الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

مديرة مركز البحوث الأفريقية في حوارها لـ"البوابة نيوز": علاقتنا بالقارة السمراء ماتت بعد عبدالناصر.. والسيسي أحياها.. والدولة تدعم المستثمرين بقوة من خلال "صندوق المخاطر"

مديرة مركز البحوث
مديرة مركز البحوث الأفريقية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التوجه نحو إفريقيا، استراتيجية تنتهجها الدولة منذ ثلاث سنوات، بعد عقود من جمود العلاقات بين مصر ودول القارة السمراء، عقب وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، لذا التقت "البوابة نيوز" الدكتورة سالي فريد، أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، للحديث حول الآليات التي وضعتها الدولة لتنفيذ هذا التوجه، خاصة بعد أن تم اختيارها فى عضوية ثلاث لجان مشكلة حديثا لتدعيم علاقات مصر مع دول القارة السمراء؛ فهي عضو لجنة مجلس الوزراء لإعداد أوراق سياسات وبرامج تنفيذية وخطط استراتيجية لتوثيق علاقات مصر مع دول أفريقيا على كافة المستويات، وعضو لجنة تعديل المناهج في وزارة التعليم لإدخال البعد الإفريقي في مناهج التربية التعليم، كما أنها عضو لجنة وزارة التخطيط لإعداد الخطط الاستراتيجية والدورات التدريبية والتي سيتم تقديمها للأفارقة خلال الفترة المقبلة، وإلى نص الحوار.

> تم اختيارك مؤخرا لعضوية ثلاث لجان مهمة تهدف لوضع السياسات تنفيذية لتدعيم علاقات مصر بأفريقيا؛ فما هي هذه اللجان وما آليات عملها؟ 
- بالفعل، تم اختياري فى عضوية ثلاث لجان لتدعيم علاقات مصر مع دول القارة السمراء؛ فأنا أتشرف بعضوية لجنة مجلس الوزراء لإعداد أوراق سياسات وبرامج تنفيذية وخطط استراتيجية لتوثيق علاقات مصر مع دول أفريقيا على كافة المستويات، وعضو لجنة تعديل المناهج في وزارة التعليم لإدخال البعد الإفريقي في مناهج التربية التعليم، كما أني عضو بلجنة وزارة التخطيط لإعداد الخطط الإستراتيجية والدورات التدريبية والتي سيتم تقديمها للأفارقة خلال الفترة المقبلة.


> في البداية، ما هي آليات عمل لجنة مجلس الوزراء؟
- لجنة تضم عدد من الخبراء في جميع التخصصات، وهي تابعة لمركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، وتهدف إلى توحيد وتنسيق جهود كل الوزارات والمستثمرين والمجتمع المدني -لأول مرة- لدخول الأسواق الأفريقية من خلال وضع وتقديم السياسات التنفيذية لصانع القرار لاستعادة الدور المصري والتغلغل في أفريقيا على المدى البعيد.
بدأنا اجتماعات اللجنة منذ حوالي شهر ونصف، وخلال الأيام المقبلة سنقعد أول اجتماع مع الوزارات، حيث سنعمل على محاور وقطاعات محددة في البداية باتفاق بين الشركاء الثلاث، والوزرات ستكون ممثلة في اللجنة في كل قطاع وستكون البوتقة التي ستصب فيها جهود كل الوزرات. 
السنة الحالية ستكون محورية في تدعيم علاقاتنا مع أفريقيا حيث سنعمل على وضع السياسات التنفيذية من خلال نقطتين أساسيتين؛ إعادة دور مصر الاستراتيجي على كل المستويات داخل أفريقيا وأن تكون 2019 نقطة البداية والانطلاق لمصر من خلال خطط استثمارية طويلة الأمد إلى جانب القصيرة والمتوسطة المدى.


