الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

زي النهاردة.. رحيل زعيم الأمة مصطفى كامل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك أناس اختصهم الله بصفات إنسانية كريمة، تبقي اسمهم وتعطى ذكراهم بعد الموت، فمبادئهم باقية دروسا الأسلاف من بعدهم، تعلمهم معنى العطاء، ومن هذه الشخصيات التي خلد التاريخ ذكراها، الزعيم الراحل زعيم الأمة مصطفى تكامل، والذي يعد مثالا للوطنية وحب مصر.
فقد كان من أبرز مبادئه، "إن من يتسامح في حقوق بلاده ولو مرة واحدة يبقي أبد الدهر مزعزع العقيدة، سقيم الوجدان"، تلك قضيته التي عاش لأجلها.
ولد زعيم الأمة مصطفى كامل، في 14 من أغسطس 1874م، لأب يعمل ضابطا بالجيش المصري، وكان رزق لوالده وهو في الستين من عمره، في 13 أبريل عام 1895 سافر مصطفى كامل للدعوة للقضية المصرية على نفقة الخديوي عباس حلمي الثاني وكان حينها عمره 21 عامًا.
ووفق كتاب د محمد أنيس " صفحات مطوية من حياة الزعيم مصطفى كامل " نقرأ: " ولما علم بسعي البعض لدى الخديوي لإرجاعه إجابة لطلب جافيو ودلونكل أرسل إلى عبد الرحيم أحمد بتاريخ 4 اغسطس 1895 رسالة يقول فيها:
أخبركم أن من طباعي وربما عرفتم ذلك في أني حر فوق مرتبة الأحرار لا أخالف ما تأمرني به سريرتي ولا تأمرني كما تعلمون إلا بما فيه رعاية مصلحة العزيز والوطن المحبوب وما فيه الذمة والشرف، وآسفاه عليك يا مصر التعيسة – وآسفاه على فتاك الذي تغرب عنك لإسعافك ونصرتك معتمدا على كل من في قلبه ذرة من الوطنية فإذا ما وصل هذه الديار وابتدأ في خدمة الأوطان قامت هذه الخصوم وبعض الأحباء ودست له الدسائس ولم يجد له إلا في شخص الأمير أعزه الله عضدا ونضيرا – أي وطني يوافق على رجوعي بعد أن صرت للإنكليز العدو الألد والخصم الأشد وأي يأس يستولي على المصريين الذين لا يعلمون يومئذ سبب رجوعي".
وبنفس الخطاب يقول:
" أفيدكم أنه لابد لي من سياحة في برلين وبطرسبورج وقد أخبرتكم في خطابي الذي أرسلته من فينا أن ما لدي من النقود لا يكفيني إلا لآخر سبتمبر ولعلكم لا تستغربوا من ذلك وأنتم تعلمون أني أصرف كثيرا جدا في الولائم الخصوصية والهدايا العاملان الوحيدان في جلب الكتاب إلينا ".
واقترح عليه عبد الرحيم أحمد بك أن يشيع أنه تريد تحصيل شهادة الدكتوراه في علم الحقوق أو شهادة من مدرسة العلوم السياسية لتدفع بذلك ما تجاسر بعض الناس على النصح به من عودته.
ثم طلب الخديوي من كامل في نفس العام أن يعود إلى مصر، فأرسل كامل رسالة لصديقه محمد فؤاد سليم يقول له فيها إن الخديوي عباس لم يعد يرسل له المال الكافي لكنه مصمم على عدم الرجوع ويطلب من أصدقائه في مصر من أجل الوطن أن يمدوه بالمال.. واضطر كامل للعودة في 9 يناير 1896 ولم يقابله الخديوي بل وتجاهل التماساته في طلب المقابلة.
واصل حملته السياسية والدعائية ضد الاحتلال البريطاني، وسافر إلي برلين وأصبح اسمه من الأسماء المصرية اللامعة في أوربا، وتعرَّف على الصحفية الفرنسية الشهيرة "جولييت آدم"، التي فتحت صفحات مجلتها "لانوفيل ريفو" ليكتب فيها، وقدمته لكبار الشخصيات الفرنسية، فألقى بعض المحاضرات في عدد من المحافل الفرنسية، وزار العديد من الدول الأوربية الأخرى، لإلقاء الخطب وكتابة مقالات في الجرائد لتدعيم القضية المصرية. كما قام بزيارة القسطنطينية لوجود صراعات عديدة مع حاشية السلطان حيث تم منحه لقب باشا.
