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تمت مناقشة هذا الأمر فى الاجتماع الأخير للجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، كما دعا الفنان ياسر صادق لعقد اجتماع موسع بين جميع رؤساء المركز القومى للمسرح السابقون للفصل فى هذه القضية، وحسم تأريخ بدايات المسرح المصرى.

«البوابة» تفتح هذا الملف لتحقق في هذه الأزمة التى ما زالت قائمة حتى الآن، والتقت بمجموعة من المؤرخين والنقاد والأكاديميين لتحديد مراحل بدايات المسرح فى مصر والغرض من هذه الندوة، كما حرصنا على منح الدكتور سيد على إسماعيل، أستاذ المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان، فرصة الرد على هذه الاتهامات الموجهة إليه، والتى أصر خلالها على قوله «ابحثوا عن مسرح يعقوب صنوع لتكتشفوا الحقيقة بعد 150 سنة أكاذيب.


عمرو دوارة: 1870 بداية عصر الحقبة الحديثة

قال المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة: بدأت ريادة المسرح العربى على يد مارون النقاش اللبنانى فى ١٨٤٨، ثم أعقبها ريادة أخرى على يد أبو خليل القبانى السورى فى عام ١٨٥٦، ثم كانت الريادة الثالثة للمسرح المصرى فى عام ١٨٧٠، والتي بدأت على يد الكاتب المسرحى والصحفى يعقوب صنوع الشهير بـ«أبونضارة»، والذي تم نفيه على يد الخديو إسماعيل فى عام ١٨٧٢ لضيقه من مسرحه.

وعندما سافر «صنوع» فرنسا بعد نفيه، بدأ فى نشر مسرحياته وتاريخه باللغة الفرنسية، وكان من أوائل عروضه «درتين»، ثم استكملت البدايات بوصول سليم النقاش إلى مصر عام ١٨٧٦، ومن يومها استمر المسرح المصرى دون أن يتوقف بل حمل الراية لباقى البلدان العربية الشقيقة بعد ذلك، وفى عام ١٨٨٤ ظهر أبو خليل القبانى بفرقته من دمشق، ومن عام ١٨٧٦ حتى الوقت الراهن لم يتوقف المسرح فى مصر.

وأضاف دوارة: كل هذه الفرق قدمت مسرحيات تناولت قضايا المجتمع المصرى فى تلك الحقبة، وبدأ ظهور بعض فرق الهواة ثم بعض الفرق الإحترافية وذلك بخلاف تكوين فرق مسرحية ببعض المدارس القبطية والإسلامية وتقديمها لعروض، مؤكدًا أن اللجنة العلمية لمهرجان المسرح العربى التى تنظمه الهيئة العربية للمسرح، لم تقرر أن عام ١٩٠٥ بداية المسرح المصرى، لكن اللجنة أقرت بأنها مرحلة من المراحل والتى تبدأ من المرحلة الثانية فى تلك الفترة مؤقتًا لكن يسبقها المرحلة الأولى فيما قبل ١٩٠٥، موضحًا أن اللجنة العليا للهيئة العربية للمسرح لم تتدخل فى اختيار اللجنة العلمية تمامًا، لكن قررت تقسيم ما يقرب من ١٥٠ عامًا مسرحيًا إلى عدة مراحل.

وختم دوارة بقوله: «فى الحقيقة قمت بتوضيح جميع تلك النقاط بمداخلتى تحت عنوان «استعراض تاريخي»، حيث أكدت أن بداية المسرح المصرى الحديث كانت عام ١٨٧٠.


مصطفى سليم: الدراما الفرعونية بدأت قبل الميلاد.. ولا يمكن تغيير الثوابت العلمية

قال الدكتور مصطفى سليم، رئيس المركز القومى للمسرح، الأسبق، وأستاذ المسرح بأكاديمية الفنون، إن المراحل المسرحية فى مصر بدأت من المسرح والدراما الفرعونية قبل الميلاد، وأعقبتها مرحلة المسرح الشعبى فى الوطن العربى فى العصور الوسطى ظهر فيها مسرح خيال الظل والأراجوز وصولا إلى المواقف المضحة مثل الفأر وجورج دخول، مرورًا بمرحلة نقل الشكل الغربى للمسرح وكانت فى فترة القرن التاسع عشر نقل المسرحية فى شكلها الغربى ثم ظهور فرقة مارون النقاش، وأبوخليل القبانى، يعقوب صنوع.

