رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

تزامنا مع اليوم الدولي للفتيات والنساء في العلوم.. ننشر تقرير «النساء والتكنولوجيا ومستقبل العمل»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، غدا الإثنين، اليوم الدولي للفتيات والنساء في العلوم، حيث يعد العلم والمساواة بين الجنسين أمرين حيويين لتحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليا، بما في ذلك خطة التنمية المستدامة لعام 2030. 

فعلى مدى السنوات الـ15 الماضية، استمر استبعاد النساء والفتيات من المشاركة الكاملة في العلوم أقل من 30٪ من الباحثين في جميع أنحاء العالم من النساء، ووفقًا لدراسة أجريت في 14 دولة، فإن نسبة احتمال حصول الطالبات على شهادة البكالوريوس ودرجة الماجستير ودرجة الدكتوراه في العلوم ذات الصلة هي 18% و8% و2% على التوالي، بينما تبلغ نسبة الطلاب الذكور 37% و18% و6%.
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت ديسمبر 2015 القرار 212/70، للاحتفال يوم 11 فبراير يومًا دوليًا للمرأة والفتاة في العلوم، حيث تهدف إلي دعم وتشجع وصول النساء والفتيات ومشاركتهن في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة وتعليم الرياضيات، وأنشطة التدريب والبحث على جميع المستويات.
وكشف تقرير صندوق النقد الدولي لعام 2018، تحت عنوان "النساء والتكنولوجيا ومستقبل العمل"، عن أن هناك نقصا في تمثيل النساء بالمجالات التي تتزايد فيها فرص العمل، مثل الهندسة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ويشير التقرير إلي أن طريقة العمل تتغير بمعدل غير مسبوق. فعن طريق الأتمتة أو التشغيل الآلي وهو مصطلح مستحدث يطلق على كل شيء يعمل ذاتيًا بدون تدخل بشري فيمكن تسمية الصناعة الآلية بالأتمتة الصناعية مثلًا. وهي تعني حتى في أتمتة الأعمال الإدارية، وأتمتة البث التلفزيوني. وهي عملية تهدف إلى جعل المعامل أكثر اعتمادًا على الآلات بدلًا من الإنسان. وتتجه تقنيات الرقمنة والذكاء الاصطناعي وتعلُم الآلة إلى إلغاء كثير من الوظائف ذات المهام الروتينية التي تتطلب مهارات منخفضة ومتوسطة.
وتقدر مخاطر فقدان الوظائف بسبب التشغيل الآلي بمتوسط 11% في حالة النساء، مقارنة بنسبة 9% لنظرائهن من الرجال. وعلى ذلك، فبينما يفقد كثير من الرجال وظائفهم بسبب التشغيل الآلي، تشير تقديراتنا إلى أن 26 مليون امرأة في 30 بلدًا معرضات لخطر فقدان وظائفهن بسبب التكنولوجيا خلال الـ 20 عامًا القادمة. وتخلص دراستنا إلى أن احتمالية أتمتة وظائف النساء تبلغ 70% أو أكثر، وهو ما يعادل وظائف 180 امرأة على مستوى العالم. 


