الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"قصر الخلد".. بدأ بتقليد "فرساي" وانتهى بمعرض للفنون التشكيلية

قصر عائشة فهمى
قصر عائشة فهمى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بين جدران كل مبنى أثرى فى مصر حكايات لا تنتهي، قصص للغرام، وأخرى للحكم، وثالثة مأساوية لعلاقات بين الشرق والغرب، يسرقك هذا المبنى فى أقل من ساعة لضحايا الغرام، الذين سقطوا فى سبيل الحب أفواجًا، كان من بينهم «على باشا فهمي» ابن الأكابر، الذى هوى قلبه فى عشق «مارجريت ميلر» بنت سائق فرنسي، وامرأة لعوب، بدأت حياتها بأن كانت سببا فى مقتل أخيها، ثم تستمر حياتها لتسقط رجلا تلو الآخر فى حبها، مستغلة جمالها، فتشعر بلذة كلما مارست أمراضها النفسية بخداع الرجال، عندما سقط أول ضحاياها وتركته بعدما أنجبت منه طفلة بطريقة غير شرعية، وبعد الرجل الثانى والثالث يسقط الباشا على فهمى فى خضم معاركها مع الرجال لتخدعه، ويُجر ابن الذوات حاله وماله لفرنسا ناسيًا ذلك الشاب مكانته وإرثه الذى بلغ الـ 5 آلاف فدان وكونه كبير ياوران الملك فؤاد. قصر «الخلد» هكذا أطلق عليه «فهمي»، ربما كان يريد أن يخلد اسمه بين جدران المبنى، شاهدًا على شخصية كُتب عنها قصص وروايات وأفلام بعد موته، وكانت ملهمة للكثير من الروايات والقصص السينمائية، منها فيلم «أنشودة الفؤاد»، وفيلم «وخز الضمير».

أراد على فهمى تأسيس قصر يشبه القصر الملكى فى «فرساي» غرب مدينة باريس، والذى بُنى فى 1624 على يد لويس الثالث عشر، ولكن كان مدخله فقط سيكلف قرابة المليون جنيه مصري، وقتها كان المبلغ ضخما، فعدل الباشا عن فكرته، ولكنه بنى القصر الحالى عام 1907 وصممه المهندس الإيطالى «أنطونيو لاشاك» على الطراز الكلاسيكى. بعد مقتل «الباشا» بثلاث رصاصات على يد زوجته فى أحد فنادق لندن، انتقلت ملكيته إلى عائشة فهمى، بعدما اشترت نصيب أشقائها، ليمر القصر حتى يصل به الأمر الآن إلى متحف للفنون التشكيلية.

 

«كنوز متاحفنا» بين جدران قصر عائشة فهمى

 إيهاب اللبان: النسخة الثالثة من العرض شاهدة على عبقرية الحضارة

 آلاف من التماثيل واللوحات الشاهدة على التاريخ المصرى تدل على عبقرية الفن التشكيلى المصري، وخروج من نفق حبس بعضها بين جدران المخازن، لتزين فكرة «كنوز متاحفنا» فى السلسلة الثالثة لها والتى تحمل اسم «ملامح عهد» فى قصر عائشة فهمى برعاية قطاع الفنون التشكيلية، ويهدف المعرض للتذكير بأهمية الثروات المتحفية المصرية، خاصة أن الكثير من أبناء الجيل الحالى لم ير المقتنيات فى ظل حقبة حكم أسرة محمد علي. وفى البداية، يستقبلك تمثال محمد علي، ولوحات رُسم عليها الخديو إسماعيل، لتظل أسرة الملك فؤاد شاهدة على اهتمام هذا العصر بالفن والتصوير والنحت.

الغريب فى الأمر أن الكثير من اللوحات فى المعرض لفنانين مجهولى الاسم، وكأن تلك البورتريهات شاهدة على جندى مجهول شكل ملامح تلك الحقبة الزمنية.