ويضيف «سليم»: وفى نهايات القرن التاسع عشر ظهرت محطة إسماعيل عاصم ومسرح الجاليات الأجنبية وصولًا إلى بداية القرن العشرين فى مرحلة الثلث الأول منه، وهى مرحلة شيوع الفرق والمسارح فى عماد الدين، وهذه المرحلة لا نظير لها فى الوطن العربى وأطلق عليها «برودواى الشرق» تضم أكثر من ١٣ فرقة مسرحية، وتنتهى بفترة الكساد الاقتصادى ومدى تأثيرها على هذه الفرق المسرحية. وأكمل «سليم»، ظهرت مرحلة تأسيس المؤسسات العلمية التى بدأت بالمعهد العالى للفنون المسرحية وكانت أول مؤسسة لتعليم فنون المسرح فى الشرق الأوسط وأفريقيا فى عام ١٩٣٠، ثم الثقافة الجماهيرية، مرورًا بتأسيس أكاديمية الفنون فى عام١٩٥٩، وهى إحدى مؤسسات التعليم العالى المتخصصة فى تدريس الفنون التعبيرية، منتهيًا بتأسيس وزارة الثقافة فى ١٩٦٠، وأعقب هذه المرحلة ظهور مرحلة الستينيات، وهى مرحلة لا نظير لها فى الوطن العربى، وذلك لغزارة الإنتاج وتنوعه وجودتها، وصولًا بالثلث الأخير من القرن العشرين وظهرت حركة مسرح الدولة ما بعد حرب أكتوبر فى ١٩٧٥ حتى الآن، وتشمل تدريس موضوع المسرح، والاحتفالية فى المعرب، ومسرح الحكواتى فى الستينيات ومدى تأثيرها على المسرح.

وأكد «سليم»، أن المسرح المصرى بالنسبة للمتخصصين له جذور فرعونية وله شكل شعبى فى العصور الوسطى وقبل القرن العشرين، لسنا فى حاجة إلى التأريخ لهذه المراحل، لأن الدراسات العلمية تُدرس للباحثين دراسة النقد المسرحى أى ما يصل إلى ٧٥ عامًا، ولا يوجد من يدعو لتغيير هذه الحقائق، ولم يبدأ المسرح المصرى مع فرقة سلامة حجازى، وهذا ما يتناقض مع قسم النقد والدراما المسرحية وليس له علاقة بالمسرح المصرى، لكن شهدت فترة ١٩٠٥ تأسيس فرقة سلامة حجازى.

وأوضح أن مسرح الأراجوز اعترف به اليونسكو مؤخرًا، وهو أقدم من تاريخ ١٩٠٥، مشيرًا إلى أنه عندما رصد الناقد والمؤرخ الرومانى «بوتارك» فى حين أكيد على أكبر أسطورة قدمت وهى إيزيس وأوزوريس، وأن الملك أوزوريس كان يغزو العالم دون حروب، لأنه يسحر الأمم بعروضه الفنية، مؤكدًا أن مسرحية «الرياح الأربعة» «تنصيب الملك»، هما أقدم مسرحيتين فى التاريخ، العلم وضع فى الكتب، ولا يسمح لأحد لتغيير هذه الثوابت العلمية، فلولا مصر ما قدمت الفرق المسرحية مسرحًا.


"السلامونى": نحتاج إعادة النظر فى كتابة «عروض الشارع» لتوثيقها..

قال الكاتب محمد أبوالعلا السلامونى، إن مناقشة ما أشيع مؤخرًا حول بدايات المسرح المصرى فى عام ١٩٠٥ بلجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، أمر خاطئ تمامًا وغير حقيقى، فبدايات المسرح المصرى كانت فى مراحل مختلفة بداية من العصر الفرعونى، حيث قدمت قصة إيزيس وأوزوريس داخل المعابد، ثم الإغريقى الذى نقل المسرح خارج المعابد، والرومانى أيضًا والدليل على ذلك أن هناك مسارح رومانية بالإسكندرية وغيرها، إلى جانب العصور الوسطى والقرن التاسع عشر ثم القرن العشرين وفترة الستينيات إلى الآن.