وكشف التقرير، أنه إذا ظل عمل النساء مركزًا في القطاعات والمهن المعرضة لخطر كبير بسبب التشغيل الآلي، قد تتلاشى سريعًا كل المكاسب التي تحققت بصعوبة عن طريق سياسات لزيادة عدد النساء في القوى العاملة بأجر وزيادة أجور النساء لكي تتساوى بالرجال. فالخطر أكبر على وظائف النساء البالغات 40 سنة وأكثر، ومن يقمن بأعمال مكتبية، أو يعملن في مجال الخدمات والمبيعات. قرابة 50% من النساء الحاصلات على تعليم ثانوي أو أقل معرضات بدرجة كبيرة لخطر أتمتة وظائفهن، مقارنة بنسبة 40% من الرجال. أما النساء الحاصلات على درجة البكالوريوس أو أعلى فهن معرضات للخطر بنسبة 1 %.
فالرجال والنساء في المملكة المتحدة والولايات المتحدة يواجهون خطر التشغيل الآلي للوظائف بنفس الدرجة تقريبًا. وفي اليابان وإسرائيل، نلاحظ أن وظائف النساء أكثر تعرضًا للتشغيل الآلي من وظائف الرجال. أما في فنلندا، فوظائف النساء أقل عرضة لمخاطر التشغيل الآلي مقارنة بوظائف الرجال. ورغم أن مشهد التشغيل الآلي للوظائف التي يمارسها الناس موجود في كل البلدان بوجه عام، فإن احتمالات التشغيل الآلي لوظائف النساء والرجال تختلف اختلافًا كبيرًا تبعًا للمكان الذي يعيشون فيه. ويلاحظ أن تمثيل المرأة ناقص حاليًا في المجالات التي تتزايد فيها الوظائف، مثل الهندسة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ففي مجال التكنولوجيا، تقل احتمالات وصول النساء إلى مناصب المديرين والمهنيين المتخصصين بنسبة 15% عن الاحتمالات المتوقعة للرجال، بينما تزيد احتمالات توليهن وظائف مكتبية وأعمالًا خدمية بنسبة 19% عن الاحتمالات المتوقعة للرجال، وهي الأعمال التي يؤدين فيها مهامًا أكثر روتينية، مما يجعلهن أكثر عرضة لمخاطر التسريح بسبب تغير التكنولوجيا.
وستحتاج المرأة الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى كسر السقف الزجاجي الذي يعوق ارتقاءها إلى مراكز أعلى. ويشير التقرير إلي أن روتينية مهام العمل تتسبب في تفاقم عدم المساواة في عائد العمل بين الجنسين. وحتى بعد مراعاة عوامل مثل فروق المهارات والخبرة واختيار المهنة، نجد أن قرابة 5% من فجوة الأجور بين النساء والرجال ترجع إلى قيام النساء بمهام عمل أكثر روتينية. ويعني هذا في الولايات المتحدة أن النساء يخسرن من دخلهن 26 ألف دولار على مدار حياتهن العملية.


وذكر التقرير أن هناك بعض النقاط المضيئة. ففي الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، التي تشهد تزايدًا سريعًا في عدد المسنين، ومن المرجح أن تزداد الوظائف في القطاعات التي عادة ما تعمل فيها النساء، مثل الصحة والخدمات الاجتماعية – وهي وظائف تتطلب مهارات إدراكية وأخرى في مجال التواصل الشخصي ومن ثم فهي أقل عرضة للتشغيل الآلي. وسيتطلب التعامل مع متطلبات شيخوخة السكان وجود عمالة بشرية أكثر إلى جانب زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وغيرها من التكنولوجيات المتقدمة التي تكمل إنتاجية العمالة وتعمل على زيادتها في مجال خدمات الرعاية الصحية. 