ويسرد الفنان إيهاب اللبان، مدير قصر عائشة فهمي، أو «مجمع الفنون» كما يطلق عليه، حكاية إقبال الزوار على القصر قائلا: «الهدف من سلسلة كنوز متاحفنا أننا نعرض لوحات وتماثيل وأشياء أثرية لم تر النور قبل ذلك، ونخرجها من بين ظلمات المخازن إلى نور عيون الزائرين، فى هذه السلسلة الثالثة التى يتم تنظيمها داخل القصر لوحات وبورتريهات وتراث نادر يتم عرضه لأول مرة، بعدما كان حبيس المخازن لفترات طوال».

ويواصل: «الفن التشكيلى من أعظم الفنون، والمصرى يتذوق ذلك الفن على عكس ما يعتقد البعض، والدليل على ذلك الزيارات اليومية للقصر التى تتعدى الـ٢٠٠ زائر وتصل إلى ٣٠٠ زائر فى الأيام العادية، وإن دل ذلك على شىء فيدل على نجاح المعرض وحب المصريين للفنون والتاريخ، الأمر الذى يجعلنا نفكر فى مد فترة معرض «ملامح عهد» الذى يتناول فترة حكم أسرة محمد على لفترة أخرى». ويصف «اللبان» القصر بأنه تحفة معمارية فريدة، تم بناؤها على الطراز الكلاسيكي، حيث يتكون القصر من طابقين، وكل طابق يحتوى على عديد من الغرف، يزين جدران القصر لوحات وبعض من الرسومات والأشكال بالحرير الطبيعي، والطابق الثانى يضم غرفة للنوم فى الشتاء وأخرى للصيف ولكن أشهر الغرف هى الغرفة اليابانية التى تم إهداؤها لعائشة فهمي، ومخطوط عليها كلمات باللغة اليابانية. ويختتم إيهاب اللبان حديثه قائلا إن المعرض مفتوح للجميع ويستقبل كل المراحل والفئات المجتمعية المصرية ويهدف للتعريف بحقبة مهمة من التاريخ المصري، وزيارته تضيف الكثير من المعلومات للزائرين.

 

 

الغرفة اليابانية.. «سحر وجنة تقودك لعالم آخر»

تصعد إلى دهاليز ذلك القصر لتسمع أصوات تهمس فى خفوت، سائلة عن الغرفة اليابانية، جدران اكتست باللون الأحمر، وسقف تشابك ليخرج لوحة فنية فريدة، كل جزء من هذه الغرفة تقف أمامه صامت فى حرم الجمال، فجأة تنظر إلى أعلى الغرفة تتعلق أنظارك بجمال الفن المعمارى فى سقف الغرفة، الذى ينقل الفن اليابانى داخل القصر. نُقش على جدران الغرفة صور وكلمات يابانية لتزين الغرفة من الداخل، ووجود تماثيل لبوذا فى أركان الغرفة.

 

نقود وميداليات شاهدة على العصر

داخل صندوق زجاجى لحفظها، تعرض ميداليات مهمة لحقبة أسرة محمد علي، حيث هناك ميدالية تذكارية من البرونز، ويبلغ عرضها ١٠.٤ سم وطولها ١٢.٣ سم، كما يحتفظ المعرض بميدالية تتضمن نقشًا للأسطورة الإغريقية «بروميثيوس»، وتعد قصة الأسطورة الإغريقية من أهم القصص فى الفكر والتاريخ الغربي، حيث يعد بروميثيوس واحد من الحكماء وكان لديه القدرة بالتنبؤ بالمستقبل. كما يوجد ميدالية تستلهم قصة كفاح القديس «كريستوف» حامل السيد المسيح، ويبلغ قطرها ١١.٦ سم، وهى من البرونز وموقعة باسم الفنان «henry dropsy». كما يضم المعرض العديد من النقود المعدنية لعصور مختلفة وحكام مختلفين من أسرة محمد على بداية من محمد على وانتهاء بالملك فاروق.

