الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الحقيقة واللغة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن نفهم اللغة بأوسع معانيها على أنها نوع من الإشارة أو الرمز يقصد به الوصول إلى نوع من التفاهم، أى هى تعبير عن القدرة على التقدم والتفاهم المتبادل؛ وعلى تعقل الأشياء وفهمها. والتفكير المنطقى ذاته يقتضى القول بتداخل اللغة فى كل فكر.
ولقد اهتمت «الوضعية المنطقية» على وجه الخصوص- كما رأى المفكر الكبير «زكى نجيب محمود» فى كتابه: «نحو فلسفة علمية» - بتحليل اللغة تحليلًا منطقيًا. ولا يراد بالتحليل هنا ما يقصده أهل اللغة بشرح المفردات وتحديد معانى الألفاظ - وإلا كانت قواميس اللغة ومعاجمها كفيلة بتحقيق هذه الغاية - إنما يراد به التحليل المنطقى وإزالة اللبس والإبهام من الأفكار بحيث تصير عناصرها واضحة جلية مثمرة. وبهذا التحليل يمكن التمييز بين العبارات التى تحمل معنى والعبارات الخلو من كل معنى.
معنى ذلك، أن الوضعيين المناطقة طبقوا الطريقة العلمية للتفكير على عبارات اللغة وألفاظها التى نصوغ فيها مشكلات الفلسفة وجعلوا المعيار الذى نحكم بناء عليه بما إذا كان للقضية معنى هو إمكان تحقيق هذه القضية فى الواقع الخارجي. بهذا نفهم مذهبهم الذى يربط ربطًا وثيقًا بين معنى الجملة من جهة وطريقة تحقيقها من جهة أخرى، فما ليس لدينا طريقة لتحقيق صدقه يكون حديثًا أو كلامًا بغير معنى؛ وما يكون كلامًا ذا معنى هو ما نملك وسيلة التحقق من صدقه. والتحقق من الصدق لا يكون - بالبداهة إلا إذا فهم للكلام معنى، وفهم المعنى لا يكون إلا إذا كانت لدينا خبرات ماضية تستثيرها فى الذاكرة ألفاظ الجملة المراد فهمها وتحقيقها؛ هكذا يتصل معنى الجملة بتحقيق صدقها اتصالًا يجعل قيام أحدهما مستحيلًا بغير الآخر، فيستحيل أن يكون للكلام معنى بغير أن يكون ممكن التحقق على أساس خبراتنا، ويستحيل أن يكون تحقيق الكلام ممكنًا بغير أن يكون له معنى مفهوم استنادًا إلى خبراتنا أيضًا. 
وعلى ضوء هذا التحليل؛ فإن بعض الفلاسفة يتفقون على أن لغة الاستخدام اليومية هى الأساس الذى نحكم به على صحة أو خطأ العبارات التى نقولها. فكل كلمة يتحدد معناها بناء على الطرق التى تستخدم بها بالفعل فى التشكيلات اللغوية المختلفة الخاصة باللغة اليومية. أى أنه من خلال الكلام المعلن تظهر العبارات أو الجمل التى من الممكن أن يقال عنها إنها حقيقية أو غير حقيقية، صحيحة كانت أم خاطئة، حتى إن لم يكن بعضها لغة أولية حاملة للحقيقة. ويتفق البعض الآخر أيضًا على أن صحة الكلام تعتمد على معانى التعبيرات التى تتضمن الكلمات والأسماء والأعداد... إلخ، وتعتمد معانى هذه التعبيرات التى تمثل قوام اللغة على استخداماتها الثابتة فى اللغة ككل، وفى سياق الكلام أو فى الممارسة اللغوية للكاتب والمتحدث. 
ويستطرد «مفكرنا الكبير» ويرى، أن بعض علماء اللغة يصرحون بأن الألفاظ المفردة لا قيمة لها إلا إذا اقترنت بسواها، فدلالة الأسماء والأفعال عند التجريد كدلالة الحروف سواء بسواء. فإن قولك «رجل» و«ماء» و«تراب» كقولك «فى» و«على» و«ثم» و«قام» و«قعد» و«ضرب»، فهى لا تفيد شيئًا لأن شرط إفادتها تركيبها، كما أن شرط إفادة الحرف تركيبه مع غيره. وليس هناك صواب أو خطأ فى دلالة الكلمة على مسماها الذى اتفق الناس على أن تدل عليه، وإنما يبدأ الصواب أو الخطأ فى استعمال الناس لهذه الكلمة بعد أن تم الاتفاق على استعمالها. فإذا كنا قد اتفقنا على أن يكون لفظ «قلم» دالًا على هذه الأداة المعينة التى نكتب بها، أصبح من الخطأ أن نستخدم هذا اللفظ لغير ما وُضع من أجله. إلا إذا نبهنا السامع أو القارئ للتغيير الذى أحدثناه فى معناه. ومن ناحية أخرى، نظرًا لأن استخدام التعبير الذى يعتمد عليه معنى اللفظ، وبالتالى صحته على القواعد والأصوات الكلامية، فإن تفسير هذه التعبيرات يتم من خلال الإشارة إلى المتكلم ذاته أو إلى العلامات أو الإشارات التى تربط هذه التعبيرات بمصادرها الأساسية.