وتحتاج الحكومات إلى انتهاج سياسات تعزز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء في مشهد العمل المتغير مثل:
* تسليح النساء بالمهارات الملائمة: الاستثمار المبكر في النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، مثلما تفعل منظمة الفتيات المبرمجات في الولايات المتحدة، إلى جانب الإرشاد بين الأقران، يمكن أن يساعد على إزالة القوالب النمطية القائمة على نوع الجنس وزيادة أعداد النساء في المجالات العلمية. ومما يمكن أن يساعد على إزالة الحواجز أمام التعلم مدى الحياة منح خصومات ضريبية لتدريب النساء المنخرطات في سوق العمل بالفعل، كما هي الحال في هولندا، وإنشاء حسابات للتعلم الفردي قابلة للتحويل من وظيفة إلى أخرى، كما هي الحال في فرنسا.
* سد الفجوات بين الجنسين في تقلد المناصب القيادية: توفير خدمات رعاية الطفل بتكلفة معقولة وإحلال ضرائب الدخل الفردي محل الضرائب على دخل الأسرة، مثلما حدث في كندا وإيطاليا، ويمكن أن يساهم بدور مهم في دعم الترقي الوظيفي للنساء. ويمكن للبلدان أن تحدد أهدافًا مناسبة لتعيين العاملين والاحتفاظ بهم في الجهات المختلفة، بالإضافة إلى تشجيع العمل بنظام الكوتا، مثلما فعلت النرويج، وإنشاء برامج للتدريب والإرشاد تساعد النساء على الترقي إلى مناصب الإدارة.
* سد فجوة التكنولوجيا الرقمية بين الجنسين: للحكومات دور تؤديه من خلال الاستثمار العام في البنية التحتية الرأسمالية وضمان المساواة في فرص التمويل والربط الرقمي، كما فعلت فنلندا.
* تيسير انتقالات العمالة: تستطيع البلدان دعم العاملين في الفترة التي ينتقلون فيها من وظيفة إلى أخرى بسبب الأتمتة، وذلك بتقديم التدريب والمزايا المرتبطة بالأفراد وليس الوظائف، مثل حسابات التدريب الفردي المطبقة في فرنسا وسنغافورة. وسيتعين تطويع نظم الحماية الاجتماعية لأشكال العمل الجديدة. ولمعالجة انخفاض أمان الدخل مع التغير التكنولوجي السريع، قد تنظر بعض البلدان في التوسع في معاشات التقاعد غير القائمة على اشتراكات العاملين، وقد يكون هناك ما يبرر إرساء ضمانات للدخل الأساسي. والواقع أن التشغيل الآلي جعل تكثيف الجهود لتحقيق المساواة بين الرجال والنساء مطلبًا أكثر إلحاحًا، حتى تتاح للجميع فرص متساوية للمساهمة في العالم الجديد الأكثر استخدامًا للتكنولوجيا والاستفادة من ميزاته. 
في الوقت نفسه، نشرت مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية تقريرًا يتناول أهم ما كشفته إحدى الدراسات مؤخرًا حول العلاقة بين التقدم الاقتصادي، والمساواة بين الجنسين، وبين إقبال الفتيات على المهن في المجالات العلمية والرياضية والتكنولوجية والهندسية، إذ تكشف الدراسة مفارقة غريبة تتلخص في أن نساء البلدان التي تسعى لتمكين المرأة وتحقق المساواة بين الجنسين، تقل معدلات اختيارهن للمهن المرتبطة بالرياضيات والعلوم.

ووفقًا للدراسة، فإنه على الرغم من زيادة عدد الطلاب الذين يسجلون في البرنامج المتقدم في علوم الكمبيوتر، والذي تقدمه الكليات لطلبة المرحلة الثانوية المتقدمين أكاديميًا في أمريكا، بلغت نسبة الفتيات 27 % فقط من إجمالي الطلاب، ومن ثم بدأت الفجوة بين الجنسين في الاتساع. فنجد أن النساء حصلن على حوالي 18 % فقط من إجمالي الشهادات الجامعية الممنوحة في تخصصات علوم الحاسب في أمريكا.

وقد تبدو تلك النسب صادمة خاصة أنها في أمريكا، حيث يصف العديد من الرجال أنفسهم بأنهم يدعمون الحركة النسوية، وحيث تربى الفتيات على أنهن قادرات على تحقيق أي شيء يردنه

أما من الناحية الأخرى من العالم، أشارت الدراسة إلي إن من المفارقة أن نجد في الجزائر، حوالي 41% من خريجي الكليات المتخصصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من النساء، وذلك على الرغم من التمييز الموجود في الجزائر ضد المرأة في مجال العمل والتوظيف، وكذلك تعرض المرأة لضغوطات تجبرهن على الصلح مع أزواجهن الذين أساؤوا معاملتهن. ووفقًا لما جاء في الدراسة، كان الطلاب الذكور فقط من يشعرون بالضيق أثناء التعامل مع المسائل الرياضية في كل من الأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة، وذلك بعكس الطالبات. أما في بقية الدول التي شملتها الدراسة، فإن الفتيات شعرن بالعجز أثناء التعامل مع الرياضيات.

وقد أشار "جيجسبرت ستويت" عالم النفس في جامعة ليدز بيكيت، و"ديفيد جري" عالم النفس من جامعة ميسوري، عن سبب ميل النساء إلى تخصصات العلوم والتكنولوجيا في الدول التي تعاني من نقصان المساواة بين الجنسين، على العكس من نظيراتهن في الدول المتقدمة في المساواة بين الجنسين، إلي أن الأمر قد يرتبط بحقيقة أن النساء في البلدان ذات المعدلات المنخفضة في المساواة بين الجنسين، يستعن ببساطة بأوضح الطرق الممكنة لنيل الحرية المالية واستقلالهن المادي، وغالبًا ما يكون السبيل الوحيد لتحقيق ذلك من خلال المهن والتخصصات في العلوم والتكنولوجيا والرياضيات.