وأضاف «السلاموني»، أن هناك فرقًا كثيرة بداية من مارون النقاش، ويعقوب صنوع الذى أسس فرقة فى مسرح الأزبكية ١٨٧٠، ثم عبدالله النديم أسس فرقة بالإسكندرية فى عهد الخديو إسماعيل فى ١٨٧٥، مؤكدًا أن ظاهرة المسرح المصرى موجودة منذ الحملة الفرنسية على مصر عندما استخدم نابليون المسرح الكوميدى فى مصر، وكانت هناك مجموعة من فرق مسرح السامر وغيرها من الفرق الشعبية، لكن الجهات الرسمية لا تهتم بها ولا تعمل على توثيق عروض مسرح الشارع، وكان الاهتمام بالكوميديا الفرنسية والأوبرا.

وأكد السلاموني، أننا في أشد الحاجة إلى إعادة نظر وكتابة المسرح المصري وخصوصا عروض مسرح الشارع في تلك الفترات لإثباتها.


سيد علي إسماعيل: ابحثوا عن مسرح "صنوع" لتكتشفوا الحقيقة بعد١٥٠ سنة أكاذيب..

قال الدكتور سيد على إسماعيل، أستاذ المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان: «أنا أتعجب من إثارة موضوع بداية المسرح المصري من قبل أشخاص لم يقرأوا شيئًا عن الموضوع، فالندوة لم تقم بتأريخ المسرح، ولم تتعرض لتاريخ المسرح نهائيًا، ولو قرأ أى إنسان تعريف الندوة الموجود فى الإعلان المنشور منذ يوليو الماضى وحتى الآن، لوفرّ على نفسه هذه الضجة المفتعلة، حيث جاء فى تعريف الندوة: «تتم من خلالها دراسة نقدية للتجارب الراسخة والتى أثرت، وشكلت المشهد المسرحى فى البلد المحدد، بحيث يكون لهذه الدراسة النقدية «وليست التاريخية».. إلخ»، وهذا هو التعريف الذى لم يقرأه أحد ممن أثاروا الضجة، فبحوث الندوة لم تكن للتأريخ، ولا يوجد بها أى بحوث تاريخية، سوى كلمة الدكتور عمر دوارة فى الجلسة الافتتاحية، وهى بعنوان «استعراض تاريخي»، وبدأها بيعقوب صنوع عام ١٨٧٠.

وأضاف «إسماعيل»: «كما أن اثنى عشر بحثًا من بحوث الندوة تحدث أصحابها فيها عن صنوع، وجميع البحوث كانت فى نقد التجارب الراسخة التى أثرت وشكلت المشهد المسرحى، وأول تجربة راسخة مؤثرة، أسهمت فى تشكيل المشهد المسرحى المصرى، هى تجربة سلامة حجازى عام ١٩٠٥، التى أخرجت فرقة «أولاد عكاشة»، وأثرت فى الفرق الغنائية مثل منيرة المهدية وسيد درويش، وشكلت ما يعرف بالمسرح الغنائى، أما اختيار الفترة البحثية من «١٩٠٥ - ١٩٥٢» من أجل نقد تجاربها - وليس تأريخها - لأنها فترة مسرحية مصرية لم يُكتب عنها الكثير، ويجب الكتابة عنها، لأنها فترة تتعلق بالمسرح المصرى الأكبر والأهم فى منطقتنا العربية على مر الزمان، وهذا هو الهدف العلمى من تحديد الفترة، لنقد تجاربها وليس تأريخها.

