رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

محمد لطفي يكتب: القاهرة الجديدة وحلم الدورة الـ50

محمد لطفي
محمد لطفي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لملم معرض القاهرة الدولى للكتاب، أوراق يوبيله الذهبي وانصرف مخلفا وراءه كثيرا من الزوابع والأعاصير التى لن تنتهى قريبا فيما يبدو.
تلك الزوابع التى انطلقت منذ اللحظة الأولى لإعلان قرار نقل معرض الكتاب إلى مركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس بدلا من أرض المعارض بمدينة نصر، ظلت تلازم كل قرار يتم اتخاذه فى إطار الاستعداد والتحضير لهذه الدورة الاستثنائية، حتى انتهت فعالياتها منذ أيام قلائل.
ومنذ قرار نقل المعرض إلى مقره الجديد، عمل كل فريق المعرض على أعصابهم، فيما عمل العديد من المتابعين على إبداء تخوفات كثيرة من هذه النقلة التى يمكن أن تكون نهاية حقيقية لأقدم وأهم المعارض فى المنطقة كلها، باعتبارهم لا يعرفون مكان المعرض الجديد، والإنسان عدو ما يجهل.
وكان يمكن الاستسلام لتلك التخوفات لولا إصرار القائمين على المعرض، وعلى رأسهم الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة، على إتمام هذه الخطوة بأى ثمن، بعد دراسة استراتيجية لموقع المعرض الجديد، وهى مغامرة تحسب لهم على كل حال، خاصة أن أى محاولة لترقيع عيوب أرض المعارض بمدينة نصر سوف تتكلف مبالغ طائلة ولن تحقق النتائج المرجوة، ولن تكون نتائجها مبهرة كما حدث فى اليوبيل الذهبى للمعرض.
مدت هيئة الكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي، الخط على استقامته وقررت أن تتخلص من الإرث القديم والمشاكل التقليدية للمعرض فى ضربة واحدة، فشكلت لأول مرة لجانا متخصصة فى كافة المجالات الثقافية والفنية والإعلامية للخروج بهذه الدورة بشكل جديد، وهو ما تحقق إلى حد بعيد.
لاقت خطوة تشكيل اللجان انتقادات لاذعة وتصدرت محركات البحث على الشبكة العنكبوتية، ولأول مرة أصبح معرض الكتاب حديث الرأى العام قبل انطلاقه بعدة أشهر.
وفى غمار الاستعداد للمعرض وقعت الكثير من التفاصيل التى لم تعلن حتى الآن، أو تلك التى شغلت الرأى العام مثل مقاطعة مكتبات سور الأزبكية لمعرض الكتاب، معلنين عن معرض جديد فى مقراتهم يوم ١٥ يناير الماضى ولمدة شهر، وبالفعل لاقى مهرجانهم إقبالا لافتا من عشاق الكتاب القديم والمستعمل ولكنه لم يخصم من رصيد دور النشر وأعضاء اتحاد الناشرين، وجاء الإقبال على معرض القاهرة بالفعل مذهلا للجميع.
وطوال هذه الفترة لم تتوقف حرب الشائعات يوما واحدا، فمن رفع أسعار التذاكر إلى ثلاثين جنيها، إلى رفض إدارة معرض الكتاب تزويد دور النشر بالكتب التى تنفد أثناء فترة المعرض، ترددت الكثير من الترهات.
أخذ الكثير من الناشرين قرار المشاركة فى المعرض، وسط تخوف كبير من مقاطعة الجمهور للمعرض فى مكانه الجديد، وكان جل طموحهم أن يخرجوا من هذه الدورة بلا خسارة مادية، وكان يمكن للوسط الثقافى أن يواجه مشكلة كبيرة إذا فشل معرض الكتاب فى تحقيق أهدافه التى يقام من أجلها، وفى مقدمتها إثراء حركة الطباعة والنشر باعتباره موسما لإثراء وتداول المطبوعات والإصدارات الجديدة فى مصر والعالم العربي.
