الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

«تقسيم أفغانستان» أخطر صفقة بين أمريكا وطالبان.. واشنطن تكافئ «طالبان» على مجزرة «ميدان وردك».. وتهميش حكومة أشرف غني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم معاناة أفغانستان المتواصلة من ويلات الحرب والإرهاب، إلا أن المفاوضات الأخيرة، التى أجرتها واشنطن مع حركة طالبان فى الدوحة، قد تكون الأخطر على الإطلاق على حاضر ومستقبل هذه الدولة، بالنظر إلى أنها تقوض تماما الحكومة الشرعية فى كابول، وتسلم البلاد على طبق من ذهب إلى المتشددين.
فالصفقة التى توصل إليها الطرفان ضمنت مصالح كل منهما، ولم تعر أى اهتمام لتطلعات الشعب الأفغاني، وقراره فيما يتعلق بتحديد مصيره، فيما تم تهميش حكومة الرئيس أشرف غني، والاكتفاء بإبلاغها بما تم التوصل إليه، دون أن يكون لها رأى أو اعتبار.
وزاد من صدمة الأفغان أن واشنطن ظهرت كأنها تكافئ طالبان على هجماتها المتزايدة ضد المدنيين والقوات الحكومية، وكان آخرها المجزرة التى ارتكبتها فى إقليم «ميدان وردك» وسط البلاد فى ٢١ يناير الماضى، وأسفرت عن ١٢٦ قتيلا.
ولم يقتصر الأمر على ما سبق، إذ سربت وسائل إعلام أمريكية أن طالبان أصرت خلال مفاوضات الدوحة التى استمرت ستة أيام من ٢١ يناير إلى ٢٧ من الشهر ذاته، على تغيير النظام السياسى فى أفغانستان، وهو ما يعنى أنها تتهيأ للعودة للسلطة، وإعادة فرض تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية بعد الإطاحة بها من الحكم عام ٢٠٠١، مستغلة رغبة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الانسحاب من هذه الدولة بأسرع وقت ممكن، بعد أن أمر فى ديسمبر الماضى بخفض عدد قوات بلاده هناك البالغ ١٤ ألف جندي بمعدل النصف.
ولعل ما يدفع طالبان للمضى قدما فى مخططاتها الهادفة للعودة للسلطة، أن واشنطن لم تنجح طيلة ١٧ عاما من الوجود العسكرى فى أفغانستان، فى بناء مؤسسات دولة قوية تستطيع ملء الفراغ بعد انسحابها، وشاب أيضا القصور استراتيجياتها المتتالية، التى ركزت على النواحى العسكرية، وأهملت التنمية، ما زاد الفقر والبطالة فى البلاد، وهو ما قد يرجح كفة المتشددين فى استقطاب شريحة كبيرة من الشباب الغاضب، وتأليب مزيد من الأفغان ضد الحكومة الحالية فى البلاد، المدعومة من الغرب.
ويبدو أن مفاوضات الدوحة وضعت بالفعل اللبنة الأولى لعودة طالبان للسلطة، إذ استجابت واشنطن لمعظم مطالب الحركة، فيما لم تقدم الأخيرة أى تنازلات حقيقية، وواصلت إصرارها على عدم التفاوض مع الحكومة الحالية فى البلاد. وكانت «رويتر» نقلت عن مصادر فى طالبان القول فى ٢٧ يناير الماضى، إنه فى نهاية ستة أيام من المحادثات فى الدوحة بين ممثلين عن الحركة والمبعوث الأمريكى الخاص إلى أفغانستان زلماى خليل زاد، وافق الأمريكيون على مسودة اتفاق سلام ينص على انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان فى غضون ١٨ شهرا، لينهى أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، والتى بدأت عام ٢٠٠١ بعد هجمات ١١ سبتمبر.
وحسب المصادر ذاتها، فإن مسودة الاتفاق تضمنت بنودا أخرى تشمل تبادل السجناء وإطلاق سراحهم ورفع حظر دولى على السفر فرضته الولايات المتحدة على عدد من قادة طالبان، واحتمالات تشكيل حكومة انتقالية بعد وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى بند حول عدم السماح لمتشددين انفصاليين من إقليم بلوشستان الباكستانى باستخدام الأراضى الأفغانية لاستهداف باكستان.
وفى المقابل، قدمت طالبان، حسب المصادر ذاتها، تأكيدات بعدم السماح لمسلحى تنظيمى القاعدة وداعش باستخدام أفغانستان لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها، وعدم إيواء طالبان أى متطرفين أجانب، وسرعان ما تحدثت تسريبات عن احتمال تضمين الصفقة بين طالبان وواشنطن بنودا سرية تتعلق بتغيير النظام السياسى فى أفغانستان، واحتفاظ أمريكا بقواعد عسكرية فى البلاد.