وعن اتهامه بالعنصرية، قال «إسماعيل»: «إن القول بإن هذا المسرحى مسلم، وذاك مسيحى، فهذا قلته عندما دافعت عن مسيحيين عربيين، أراد الكيان الصهيونى سرقة تاريخهما وتراثهما المسرحى، بتزوير ريادة الأول من خلال وضع يهودى بدلًا منه، وبتغيير ديانة الآخر من مسيحى إلى يهودى، وسرقة مخطوطاته المسرحية ونشرها فى كتاب (إسهامات اليهود فى المسرح العربي)، والمسيحى الأول هو مارون النقاش، عندما قام - شاموئيل موريه الإسرائيلى، وفيليب سادجروف الإنجليزى فى كتابهما المنشور فى إنجلترا «إسهادات اليهود فى المسرح العربي» - بحذف ريادة مارون النقاش المسيحى ومحاولة تثبيتها لأبراهام دانينوس اليهودى، والحمد لله إننى تصديت لهذه المحاولة ومنعتها بفضل الله، والمسيحى الآخر هو أنطون شحيبر عندما جعلاه فى كتابهما - سالف الذكر - يهوديًا، ونشرا له سبع مخطوطات مسرحية فى كتابهما على أنها مخطوطات مسرحية لمسرحى يهودى، وتصديت لهذه المحاولة أيضًا، وطالبت بمصادرة الكتاب، فإن كان موقفى هذا يُعد «عنصريا» من وجهة نظر المغرضين فأنا أعترف بعنصريتى، طالما أحافظ بها على حقوق المسيحيين ضد سرقة وتزوير تاريخنا وتراثنا المسرحى من قبل الكيان الصهيونى.


ويكمل أستاذ المسرح: «أما موقفى من يعقوب صنوع ومسرحه، فيتلخص فى الآتي: إننى أنكر ريادة يعقوب صنوع للمسرح المصرى، مع إقرارى بجهوده المسرحية الإيطالية، وجهوده المسرحية المنشورة فى صحفه بفرنسا، لأننى اكتشفت أن «جميع» من كتب عن صنوع ومسرحه فى مصر، كتب من خلال مصدرين لا ثالث لهما: الأول مذكرات صنوع، والآخر صحفه، وكأن صنوع كان يعيش فى كوكب آخر، هذا ما طرحته منذ عشرين سنة فى كتابى «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» وحتى الآن لم أجد ولم يجد غيرى-من مصريين وعرب وأجانب- «مقالة» واحدة، أو صفحة «واحدة»، أو «إعلانًا» واحدًا من عام ١٨٧٠ إلى ١٨٧٢ يتحدث عن مسرح يعقوب صنوع فى مصر، بوصفه مصريًا رائدًا للمسرح المصرى، ولعلها دعوة للجميع، ابحثوا عن مسرح صنوع لتكتشفوا الحقيقة بعد ١٥٠ سنة أكاذيب».

مراحل نشأة المسرح في مصر..

بدأت ظهور فكرة المسرح فى العالم بالعصر الفرعونى، فقد قدموا فنونا مسرحية، وجدناها فى النقوش التى ظهرت بمحيط المقابر الفرعونية، واستمد مصطلح «المسرح» جذوره من كلمة «ثياترون» الإغريقية التى تعنى مكانًا مخصصًا للمشاهدة الذى بنى على شكل مدرجات نصف دائرية منحوتة من منحدر التل، وبالتالى يعتبر العصر الإغريقى هو أساس المسرح الذى بدأ باستغلال البداية التى ظهرت فى العصر الفرعونى لوضع وتحديد الأسس العلمية للمسرح، وهى تعتبر أشبه بمسارحنا الآن، مرورًا بعصر النهضة الذى ظهر فيه فنية المسرح والاستفادة بالأسس الإغريقية وإضافة النظريات والأفكار التى أظهرت فنيته، منتهيا بالعصر الحديث وهى فترة تسمى بازدهار المسرح التى استعانت بما قدمته العصور السابقة وتطويرها لتتلائم مع التطور الحضارى والتكنولوجى الذى حدث فى العصر الحديث وابتكار أحدث الأساليب والتقنيات المستخدمة لازدهار المسرح.

ويرجع أصل المسرح فى جميع الحضارات إلى الاحتفالات المتصلة بالطقوس الدينية، فالمسرح مزيج من فنون وحرف عديدة، وتأثيره ونجاحه يجب الحكم عليه من تكامل هذه الفنون جميعًا، وحرفية المسرح قائمة على الجانب العملى فى كل ما يسمعه ويراه الجمهور، وتحويها من النص المكتوب إلى عمل جماعى متكاملة عناصره المسرحية، يؤديها الممثلون بملابسهم ومكياجهم داخل العمل بالإضافة إلى الملحقات التى تلحقهم من الإضاءة والمؤثرات والموسيقى فى وحده فنية متكاملة العناصر المسرحية برؤية مخرج العمل ومساعديه تجعل الجمهور يشاهد، ويستمع ويتأثر بهذه الأعمال، وشهد المسرح المصرى نهضة مسرحية فى فترة ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، لكن مر المسرح المصرى خلال السنوات الأخيرة بتدهور بسبب أوضاع الدولة.