نشر مقالاته في صحف عديدة أهمها "المؤيد" التي كانت وثيقة الصلة بالخديوي عباس الثاني، لكنها أبدت نوعًا من الفتور في نشر بعض مقالاته بعد فتور علاقاته مع الخديوي، وفى 2 يناير 1900 نجح في إصدار جريدة "اللواء" التي انطلق منها للدفاع عن قضيته.
ومن الجدير بالذكر أن مصطفى كامل كان يجاري الخديوي بسبب علاقته به في عدد من المواقف كموقفه من الثورة العرابية ومن الدولة العثمانية ومن فرنسا، حتى أن موقفه من حركة تحرير المرأة وهجومه علي قاسم أمين كان حسب تعبير سعد زغلول في مذكراته " تقربا إلى الباب العالي ونفاقا لذوي الأفكار المتأخرة ".
وقد زاوج كامل بين النزعة الدينية والنزعة الوطنية وهذا ما أبعده عن أحمد لطفي السيد بل وشن عليه حملة عام 1907 عندما أنشأ جريدته "الجريدة" واشتم فيها رائحة العلمانية التي كان يرى أنها غير صالحة لإصلاح الأمة في ذلك الزمان.
في عام 1905م اشتد به المرض وبعد عام وقعت حادثة "دنشواي" الشهيرة، فقطع علاجه في باريس، وسافر إلى لندن، وكتب مجموعة من المقالات العنيفة ضد الاحتلال لكشف بشاعة الحادثة والأفعال التي اقترفها البريطانيون، والتقى هناك بالسير "كامبل باترمان" رئيس الوزراء البريطاني، الذي عرض عليه تشكيل الوزارة، ولكنه رفض هذا العرض.
عندما أراد الخديوي عباس الثاني أن يستقل بالسلطة عن سيطرة الإنجليز، بدأ في تأليف لجنة سرية للاتصال بالوطنيين المصريين عام 1895م من أجل الدعاية لقضية استقلال مصر، وقد عُرفت باسم "جمعية أحباء الوطن السرية".
والتقى مصطفى كامل وأحمد لطفي السيد وعدد من الوطنيين بمنزل محمد فريد، وتم تأليف "جمعية الحزب الوطني" كجمعية سرية رئيسها الخديوي عباس، واتخذ أعضاء الجمعية أسماء مستعارة لهم، فكان الاسم المستعار للخديوي: "الشيخ"، أما الاسم المستعار لمصطفى كامل فهو: "أبو الفدا".
وفي أوائل ديسمبر 1907 وقبل وفاته بـ 100 يوم دعا إلى تأسيس الحزب الوطني، وانعقدت الجمعية العمومية لأول مرة في فناء دار اللواء وخرج مصطفي كامل بالرغم من مرضه وخطب قائلا: " إننا لسنا حزبًا سياسيا فقط، نحن قبل كل شيء حزب حياة للأمة، إنكم أنتم قوتي وساعدي بصفتكم من خير أمة أوقفت لخدمتها حياتي وقواي، وعقلي وقلبي وقلمي ولساني وصحتي".
بعد هذه الخطبة التي أطلقوا عليها "خطبة الوداع"، تأسس الحزب الوطني الذي تألف برنامجه السياسي من عدة مواد أهمها: المطالبة باستقلال مصر، كما أقرته معاهدة لندن 1840م، وإيجاد دستور يكفل الرقابة البرلمانية على الحكومة وأعمالها، ونشر التعليم، وبث الشعور الوطني.
اشتد المرض على الزعيم الذي جاب الأقطار مدافعا عن قضية بلاده غير عابىء بالمرض، فتوافد الناس لزيارته وأخذ يحادث أهله عن آماله وأشجانه حتى دمعت عيناه فبكى الحاضرون فقال: " لا تبكوا إنى لم أعرف البكاء يومًا على نفسى، وإذ بكيت اليوم فإنما أبكي لمصر المسكينة ".
وفي العاشر من فبراير 1908 رحل الزعيم مصطفى كامل.