الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ذكرى تخريب مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وصل محمد البرادعى القاهرة، وتوجه على الفور إلى مسجد الاستقامة، لا للصلاة ولا لإمامة المصلين، ولكن لقيادة دراويشه من أمام المسجد عسى أن ينضم إليهم المصلون لينطلقوا من الجيزة إلى ميدان التحرير، حيث تمركز قادة الإخوان ليديروا الحركة فى الميدان بعد أن حسموا أمرهم وانقلبوا على الرئيس الأسبق مبارك، وكانوا قبلها ببضعة أيام يحرمون الخروج عليه، وبينما كان البرادعى فى الطريق.. بدأت عمليات الاعتداء على الشرطة فى مشاهد غير مسبوقة، ثم تصاعدت ألسنة اللهب من المركبات العامة والخاصة، لتمتد إلى آليات الشرطة، فى التحرير، ورمسيس والمطرية كان استهداف الشرطة هو الهدف الوحيد للمتظاهرين، بدأت دماء الأبرياء تسيل، ومشاهد العنف التى كانت جديدة على المجتمع صارت مألوفة، مما دفع الجيش للنزول ليطوق الميادين والشوارع، تقابله الغالبية بالهتاف الأشهر (الجيش والشعب إيد واحدة)، بينما تقذفه القلة بالحجارة والمولوتوف، كان العنوان الذى اختاره دعاة التخريب لذلك اليوم هو (جمعة الغضب) التى يمر عليها اليوم ثمانى سنوات، وفيه تجمع من كانوا فى الخارج يتدربون على نشر الفوضى وإسقاط النظام وتتبعه الدولة.
اتخذ المخربون من المنطقة المحيطة بالميدان مخابئ لهم، ومن شقق سكنية فى العجوزة ووسط القاهرة أوكارًا لسهراتهم الماجنة، ومنها يوجهون أذنابهم لقيادة الأبرياء المطحونين فى الشوارع والميادين، لمع اسم وائل غنيم الذى لم يكن يعرفه إلا من تدربوا بتوجيهاته فى الخارج، وليتحول ما بين يوم وليلة إلى أيقونة لفوضى أطلقوا عليها ثورة.
أما الجيش الذى نزل الشوارع ليحمى وعانق الأبرياء جنوده.. فتحول بعد ذلك إلى هدف للمخربين، ليعلوا صوتهم بهتاف (يسقط حكم العسكر) ولترمى آلياته بالملوتوف الذى يتم تصنيعه فى الأزقة بالطريقة التى تعلمها المتدربون فى الخارج.
لم يكن المتلونون قد حسموا أمرهم فى ذلك اليوم (جمعة الغضب) حيث لم يتوقع أحدهم سقوط نظام ضرب بجذوره فى مصر العميقة ثلاثين عامًا، هاجموا المتظاهرين وطالبوا بتأديبهم، ثم انقسموا فى نهاية اليوم، منهم من سافر خارج القاهرة ومنهم من أوقف برنامجه حتى إذا سقط النظام لا يحسب عليه، ومنهم من تحول إلى دفة المتظاهرين، أتذكر فى ذلك اليوم آخر اتصال لنا مع د. أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب آنذاك حيث طالبناه بضرورة ظهور الرئيس الأسبق مبارك لمخاطبة المتظاهرين أو إقالة وزير الداخلية أو حتى الحكومة، لكنه فاجأنا برد تناقلته يومها وكالات الأنباء، حيث أكد أن أخبارًا سارة ستسمعونها بعد قليل، واتضح من كلامه أن التكتلات التى كانت تحكم مصر فى ذلك الوقت انقسمت على نفسها، وتضاربت آراؤهم حول كيفية التعاطى مع الأحداث، لذلك لم نسمع خبرًا يسرنا، بل تابعنا زحف المتظاهرين إلى مبنى وزارة الداخلية، ثم إلى أقسام الشرطة، ثم السجون التى تم فتحها.
ما سموه (جمعة الغضب) كان اليوم الحاسم الذى انحرفت بعده الأحداث لتتحول من التظاهر السلمى إلى الانتقام من الشرطة وقتل الأبرياء الذين عانوا فى ظل نظام مبارك، وأصبحت الدماء المسالة فى الشوارع والميادين بمثابة البنزين الذى زاد النار اشتعالًا، حيث بدأت جولة الثأر للشهداء، وهى واحدة من جولات منصوص عليها فى دستور المخربين ودعاة إسقاط الدول وتفتيتها.
ثمانى سنوات مضت على اليوم الفاصل فى تاريخ الفوضى، وللأسف.. ما زلنا نرى نفس الوجوه التى أشعلت الميادين بهتافها ضد الجيش والشرطة وهى تتصدر بعض المشاهد، متنكرة فى نفس الزى (الوطنية).
ذهبت (الجمعة) لتنضم إلى صفحات التاريخ، وبقى (غضب)، يسكن الصدور بسبب هؤلاء المتلونين، الذي احترفوا التنقل بين الموائد ليملأن بطونهم بأى طريقة، حتى لو كانت من لحم الوطن.