بدأت رحلة نشأة المسرح فى الوطن العربى فى منتصف القرن التاسع عشر، وكان دخيلا على الأدب العربى، وأول ما نشأ المسرح كان عن طريق الترجمة على يد الفنان «مارون النقاش» الذى أخذ بتحويل بعض الأعمال المسرحية إلى العربية وقام بتمثيلها مثل مسرحية «البخيل» للمؤلف المسرحى الفرنسى «موليير»، ومسرحية «الحسود والسليط».

وجاء من بعده الفنان «سليم النقاش» الذى قام بترجمة بعض الأعمال المسرحية أيضًا، وهى «اندروماك» و«ميتردات»، كل ذلك فى سوريا.

أما فى مصر فقد أنشا «يعقوب صنوع» والملقب «بابو نضارة» أول مسرح عربى فى مصر عام ١٨٧٠، حيث قدم على خشبته ما يقرب حوالى ٣٠ عرضًا مسرحيًا تتراوح بين المشهد الواحد والتراجيديا عن الروايات المترجمة عن الفرنسية وكتب فيها عن حالة الفقر فى مصر وهاجم فيها الخديو إسماعيل، وبدأ النشاط المسرحى فى تلك الفترة ثم لاحقها مرحلة الاقتباس من التاريخ العربى، وكان أوبريت «راستو وشيخ البلد والقواص» التى راع مؤلفها فى كتابتها باللغة الشعبية الممزوجة ببعض الأغانى الشعبية المنتشرة فى تلك الحقبة الزمنية وأصبحت متداولة على ألسنة الناس، وكانت فرقته تتكون من ١٠ فتيان فقط، وفى بعض الأعمال كان أحد أبطال فرقته يرتدى الملابس النسائية ويقدم أحد أدوارها، ثم انضم إلى فرقته فتاتين، وأصبح مسرحه مزدهرًا، حيث عانى كثيرًا فى بداية مشواره مع المسرح، وذلك نظرًا إلى جهل الجمهور بالفن المسرحى، وأخذ قبل بداية كل عرض يطل على الجمهور ويشرح ما يتناوله العرض ومغزاها الاجتماعى والأخلاقى حتى يفى قدر استيعاب الجمهور لما يقدمه من عروض مسرحية.

وقام «صنوع» بتمثيل ثلاثة عروض مسرحية كوميدية وهى «البنت العصرية» و«الضرتين» و«غندورة مصر» أمام الخديو إسماعيل وحاشيته فى قصر النيل، والتى نالت اعجابه، لذلك أطلق عليه الخديو لقب «موليير» مصر، نظرًا لما كان يقدمه صنوع من أعمال تشبه الملاهى والهزليات التى كان يقدمها الكاتب المسرحى الفرنسى «موليير»، وسمح له بإنشاء مسرح قومى وقدم عليه عروضه المسرحية كثيرة للجمهور، وعندما قدم عرض «الوطن والحرية» الذى سخر فيها من فساد القصر إلا وغضب الخديو إسماعيل منه وأمر بإغلاق مسرحه ونفى صنوع فى فرنسا حتى لاحقه الموت.

وانتشر الفن المسرحى الغنائى فى بدايات القرن العشرين وكان يسمى بـ«أوبريت» الذى اشتهر بها الفنان «جورج أبيض» بعد عودته من فرنسا فى ١٩١٠، وحمل على عاتقه المسرح الدرامى، لكن العروض الغنائية الراقصة فرضت نفسها عليه واعتمد من خلال هذه العروض على مجموعة كبيرة من الفنانين المعاصرين، أمثال «سلامة حجازى، سيد درويش»، ولكن أخذ المسرح الدرامى يفرض نفسه على الساحة فى العشرينيات بانضمام الفنان «يوسف وهبي» إلى قائمة رواد المسرح، فقدم أعمالًا مسرحية حققت نجاحا كبيرا فى القاهرة والاسكندرية إلى جانب الدول العربية، وكان فى ذلك الوقت ينافسهم رواد المسرح الكوميدى، وهما الفنانان «نجيب الريحاني» و«على الكسار» استطاعا تقديم عدد من العروض الكوميدية من نابع تأليفهما الخاص دون اقتباس.