السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معرض القاهرة الدولي للكتاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اختتم معرض القاهرة الدولى للكتاب، دورته الخمسين، كأهم حدث ثقافى فى مصر والوطن العربي. بدأ المعرض سنة ١٩٦٩، بمناسبة مرور ألف سنة على إنشاء مدينة القاهرة، وفى عصر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ووزير الثقافة ثروت عكاشة، والذى أسند إدارته للكاتبة سهير القلماوي، ولذا استحق كل من ثروت عكاشة وسهير القلماوى معا أن يكونا نجمي اليوبيل الذهبي للمعرض هذا العام.

كان اختيار التوقيت لإقامة المعرض فى إجازة نصف العام، وفى الأسبوع الثالث من شهر يناير موفقا جدا، حيث أتاح للطلاب والأسر المصرية المشاركة فى هذا الحدث الثقافي المهم.
وأتذكر أننى شاركت فى الرحلات التي كانت تنظمها طب المنصورة إلى المعرض سنويا، ولمدة يوم واحد، وذلك أثناء الدراسة من سنة ١٩٨٢ إلى سنة التخرج سنة ١٩٨٨، وأتذكر أيضا أننى كنت شغوفا جدا باللقاء الثقافى مع الكتاب والمفكرين والشعراء والشخصيات العامة. وأتذكر أن الكاتب الراحل محمد سعد الدين وهبة، قال فى أحد اللقاءات إنه مع مجموعة من المثقفين المصريين كانوا فى دعوة لمعرض للكتاب فى لبنان، وفكروا فى إنشاء معرض للقاهرة، وعرضوا الفكرة على الوزير ثروت عكاشة، والذى وافق، وكذلك الرئيس جمال عبد الناصر، واختاروا مناسبة مرور ١٠٠٠ سنة على قاهرة المعز لإقامة المعرض.

كانت زيارات اليوم الواحد غير كافية لاستكشاف هذا الحدث المهم، الذي يستمر لمدة أسبوعين كاملين، ولكن بعد التخرج، وفى يناير سنة ١٩٨٩، أى منذ ٣٠ سنة، قررت المجيء إلى القاهرة، وحضور كل فعاليات المعرض منذ اليوم الأول إلى اليوم الأخير، جئت وأقمت مع زميل عزيز خريج حقوق المنصورة، والذى كان يقيم فى غرفة فى منطقة بين السرايات المقابلة لجامعة القاهرة، كنا نخرج فى التاسعة صباحا ونعود فى الثالثة أو الرابعة من فجر اليوم التالي. كانت الندوات الثقافية فى القاعة الكبرى بأرض المعارض بمدينة نصر هى مكانى المفضل الذي لا أغادره إلا لفترات قصيرة وأعود إليه مرة أخرى.
كان اللقاء الثقافى معلن عنه فى كل الجرائد اليومية، وكان جدول أعمال المعرض وفعالياته فى جيبى من اليوم الأول إلى اليوم الأخير.

كانت متعة الاستماع والمحاورة المباشرة مع عمالقة الثقافة والأدب والشعر والتمثيل وصناع القرار والساسة والمثقفين، متعة لا تتكرر إلا مرة واحدة فى العام. 
لقاءات أنيس منصور، ومحمود السعدني، وعبدالرحمن الأبنودى ونزار قباني، ووزير الإسكان حسب الله الكفراوي، ووزير الصحة إسماعيل سلام، والفنان عادل إمام، والفنان محمد صبحي، ووزير الثقافة فاروق حسنى، وكل رجالات الدولة ومثقفيها وفنانيها، يتحاورون مع الشباب فى حوار مفتوح، أو مقابلات متعددة الأطراف أو فى ندوة ثقافية أو أمسية شعرية أو عرض مسرحي، أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة، فيها الإبهار والمتعة والجمال، وكانت تعوضنا نقص الحوارات الساخنة، فى وقت لم يكن متاحا أمامنا سوى القناة الأولى والثانية فى التليفزيون المصري، والأهرام والأخبار والجمهورية كجرائد يومية، وبعض المجلات المتخصصة، التى كانت مرتفعة الثمن ولا نقدر على شرائها بصفة منتظمة.