> وماذا عن لجنة وزارة التخطيط؟
- قدمنا في لجنة التخطيط مقترحات لتقديم عدد من الدورات التدريبية والتعاون الفني فيما يتعلق بإعداد قادة أفارقة من الشباب وريادة الأعمال وتمكين المرأة الافريقية على المستوى السياسي والاقتصادي والربط بين خطة تنمية افريقيا 2063 وخطة مصر 2030؟
> وبالنسبة لوزارة للجنة التعليم؟
- اللجنة تضم خبراء في الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ، الذين يقرأون جميع المناهج الدراسية ويعملون على تعديلها لتضمين البعد الإفريقي بها، وتقديم نماذج للدول التي نجحت في أفريقيا مثل مورشيوس ورواندا وكينيا التي حققت طفرة على جميع المستويات التنموية.
فمثلا في منهج كتاب الدراسات الاجتماعية للصف الخامس الابتدائي؛ وجدنا أنه يركز على قطاعا الطاقة والتجارة والزراعة والصناعة في مصر فقط؛ فوضعنا فقرات حول أهم الموارد الموجودة في أفريقيا في كل قطاع.
وفى مقرر الاقتصاد في الثانوية العامة أضفنا أجزاء كبيرة حول أبرز الفرص الاستثمارية والتكتلات الاقتصادية وتكنولوجيا المعلومات في القارة.


> لماذا الاهتمام بالتوجه نحو أفريقيا تحديدا وليس مثلا دول أمريكا الجنوبية؟
- للعديد من الأسباب؛ أولا الاستثمارات في أفريقيا تحقق أعلى معدلات ربحية مقارنة بباقي قارات العالم، لذا بدأت دول العالم في التكالب عليها حيث يرونها قارة بكر غير مستغلة وغنية بكل الثروات التي يمكن أن نتخليها فلو قلنا إن هناك 50 معدن احتياطي على مستوى العالم فسنجد أن 17 منها في أفريقيا وحدها، وعلى مستوى الطاقة فإن الطاقة الكهرومائية غير مستغلة تماما، فكل الاستثمارات الموجودة في القطاع حاليا لا تمثل 5% فقط من حجم الاستثمارات المطلوبة.
ومصر إذا لم تدخل هذا السوق الآن فلن تجد لها موطئ قدم بعد ذلك وهذا دور الدولة في تشجيع المستثمرين أو الدخول كشركات حكومية. 


> شهدت علاقات مصر في علاقاتها مع دول أفريقيا حالة من الركود على كافة المستويات خلال العقود الماضية؛ كيف تقيمين هذه الفترة؟
للأسف؛ علاقتنا مع أفريقيا كانت ضعيفة للغاية خلال العقود الخمسة الماضية، فالتعاون مثلا على مستوى التجارة والصناعة كان محدودا؛ فعلى مستوى الصادرات مثلا لم تتجاوز حاجز الـ5% من إجمالي صادراتنا للعالم خلال الفترة من 2006 وحتى 2016، والواردات كانت 1%، وإجمالى الاستثمارات المصرية خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية وحتى 2015 كانت 8 مليارات دولار فقط، لكن حدثت طفرة على مستوى الاستثمار خلال العامين الماضيين حيث زادت الاستثمارات المصرية إلى 10 مليار دولار، أي بمعدل 2 مليار دولار زيادة في عامين فقط، ورغم أن هذه المعدلات ما زالت ضعيفة، إلا أنها تعد مؤشر يبين أن مصر جادة في التوجه نحو السوق الأفريقية على مستوى التجارة والاستثمار، ونأمل أن تزيد هذه المعدلات خلال الفترة المقبلة.


> وما تقييمك لعلاقات مصر بأفريقيا خلال الفترة المقبلة؟
- مصر تمر حاليا بمرحلة فارقة فى علاقاتها مع دول القارة، وأرى أن المرحلة المقبلة ستكون العصر الذهبي لنا في القارة السمراء، فلا يمر أسبوع إلا ويوجد حدث إفريقي في القاهرة، والعام الماضي شهد العديد من الفاعليات المهمة ابتدءا من منتدي شباب العالم الذي شهد العديد من الورش التدريبية عن أفريقيا، وكانت أبرز هذه الورش حول خطة تنمية أفريقيا خلال الخمسين سنة المقبلة 2063، مع ممثلين عن 24 دولة أفريقية، كما نظمت مصر منتدى الاستثمار، ومؤتمر وزراء التجارة الأفارقة، والمعرض الأفريقي للتجارة الأفريقية، وعلى مستوى العالم مثلت مصر أفريقيا فى القمة الصينية الأفريقية، والقمة الألمانية والقمة الأوروبية.