ومن خلال البحث في درجات الاختبارات في حوالي 67 دولة، وجد "ستويت وجيري"، أن أداء الفتيات كان مساويًا لأداء نظرائهن من الفتيان؛ بل وأحيانًا أفضل، علاوة على أن أغلب الفتيات في تلك البلدان لو أتيح لهن الالتحاق بجامعات في تلك التخصصات، لكن بالتأكيد قادرات على الحصول على الدرجات الأكاديمية الجامعية فيها. لكن عندما يتعلق الأمر بنسبية قوتهن وبراعتهن في تلك التخصصات، نجد أنه في جميع البلدان التي شملتها الدراسة ما عدا رومانيا ولبنان، تفوق أغلب الفتيان في العلوم، بينما تفوقت الفتيات في القراءة. ووجدت الدراسة أن 24% من الفتيات صنفن العلوم على أنها مادتهن المفضلة، بينما 25% منهن أظهرن تمكنًا في مادة الرياضيات، في حين تفوقت 51% منهن في القراءة. أما بالنسبة إلى الفتيان، وجدت الدراسة أن نسبة الفتيان الذين فضلوا العلوم بلغت 38%، و42% فضلوا الرياضيات، و20% فضلوا القراءة. ويضيف العالمان النفسيان، على أنه كلما زادت المساواة بين الجنسين في البلاد حسب مؤشر الفجوة بين الجنسين التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، اتسع الرتق بين الجنسين من ناحية تفضيل العلوم. وحسب مؤشر المساواة بين الجنسين تتصدر السويد وفنلندا وأيسلندا قائمة البلدان المثالية من حيث المساواة بين الجنسين؛ بينما كانت تركيا والإمارات العربية المتحدة أقل الدول من حيث مؤشر المساواة بين الجنسين.

وكشفت الدراسة عن الفجوة بين نسب الفتيات والفتيان في المهن العلمية، فالفتيات في الدول التي لا تحقق المساواة بين الجنسين تجبرن على اختيار مهن في مجالات العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا نظرًا لأنها توفر نوعًا من الأمان المالي مستقبلًا، أكثر من مهن الفنون والرسم والكتابة

ويعتقد جيري، أن الفجوة في معدلات التفوق في القراءة بين الفتيات والفتيان ترتبط جزئيًا بقدرات الفتيات اللغوية الأساسية، واهتمامهن بالقراءة بشكل عام، فهن يقرأن أكثر وبالتالي يتدربن أكثر، علاوة على أن البلدان التي تصدرت فيها الفتيات خريجي الكليات المتخصصة في العلوم والهندسة والرياضيات كانت أيضًا من بين أقل الدول التي تتمتع بالمساواة بين الجنسين، ويفترض العالمان النفسيان أن السبب في ذلك يرجع إلى أن البلاد التي تمكن للنساء وتحقق مساواتهن بالرجال، تدعمهن أيضًا ولو بشكل غير مباشر في اتخاذ قراراتهن المتعلقة بأنواع المهن، فتدعمهن في اختيار المهن التي يستمتعن بأدائها وسيبرعن فيها

ويذكر العالمان أن البلدان التي تتمتع بأعلى مستويات المساواة بين الجنسين، توفر رفاهية ورعاية اجتماعية أكثر، ويصحب ذلك مستوى عال من الأمان الاجتماعي، في حين أن البلدان المتدنية في المساواة بين الجنسين، غالبًا لا توفر دعمًا اجتماعيًا كافيًا للعاطلين عن العمل، وبالتالي يرجح الباحثون أن الفتيات في تلك الأخيرة ربما يجبرن على اختيار مهن في مجالات العلوم والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا، نظرًا لأنها توفر نوعًا من الأمان المالي مستقبلًا، أكثر من مهن الفنون والرسم والكتابة.