 

 تمثال جبسى لـ«محمد على باشا» أبرز المقتنيات

«ملامح عهد» يعكس صورة الأسرة المالكة

على بعد أمتار قليلة من بداية القصر من الداخل، تجد تمثالا كأنه صمم بالأمس، نظرا لدقة الفنان الذى أتقن العمل فى هذا التمثال، وذلك ضمن معرض ملامح عهد الذى شمل العديد من الرسومات واللوحات والمجسمات تمثل انعكاسا حقيقا لأسرة محمد على باشا وكأنك تعيش بالفعل فى تلك الفترة الملكية التى مثلت حقبة من الزمان فى تاريخ مصر، ومن هذه التماثيل، التمثال النصفى المصنوع من الجبس لمحمد على باشا، الذى يعد أحد أهم المقتنيات الموجودة بالمعرض، واختار القائمون على معرض «ملامح عهد» وضعه فى قلب قصر عائشة فهمى فى استقبال الزائرين. ويحمل المعرض التكوينات الجمالية لتماثيل ميادين مصر آنذاك لاسيما فى القاهرة والإسكندرية، كما يظهر فى تمثال الخديو إسماعيل الذى كان من المقرر وضعه فى ميدان الإسماعيلية «التحرير حاليا»، وكذلك تمثال آخر بارز لمحمد على باشا وهو يعتلى حصانا، وهو مصنوع من البرونز، وهو مصغر أصلى للتمثال القائم حاليا بميدان المنشية بمدينة الإسكندرية للنحات هنرى ألفريد جاخمار.

 

الملك فاروق.. صياد «بط»

لكل إنسان هواية أو رياضة مفضلة، حتى الملوك والرؤساء لديهم هوايات ورياضات مفضلة مثل ركوب الخيل، الإسكواش، كرة القدم والسباحة. وقد كان الملك فاروق يهوى صيد البط، ونشرت إحدى الصحف فى عهده أنه تمكن فى أربع ساعات من صيد ٣٤٤ بطة، فيما لم يتمكن سفير الهند آنذاك، والذى كان برفقته، من صيد سوى بطة واحدة، كان ذلك خلال افتتاح موسم صيد البط، الذى كان يقام سنويا بمصر ويفتتحه الملك فاروق بضيعته الخاصة بالتل الكبير، فيما عرف عن الرئيس المصرى الراحل محمد نجيب أنه كان يحب التجوال. وسلط معرض «ملامح عهد» الضوء على فترة حكم الملك فاروق، ورصد صورة له وهو يصطاد البط ورسمها فنان أجنبي، والتى تعتبر من مظاهر اليوميات التى حرص الملك فاروق عليها حيث تم تصويره فى لوحات زيتية خلال عدد من أنشطته الشهيرة، منها الصيد، والإطار الذى احتوى تلك اللوحة التى رسمها الفنان الأجنبى «زانيلني»، تم نحته بما يلائم موضوع الصيد فى اللوحة، فظهر عليها البط وبنادق الصيد علاوة على التاج الملكى وعلم مصر فى تلك الفترة، كما ظهر الملك فاروق فى لوحة أخرى، وهو يرتدى ملابس أمير البحار.

 

طاقم شاى مكون من «32 قطعة» مذهبة.. والإهداء من شركة قناة السويس

مقتنيات ثمينة من الحياة اليومية للأسرة العلوية

تميز معرض «ملامح عهد» بتسليط الضوء على كل ما يخص الأسرة العلوية خصوصًا لعاداتهم اليومية، وهوايتهم المتعددة من ممارسة الرياضة اليومية وممارسة هواية الصيد، من الاستيقاظ صباحًا إلى النوم، ومن المقتنيات الشاهدة على الحياة اليومية لأسرة محمد علي، والتى عكست معها وجوهًا للحياة التى لا تنفصل كثيرًا عن الحالة السياسية التى عرفتها قصور تلك الفترة الزمنية. وعندما تمر يسارًا إلى أحد أجنحة المعرض، يعرض طاقم شاى من الفضة المذهبة، وكان إهداء لوالدة الخديو إسماعيل، ويتميز بنقوشه الزخرفية الجميلة المحلاة. ويتكون من «٣٢ قطعة» ومدموغ تحت كل قطعة اسم الشركة الصانعة بباريس، وهى إهداء من شركة قناة السويس، لتصبح قطع الشاى تلك إحالة لتاريخ كامل يعود لما يقرب من ١٥٠ سنة من افتتاح قناة السويس فى عهد الخديو إسماعيل.