الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

آه يا معلم يا معلم.. بعيدًا عن السياسة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دفعتنى اللهفة وحنين الشوق إلى قراءة ثانية لحياة العملاق والمعلم والأسطى برؤية مختلفة، اجتهدت وبحثت عن ضالتى على أرفف المكتبات لم أجد المؤلف الذى أريد أن أتزود به، بحثت عنه فى أجنحة معرض الكتاب فى يوبيله الذهبى، وأنا أعرف مكانة المعلم وجدت اسمه فى المكان الذى يستحقه بين الرواد فهو المنارة التى تشع أفكارًا وتضخ أخبارًا، فهو يتغزل فى صيغة أى خبر يطربه، وكأنه لم يقرأ حقائق لكن يشعر بأنه يقرأ أشعارًا، وينظر لماكيت الصحيفة، وكأنه يسير فى وسط حديقة غناء فلا تخيفه سطوة حاكم أو قيادى جبار، قدرة خارقة على إعادة رصف طريق مسيرته وإزالة العثرات والأحجار.
كل هذه نماذج تدور فى خاطرى وأنا أبذل كل جهد وأبحث عن مؤلف يتناول دراسة حول العملاق ليس من باب الوفاء، كنت أتصور أن أحدًا من تلاميذه امتلك الشجاعة لكى يسجل للأجيال حياة صاحب المجد المهنى فى عالم الخبر الصحفى لكننى فشلت فى الحصول على ما يفيد بأن من الذين حصلوا على فرصتهم المهنية على يديه أو بترشيح منه أو إجازة للمواد الصحفية لكى تجد طريقها إلى النور بعد أن يتدخل بنفسه ويعيد المادة من إعادة الصياغة واستكمال جوانب الخبر، فالرجل لم يمن على أحد بالعطاء فهو رمز لمعنى الوفاء، تميز بالرجولة والفحولة والمواقف التى لا تهتز، لأنه على ثقة أنه يضع كلمات لا ترتعش فهى صلابة وسلامة أسلوبه، وإذا حقق ضربة صحفية فإن رئته تستعيد كفاءة تشغيلها وتنتعش.
ولو أن أستاذى موسى صبرى لم يستلهم من هذه المدرسة، لكنه تفاعل وتعامل مع جميع المدارس الصحفية، فى مقدمتهم الخبر الصحفى، وكنا فى أخبار اليوم نفاخر بفارق التوزيع بيننا وبين أهرام أستاذنا هيكل والسبب أن الأسطى وضع نظرية آلية فكر مؤسس الجامعة الصحفية فى الشرق أستاذنا مصطفى أمين الذى قال أستاذنا موسى صبرى إنه شخصية عبقرية لن تتكرر.
هذه مقدمة واجبة عن المعلم والأستاذ والأسطى موسى صبرى الذى رحل عن دنيانا يوم 8 يناير 1992م واشتد الشوق أبحث عن مؤلف كتب عنه، بحثت عن كل الأرفف فى المكتبات صحيح أن هناك مؤلفات كتبت عن الأستاذ هى كلها بقلمه فهى سجلت السيرة الذاتية لتجربته الثرية، فقد كان عملاقًا والعمالقة لا يصنعون من فراغ وباعتراف أن من يحتل مكانة فى مكانة موسى صبرى ينقل عنه بحكم المنافسة، واكتشفت فى مسيرتى تحت قيادته كرئيس تحرير الأخبار أنه قيمة مختلفة وأعترف بكل الأمانة أننى لم أكن من المقربين إليه رغم بساطته، تحدثت معه فى مناسبات عابرة اكتشفت فيه صراحته وقيمته وعظمته، لا يعرف الشللية أو الاقتراب من أى لغة سوى المهنية، فأنا وجيلى فى الصف الثانى فى مدرسته، فهناك أساتذة مباشرون فهم فصول الحرفية مع بداية حياتى منهم عبدالسلام داود وسعيد سنبل وفهمى عبداللطيف وإمبراطور الإخراج الصحفى حسين فريد، ولذلك من الصعب أن تكون لقاءاتى مع الأستاذ والمعلم مباشرة رغم بساطته ورغم أن ما كانوا يطلقون عليه (ثعلب الصحافة) فإننى اكتشفت المبالغة فى تصوير شخصيته لم تبعد المسافة معنا بدليل أنه كان، وهو رئيس تحرير الأخبار هو الذى رشحنا للتعيين، وقدم مذكرة بصلاحياتنا، فهو يستحق له بالمعايير العلمية أن يكون واحدًا من أعاجيب الصحافة المصرية السبع، وفوجئت بشهادة من أستاذى أنيس منصور يقول لى إن أول من نشر إنتاجى فى جريدة (الأساس) المشرف على الصفحة الأدبية هو موسى صبرى وشجعنى وكتبت ونشر لى على مساحة صفحة كاملة، وتزاملًا فى أخبار اليوم كانا على مسافة أقل من خطوة مع صناعة القرار فمع صدور قرار تحديد سن المعاش وبعد صدور القانون قلت للرئيس السادات تعرف من ينطبق عليهم القانون سألنى مين.. قلت موسى صبرى وأنا.. فتضايق الرئيس وبعد مقابلة لموسى صبرى كان رأى الأستاذ أنيس منصور أن الكاتب لاعمر له، فالكاتب يحرر له شهادة ميلاد ولا يحرر له تصريح بالدفن.