وكانت هذه المخاوف تزداد يوما بعد يوم، مع اقتراب موعد انعقاد اليوبيل الذهبي، ولكن مع الساعات الأولى للمعرض تبددت كل هذه المخاوف وتلاشت مع تزايد الإقبال الجماهيرى الكبير الذى شكل مفاجأة حقيقية للجميع، وأثبت أن كل الجهود التى بذلت للإعداد لهذا الكرنفال الذى أدهش الناشرين العرب، لم تذهب سدى، وأن البطل الحقيقى لهذا المعرض هو الجمهور الحقيقى من عشاق الكلمة المكتوبة.
وطوال أيام المعرض التى مرت سريعا كالأحلام الجميلة، كان الحضور الأنيق لنجوم الثقافة العربية والعالمية يزين النشاط الثقافى الذى عانت معظم الصحف والمواقع الثقافية والإخبارية من اللهاث خلف متابعته لكثرة الوجبات الثقافية الدسمة وتنوعها وانعقادها طوال اليوم بدءا من الثانية عشرة ظهرا وحتى الثامنة مساء كل يوم.
وقد حرص الكثير من القامات الثقافية على تلبية دعوة المعرض مثل المفكر السورى فراس السواح الذى غاب عن القاهرة لأكثر من أربعة عقود، وكذلك المفكر الليبى الكبير إبراهيم الكوني، وسعود السنعوسي، وعبده خال، هدى بركات، حبيبة المحمدي، فرانشيسكا كوراو.
ولم يتخيل أكثر المتفائلين، ما حدث من نجاح فاق التوقعات، وصل صداه إلى الأوساط الثقافية العالمية، وتجلت مؤشراته فى موافقة إدارة معرض فرانكورت الدولى للكتاب، على إنشاء بروتوكول تعاون بينه وبين معرض القاهرة الدولى للكتاب، لتبادل الأجنحة، بعد مماطلة استمرت لعدة سنوات مضت، كانت إدارة فرانكفورت ترى أن مستوى معرض الكتاب المصرى يعانى من سوء مستواه، ومن هنا جاءت مفاجأة البروتوكول لتؤكد للكافة أن مصر وعلى مستوى مجال صناعة الكتاب والنشر قد استردت عافيتها واستردت مكانتها الدولية والعالمية التى تليق بها، كما أعلن محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب تلقى أكثر من ٣٥٠ طلب مشاركة من مختلف الدول العربية للمشاركة فى الدورة الجديدة.
وبعد هذا الاستعراض السريع لما جرى بالدورة الماضية، لا يمكن لعاقل أن يدعى أن اليوبيل الذهبى مر بدون أخطاء أو من غير مشاكل، لأنه جهد بشرى يخضع لوجهات النظر المختلفة على كل حال، ويبقى المهم هو هل يسعى القائمون عليه إلى تلافى ما حدث من عراقيل وضعت فى طريقه أم سيركنون إلى الخمول والتجهيز للدورة المقبلة بشكل اعتيادى دون ابتكار أفكار جديدة وحلول للمعوقات التى واجهت الدورة الحالية؟
وأتصور أنه بعد دخول معرض الكتاب، مرحلة جديدة وفاصلة من تاريخه، يجب استغلالها جيدا لتحقيق أكبر استفادة منه، وفى سبيل تحقيق ذلك أقترح أن يتم إنشاء إدارة خاصة به داخل هيئة الكتاب، وأن يتم انتقاء الموظفين الذين يعملون بالتحضير للمعرض من الهيئة، وأن يتم تأهيلهم على التعامل مع المثقفين والشخصيات العامة، ورفع كفاءتهم باستمرار، ليكونوا واجهة مشرفة لمصر، فالمعرض باعتباره الحدث الأبرز ثقافيا ليس أقل من المهرجان التجريبى والمعاصر وغيره من المهرجانات الفنية التى يبدأ الاستعداد لها ومخاطبة الدول الخارجية من اليوم الثانى لانتهاء الدورة المنقضية، ولنا فى مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة تجربة جيدة فى هذا الصدد.