> منتدي أفريقيا يعقد منذ ثلاث سنوات، هل تعتقدين أنه حقق المأمول منه على أرض الواقع؟
- خلال المنتديين الإفريقيين الأول والثاني تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين مستثمرين مصريين وإفريقيين؛ ولكن معدلات تنفيذ هذه الاتفاقيات لم تكن على المستوى المأمول، على أرض الواقع نظرا لارتفاع مستوى المخاطر في القارة وعدم وجود معلومات كافية حول مناخ الاستثمار في العديد من الدول، لذا خرج منتدى شرم الشيخ –الذي عقد في ديسمبر الماضي- بالعديد من التوصيات المهمة كان أبرزها إنشاء صندوق لضمان مخاطر الاستثمار في أفريقيا، ومركز للبنية المعلوماتية لأول مرة.


> وما الهدف من صندوق المخاطر؟
- المستثمر المصري يخشى دخول السوق الافريقية بسبب وجود العديد من العقبات والتحديات في هذه الدول، لكن هذا الصندوق سيعمل على تطمينه حيث سيشعر وكأن الدولة دخلت شريكا معه وتقف في ضهره من خلال توفير دليل للمستثمرين في هذا الدول وشرح مناخ الاستثمار في الدولة التي ينوي الاستثمار فيها وتسهيل الإجراءات وتذليل العقبات والمخاطر التي يمكن أن يواجهها، وتوجيهه للاستثمار في قطاعات معينة تحتاجها هذه الدول، فالصندوق سيساعد المستثمرين الصغار -فى المقام الأول- على الانطلاق هناك.
المشكلة أن عدد الشركات المصرية الكبيرة العاملة في أفريقيا لا تتجاوز العشر خلال الخمسين سنة الماضية، كما أن معدلات الاستثمار في أفريقيا ضعيفة والسلع التي نصدرها استراتيجية حيث يمكن أن تجد هذه الدول بدائل أخرى لهذه السلع.


> وما هي أبرز السلع والقطاعات الجاذبة في أفريقيا والتي يمكن للمستثمرين التوجه لها؟
- الصناعات الغذائية، من أهم الصناعات التي يمكن الاستثمار فيها، لان العديد من هذه الدول لديها فائض في المنتجات الزراعية، ولكن ليس لديها مصانع لتحويلها لصناعات غذائية فلو دخلنا مع شركاء وبنينا مصانع هناك سنحقق أرباحا كبيرة.
الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا تغيرت -خلال العقود الماضية- حيث كانت تعتمد على شراء المواد الأولية والخامات فقط ولكن الإحصائيات الأخيرة تشير إلى أن حوالى 50% من إجمالي الاستثمار أصبح يدخل فى قطاع الخدمات؛ كالسياحة والخدمات المالية؛ مثل التأمين والشحن والتفريغ، والبناء والتشييد، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والبنية التحتية والتي تسيطر عليها الصين لأن القارة السمراء لديها فجوة كبيرة في هذا القطاع وتشير احصائية جديدة للبنك الدولي إلى أن الدول الأفريقية تحتاج 93 مليار دولار لسد الفجوة في البنية التحتية فقط، كما أن الأمارات دخلت بقوة في قطاع إنشاء إنشاء الحاويات في جيبوتي وهو ما انتشر في العديد من الدول.
أما المستثمر المصري فاعتاد –خلال الفترة الماضية- على الاستثمار في دول معينة وفي سلع معينة لذا بدأت وزارة الإنتاج الحربي دخول أفريقيا في قطاعات استراتيجية لا يستطيع الاستثمار الخاص والصغير دخولها لتفتح أسواق لهم مع الوقت وتشجعهم.
نحن نحتاج تغيير مفهوم المستثمر نحو القارة، فلا يجب أن نعتمد فكرة الاستثمار السريع قصير المدى ولكن نفكر فى عمل شراكات طويلة المدى وأن تشعر هذه الدول أنها ستستفيد مثلما سيستفيد المستثمر، حتى نستطيع المنافسة مع باقي دول العالم، لذا فإن الشعار الذي طرحناه في اللجان التي أتشرف بعضويتها، هو شراكة من أجل التنمية؛ ليس تنمية مصر فقط ولكن تنمية أفريقيا أيضا. 



