الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"إبادة الأرمن" عثرة جديدة في مسيرة العلاقات الفرنسية التركية.. القضية من الملفات العالقة بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي.. إسطنبول تعترف بمذابح الحرب العالمية الأولى وتشكك في عدد الضحايا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ينتهج الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون سياسة خارجية أكثر مرونة، يسعى من خلالها إلى استعادة مكانة فرنسا كفاعل دولى يساهم فى إدارة الملفات الخارجية، والقضايا المثارة داخل القارة الأوروبية وخارجها. تجلى ذلك منذ بداية الحملة الانتخابية التى توعدها فيها بضمان حماية الأمن الأوروبي، مع الحفاظ على سيادة الدول، واستمرار الحوار بين كافة الفاعلين الدوليين. فضلًا عن تبنيه سياسة خارجية قائمة على الآليات الدبلوماسية وبعيدة عن حالة الصدام.


سعى «ماكرون» بعد توليه الحكم فى مايو ٢٠١٧ إلى تنفيذ وعوده الانتخابية التى جاءت فى مقدمتها إعلانه لمبادرات إصلاح منطقة اليورو، وانتهاجه سياسات إصلاحية داخلية على الصعيد الاقتصادى والاجتماعي، بجانب محاولته حماية الأمن الأوروبى مع استمرار التهديدات الأمريكية بإنشاء جيش أوروبى موحد بمقدرات أوروبية لا تتعارض مهامه مع مهام «حلف شمال الأطلسي».
هذا بجانب إعلان «ماكرون» تحديد يوم ٢٤ أبريل هو ذكرى إحياء الإبادة الجماعية للأرمن، وفاءً بوعده لمجلس تنسيق المنظمات الأرمينية فى العاصمة الفرنسية «باريس»؛ حيث تعد فرنسا من أوائل الدول التى نددت بـ«ملاحقة الأمن من قبل السلطات العثمانية»، التى تمت ما بين عامى ١٩١٥ و١٩١٧ واعترفت بها فى رسميًا فى ٢٠٠١.
السياسات التى ينتهجها «ماكرون» تجاه أنقرة منذ وصوله الحكم، تُثير غضب القيادة التركية خاصة فيما يتعلق بمواصلة مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى التى بدأت فى عام ٢٠٠٥، وتم تعليقها حتى الآن، ولا يزال ١٦ فصلًا مفتوحًا من أصل ٣٥ فى الملف، التى رفضها «ماكرون»، نتيجة للنهج السياسى التركى المغاير للقيم والأفكار الأوروبية.

أثار القرار الفرنسى حالة من الجدل داخل تركيا، بالرغم من توضيح «ماكرون» إنه أبلغ الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، مسبقًا عن القرار، لضمان استقرار العلاقات بين الجانبين. لأن فرنسا وتركيا أطراف فى إدارة بعض الملفات الإقليمية، منها الانتقال السلمى للسلطة فى سوريا على سبيل المثال، بالإضافة إلى استمرار خلافاتهما حول محاربة تنظيم «داعش»، والحريات المدنية فى تركيا. لذا فلا بد على الجانبين تسوية الملفات الخلافية بينهما بكفاءة وفعالية بما يضمن استقرار العلاقات.
ورفض المتحدث باسم الرئاسة التركية «إبراهيم كالين» فى بيان تحويل الأحداث التاريخية إلى دعاية سياسية جديدة يمكن من خلالها تدارك المواقف والتحديات الداخلية التى يواجها «ماكرون» منذ نهاية العام الماضى احتجاجًا على سياساته التى انعكست على الشعب الفرنسى بشكل سلبي.
وفيما يتعلق بأحداث الإبادة، أوضحت أنقرة أن الكثير من الأرمن تعرضوا لعمليات قتل إبان الحرب العالمية الأولى، ولكها تشكك فى عدد القتلى، وتنفى أن تكون أعمال القتل تمت بشكل ممنهج لكى تشكل إبادة جماعية. كما ترفض وصف «إبادة» معتبرة أن الضحايا سقطوا على خلفية الحرب الأهلية والمجاعات التى انتشرت بالتزامن معها، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من ٥٠٠ ألف أرميني، بجانب نفس العدد من القوات التركية على خلفية الاشتباك مع القوات الروسية للسيطرة على الأناضول.
فى المقابل، يُعرب الأرمن عن أنهم تعرضوا لحملة قتل ممنهجة فى عهد الإمبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى، أسفر عنها قتل ما يقرب من ١.٥ مليون أرميني.

لم يكن القرار وليد اللحظة، فقد أقر البرلمان الفرنسى من قبل فى عهد الرئيس الفرنسى «نيكولا ساركوزي» فى فبراير ٢٠١٢ قانونًا يجرم إنكار المجازر التى تعرض لها الأرمن فى عهد الإمبراطورية العثمانية. الأمر الذى رفضته أنقرة وقامت باستدعاء سفيرها لدى باريس للتشاور حول القانون.
كما اتهم «أردوغان» رئيس الوزراء التركى حينها، فرنسا بارتكابها جرائم إبادة إبان فترة احتلالها الجزائر، فى المقابل أوضح الرئيس الفرنسى موقفه من التصريحات التركية، مطالبًا من أنقرة احترام وجهات النظر المغايرة لها والقناعات الأخرى على خلفية إقرار البرلمان الفرنسى القانون الخاص بإبادة الأرمن. فيما دعا وزير الخارجية الفرنسية القيادة التركية إلى ضبط النفس، واصفًا التصريحات التركية بكونها «مبالغ فيها».
وساهمت الدول الأوروبية فى دعم حقوق الأرمن فى مواجهة عدم الاعتراف التركى بحقوقهم التى تم انتهاكها فى النصف الأولى من القرن العشرين. فقد اعترفت ما يقرب من ٢٠ دولة أوروبية؛ حيث صوت البرلمان الأوروبى بأغلبية كبيرة لصالح الاعتراف الرسمى بالانتهاكات التى تعرضت لها القوات الأرمينية فى ٢٠١٥، بالتزامن مع الذكرى المئوية للحادث، مع مطالبة جميع الأعضاء بالاعتراف الرسمى بهذه المذابح.
وفى هذا السياق، دُعم حقوق الأرمن انضمام هولندا إلى الدول التى اعترفت بشكل رسمى بالإبادة التى تعرضوا لها. جاء القرار بعد أن تقدم «جويل فورديفيند» مُمثل حزب الاتحاد المسيحى إلى البرلمان، بطلب الاعتراف بالإبادة. وهو الأمر الذى أدى إلى زيادة الضغوط الموجهة نحو أنقرة من العواصم الأوروبية. من الواضح أن قضية الأرمن ستظل من الملفات العالقة بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي، كما سيتم توظيفها من آن لآخر ضد تركيا نتيجة توجهاتها غير المتوافقة مع القوى الأوروبية فى الشرق الأوسط، ومنطقة البلقان.