أتذكر أننى اشتريت كتبا كثيرة بأسعار قليلة جدا فى حدود الجنيه الواحد إلى الخمسة جنيهات، وكانت أجنحة سور الأزبكية ومكتبة الأسرة، وكتب التراث، وغيرها هى مقصد أبناء الطبقة المتوسطة والطلاب والموظفين. وبمبالغ بسيطة جدا كونت لنفسى مكتبة مازلتأحتفظ بها إلى اليوم. أتذكر أننى اشتريت كتبا علمية للدكتور أحمد مستجير عن الهندسة الوراثية، فى وقت كانت الهندسة الوراثية أشبه بعلوم الفضاء الخارجي، واشتريت كتبا عن عصر الكمبيوتر والثورة المعلوماتية وتكنولوجيا المعلومات، قبل أن يكون هناك أى تخيل أن تصل لما وصلت له اليوم، وفى السياسة، اشتريت كتاب «البحث عن الذات» للرئيس الراحل أنور السادات، وكتبا كثيرة لمحمد حسنين هيكل (الأستاذ) عن حرب السويس وسنوات الغليان وخريف الغضب، وكتبا كثيرة عن الصراع العربى الإسرائيلى وحرب أكتوبر، وكنت أرى أن قراءة مصادر مختلفة عن نفس الحدث هى الطريقة الوحيدة للوصول إلى الحقيقة أو إلى أقرب نقطة للحقيقة، وهو الأسلوب العلمى الصحيح لدراسة أى موضوع والخروج باستنتاجات شخصية جديدة من خلاصة كل الآراء، رغم تناقضها وتعارضها وأحيانا كذبها.

واستمر الحال على الحضور للمعرض سنويا، والإقامة فى القاهرة لمدة من أسبوع إلى أسبوعين حسب الوقت المتاح، إلى أن سافرت إلى إنجلترا فى بعثة طويلة، ولكن بعد مرور عدة سنوات، وخلال الفترة من نهاية التسعينيات إلى ٢٠١٠، كان واضحا أن الحوارات التى كانت متاحة فى معرض الكتاب قد انتقلت إلى الفضائيات، وبعد أن كنا نذهب لسماع المثقفين، جاء المثقفون إلينا فى الفضائيات، وبعد أن كنا نذهب لشراء الكتب التى تناسب ثقافتنا، جاءت إلينا كتب من مصادر متنوعة وغير معروفة، وبعد أن كان معرض الكتاب هو الحدث الثقافى الأهم فى مصر، أصبح المعرض حدثا عاديا، وبعد أن كان محمود السعدنى وعبدالرحمن الأبنودى وأنيس منصور وغيرهم، هم مصدر البهجة والسعادة والقفشات والضحك، ظهرت مفردات جديدة فى الحياة المصرية من نوعية الجيل الجديد والجيل القديم ورجال الأعمال، وتوغل كبير للإسلام السياسى فى الحياة اليومية للمصريين، وبدا واضحا أن الثقافة والتنوع وخفة الدم التى تمتع بها المعرض منذ بدايته، قد حل محلها التشدد وتجهيل الآخر وضيق الأفق، وكان واضحا جدا أن المصريين قد ضاقوا بنظامهم السياسى وأن النظام لا بد أن يجدد من نفسه وإلا سيحدث الانفجار، وقد كان.
هذا العام، عاد معرض الكتاب فى شكل جديد ومكان جديد بعيدا عن المكان الذى اعتدت الذهاب إليه فى أرض المعارض فى مدينة نصر، إلى مكان أرقى فى التجمع الخامس، وأتمنى من الله أن تكون الثقافة هى قاطرة التغيير فى نظرة المصريين للمستقبل، أتمنى أن يدرك المواطن العادى أن الغد أكثر إشراقا من الأمس، وإن معاناة الحاضر هى المفتاح للحياة الكريمة للأبناء والأحفاد، أتمنى أن يكون تطلعنا للغد هو دافعنا للعمل اليوم.
وكل عام ومصر بخير.