> كيف تقيمين علاقات مصر مع أفريقيا خلال العصور المخلتفة منذ عبدالناصر وحتى الأن؟
- أهم الفترات كانت خلال فترة الرئيس جمال عبدالناصر لأنه قدر يخلق المزج والانتماء الإفريقي ليس على مستوى مصر ولكن على مستوي الدول الأفريقية، وكان له دور كبير في حركات التحرر الوطني وكان يوفر لهم المساعدات اللازمة لذلك وإلى الآن نجد شوارع باسمه في أثيوبيا وعدد من الدول الإفريقية.
وفي مرحلة الرئيس السادات العلاقات كانت محايدة جدا لأن مصر كانت تمر بتحديات وكنا في حالة حرب فكان من الصعب تقديم مساعدات 
أما مرحلة الرئيس حسني مبارك، فكانت الأسوأ خصوصا بعد حادث أديس البابا حيث دخلت العلاقات في حالة من الجمود والموات وكأننا نسينا أن مصر دولة افريقية وفكرنا في التوجه نحو أوروبا وأمريكا والصين 
وخلال الثلاثين عاما التي غابت فيها مصر، بدأت باقي دول العالم تستشعر أهمية أفريقيا وتخلق لنفسها فرص استثمارية مثل الصين والاتحاد الأوروبي وأمريكا وإسرائيل والعديد من الدول العربية مثل الإمارات والسعودية، وبدأت فرص الاستثمار تتقلص.


> وبالنسبة لعصر الرئيس عبدالفتاح السيسي؟
- الرئيس السيسي أحيا علاقات مصر مع أفريقيا بعد أن احتضرت في عهد السادات وماتت في عهد مبارك، وللأسف لن نقدر على إصلاح ما أفسدته العقود الماضية في يوم وليلة لأنها أثرت بالسلب على مدركات الطرفين.
الدول الأفريقية وقت عبدالناصر كانت تحتاج مساعدات خارجية من أجل التحرر الوطني لكنها الأن تحتاج مساعدات فى التنمية فيجب أن نقدم لها ما تحتاجه لدخولها، وهذا يحتاج إرادة سياسية تتوجه نحو القارة السمراء وهو ما يؤكده الرئيس السيسي من خلال تبادل الزيارات والمؤتمرات والتعاون الفني.
ويجب الآن تفعيل الدور الاقتصادي نحو أفريقيا من خلال تشجيع الشركات على فتح أسواق جديدة وزيادة مكاتب التمثيل التجاري فلدينا 6 مكاتب فقط هناك، بالإضافة إلى استغلال مكاتب شركات النصر الموجودة في مختلف دول القارة والتي تصل إلى 32 فرع والتي لم تستغل منذ الستينات، ومن المهم أيضا فتح فروع للجامعات.


> هل هناك مؤشرات على نجاح خطة التوجه نحو أفريقيا؟
- بالطبع، فنحنا بدأنا جني ثمار هذا التوجه، فالدول الأفريقية كانت ترفض تمثيل مصر في الاتحاد الافريقي، لكن خلال السنوات الثلاث مع توجهات الرئيس السيسي من خلال منتدى الاستمار وتدعيم علاقتنا مع أفرقيا أصبحت هذه الدول تصوت لنا وأضحت مصر ممثلة في القمم الأفريقية الخارجية سواء الصينية او الإفريقية كما حصلت مصر على جميع أصوات القارة الافريقية في تنظيم بطولة الأمم الأفريقية.
كما أن مصر وقعت على اتفاقية الدمج بين الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا) والسادك (مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية) والإياك (تجمع شرق أفريقيا) لعمل منطقة حرة بين الدول الأفريقية، ولذلك أقول أن استعادة مصر دورها على كافة المستويات السياسي والاقتصادي والاجتماعي من خلال التعاون الفني ليس مستحيلا.


> ما هي الآليات التي يمكن أن نجعل من أسوان عاصمة للشباب الأفريقي؟
- أولا؛ يجب تغيير مفهوم أفريقيا حول السياحة في مصر، فالسياحة ليست الأثار فقط، الأن توجد السياحة البيئية والسياحة العلاجية مثل دبي التي ليس لديها أثار ولكنها استطاعت خلق محاور أخرى للسياحة، ويجب الاهتمام أكثر بالفلكور الافريقي الأدبي والفني والثقافي لكي يجده السائح الافريقي في مصر والنوبة نموذج رائع وفريد للبداية في هذا الاتجاه.
وأيضا يجب التركيز على مفهوم ريادة الأعمال للشباب القارة ويجب أن يركز على المشاكل التي يمر بها الشباب الأفريقي والمزج بين الشباب المصري والأفريقي.