ورغم إعلان مصادر أمريكية أنه من المقرر أن تدخل طالبان فى مفاوضات مع الحكومة الأفغانية بعد توقيع وقف إطلاق النار، إلا أن مصادر الحركة سرعان ما أعلنت أن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق حول جدول زمنى لوقف إطلاق النار فى البلاد، ما يعنى أن الصفقة ركزت فى الأساس على سحب الولايات المتحدة لقواتها مقابل ضمانات من طالبان بعدم إيواء أى متطرفين أجانب، وهو السبب الأول للغزو الأمريكى لأفغانستان فى ٢٠٠١، وبالنظر إلى أن طالبان رفضت مرارا الدخول فى مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأفغانية التى تعتبرها «مجموعة دمى فى أيدى واشنطن»، فإن الأرجح أن الحكومة الأفغانية ستكون فى موقف المتفرج، وسيتم فرض الإملاءات عليها، إلى حين توصل طالبان وواشنطن للترتيبات النهائية حول مستقبل أفغانستان.
ولعل ما يدعم أن واشنطن تخلت وإن كان بشكل غير علنى عن دعم الحكومة الأفغانية، وأصبح رهانها الأساسى على طالبان، أنها عقدت مفاوضات مع الحركة فى نفس اليوم الذى وقعت فيه مجزرة «ميدان وردك»، التى استهدفت القوات الحكومية. 
وكان تفجير سيارة ملغومة أعقبه هجوم مسلح استهدف صباح الإثنين ٢١ يناير الماضى، مجمعا عسكريا فى إقليم «ميدان وردك» وسط أفغانستان، ما أسفر عن ١٢٦ قتيلا. ونقلت «فرانس برس» عن مسئول كبير فى وزارة الدفاع الأفغانية، قوله: «إن الهجوم بدأ صباح الإثنين عندما اقتحم المهاجمون نقطة تفتيش عسكرية بسيارة ملغومة ثم فجروها داخل حرم مركز تدريب قوات الأمن فى (ميدان شار) عاصمة إقليم (ميدان وردك) وسط البلاد». وتابع «دخل مسلحان المركز بعد الانفجار وقتلا عددا كبيرا من الجنود الأفغان قبل أن تقتلهما قوات الأمن بالرصاص بعد اشتباك». وأعلنت حركة طالبان مسئوليتها عن الهجوم، ونقلت «رويترز» عن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم الحركة، قوله: «إن الهجوم أسفر عن مقتل ١٩٠ شخصا داخل المجمع»، حسب زعمه، فيما فوجئ العالم بإعلان واشنطن عن مفاوضات مع الحركة فى الدوحة فى اليوم ذاته، بدلا من إدانة الهجوم وعقاب طالبان.
ولم تقتصر الصدمة على ما سبق، بل إنها المرة الأولى التى تعلن فيها واشنطن بشكل علنى ورسمى عن مفاوضات مع طالبان، وهو الأمر الذى لم يحدث فى المفاوضات السابقة بين الطرفين، التى كانت تحاط بالسرية، هذا بالإضافة إلى مسارعة كبار المسئولين الأمريكيين للترحيب بما تم إنجازه فى الجولة الأخيرة من المفاوضات فى ٢١ يناير الماضى. 
وكان زلماى خليل زاد قال على «تويتر» فى ٢٢ يناير الماضى: «إن الاجتماعات مع ممثلى طالبان فى الدوحة كانت بناءة أكثر مما كانت فى الماضي. لقد أحرزنا تقدما كبيرا بشأن قضايا حيوية»، كما صرح لصحيفة «نيويورك تايمز» بأن الجانبين اتفقا على مسودة «إطار عمل» من أجل اتفاق سلام، فيما قال وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو على «تويتر»، إنه تلقى «أنباء مشجعة» من خليل زاد بشأن المحادثات، وأضاف بومبيو أن «الولايات المتحدة جادة بشأن السعى إلى السلام والحيلولة دون استمرار أفغانستان مكانا للإرهاب الدولى وإعادة القوات إلى الوطن»، بينما قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى تغريدة على «تويتر» فى ٣٠ يناير الماضى، إن «المفاوضات مع طالبان تسير بشكل جيد».
وتتكشف أبعاد التواطؤ بين إدارة ترامب وطالبان، فى التقرير الصادر فى ٣٠ يناير ٢٠١٩ عن وكالة التفتيش العامة الأمريكية المعنية بأفغانستان «سيجار»، التى أنشأها الكونجرس الأمريكى فى ٢٠٠٨، لتقديم تقييمات مستقلة عن الوضع هناك للمشرعين الأمريكيين، والذى كشف عن أن مسلحى حركة طالبان وسعوا مناطق سيطرتهم ونفوذهم فى أفغانستان العام الماضي، وأن الحكومة الأفغانية خسرت بين يوليو وأكتوبر ٢٠١٨، سبع مقاطعات أمام مسلحى طالبان. وبصفة عامة، يسعى ترامب لتنفيذ وعوده الانتخابية بالخروج من أفغانستان غير عابئ بالتداعيات الكارثية للانسحاب غير المدروس، والذى لن يخدم أحدا سوى المتشددين.