وموسى الذى اكتشف النجوم أحمد رجب ومصطفى حسين وجيشًا من المحررين ومع ذلك لم أسمع من الجيل الذى تعلم منه أن يفكر فى كتابة منظومة مهنية تستفيد منها الأجيال لم يمنحوه حقه بل هم الذين أسقطوه فى الانتخابات على مقعد النقيب، وهذه القصة لها أسرارها فقد خذلوه أمام الصندوق.
ومع ذلك فإننى حين جولتى جذبت أسماعى أغنية الصبوحة وتصورت أنها للدعوة لزيارة الجناح حيث كانت تشدو، وتعلن أنها رسالة إلى موسى صبرى.. قلت: هل هذا جناح يعرض دعاية لمؤلفاته قالت صباح (آه يا معلم) مطلع واحدة من أجمل إبداعات الشحرورة، إنها رسالة عرفان للدور الذى لعبه فى حياتها فقد أطلقت عليه (الأسطى) والورشجى وعاشق الصحافة وطبيعى أن الفنانة «صباح» تعترف فى كل وقت بأنها تتلمذت فى الحياة على يديه فهو زاد يومى وغذاء فكرى لها.
الشحرورة ليست الفنانة الوحيدة التى تعلمت فى مدرسة موسى صبرى لكن خصومه أرادوا أن يحاولوا تلويث صفحته رغم أن الجميع يعرف تمسكه بالقيم المهنية ونظافته وعطاء وقدرات مهنية فى الصحافة تحتل مكانته، ومنذ رحيل موسى صبرى فإن الفراغ جعل المهنة لوجود الأسطى الذى وصل لمستوى حرفته، أن موسى صبرى صاحب الفضل عليها فى رعاية الموهبة وموسى صبرى ليس فنانًا فاستطاع أن يقوم «بتصفيح السياسة»، ويجعل الفنون فى ساحة الرأى العام، وتناول السياسة بمنظور فنى مهنى وليس من خلال نظرة أحادية للأمور بنظارة الساسة وهى المدرسة التى برع فيها أستاذ الأساتذة إحسان عبدالقدوس اكتشف زبيدة ثروت ونادية لطفى وغيرهم وكان الحصن الحصين للمبدعين، وكانوا أوفياء له، لم يصل لمسامعى أن المؤسسة التى أعطاها دمه وعقله لم تصدر مطبوعة يستحقها ودروسه الأسبوعية التى كانت تنشرها مجلة (آخر ساعة)، وقد زامل فى الاعتقال أنور السادات وفضيلة الشيخ أحمد حسن الباقورى فهو تاريخ له جذور أنتج ثماره فى زراعة الصحافة فقد استطاع أن يتقن الحرفية ويصادقها، فما أصدق رسائل العاشق والمعشوق!
قدراته تتسم بالتجليات والإبداع والعمق بعيدًا عن السطحية، موسى صبرى لبى نداء الرحيل من عالم الشقاء المهنى إلى عالم الراحة والاستراحة، إن موسى صبرى كنز مهنى للصحافة وفى الصحافة لم يكتشف بعد ولكن ما رأيكم أيها المنكرون والجاحدون وبعلمه الأسطورى أنتم جاهلون؟