الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الطوق والأسورة" حياة ممتدة.. والموت يقف متربصًا خلف الباب

رواية الطوق والأسورة
رواية "الطوق والأسورة"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تُعّد رواية «الطوق والإسورة» هى أكثر أعمال الأديب الراحل يحيى الطاهر عبدالله بروزًا وشهرة، والتى شكّلت فيها مجموعة من القصص القصيرة رواية مهمة، يرى البعض أنها تمكنت من وضع قارئها فى مجتمع تلتقى فيه كل من الأعراف، والتقاليد، والضغائن العائلية، والعواطف والمشاعر الإنسانية الأساسية، وتتفاعل كلها لتصبح جزءًا من الرواية التى فازت بواحدة من جوائز الترجمة لعام ٢٠٠٩ من ثمانى لغات أجنبية إلى الإنجليزية، فى احتفال شهدته العاصمة البريطانية، وأشرفت عليه جمعية المؤلفين البريطانيين والمركز البريطانى للترجمة؛ حيث منحت جائزة سيف غباش - بانيبال للمترجمة المصرية المقيمة فى مدينة مرسيليا سماح سليم، عن ترجمتها للرواية الصادرة عن الجامعة الأمريكية فى القاهرة بعنوان The Collar and the Bracelet.
الرواية تحكى عن حياة الأم «حزينة» وزوجها العجوز وابنتها فهيمة، وسفر ابنهما للشام وفلسطين للعمل هناك، تزوج ابنتها من حداد، لكنها تطلق منه، مع أن أمها دبرت أمر حملها من رجل فى معبد، لكن تمرض فهيمة بالحمى وتموت بعد موت والدها، وتبقى حزينة مع الطفلة التى تكبر وتحمل من صديق طفولتها ابن الشيخ، وحين يعلم خالها يدفنها فى حفرة، وبعد ذلك يقطع رأسها ابن خالتها ويرميه عند خالها، وينفض الناس عنه؛ لتبرز خلال أحداث الرواية خصائص كتابة يحيى الطاهر عبدالله، والتى جسّدت عالمًا كاملا مليئا بالصور التشكيلية والمشاهد الحية.
تنوعت الحالات التى أبدعها يحيى الطاهر عبدالله، ما بين الزوج العجوز المصاب بالسل والذى ينتظر الموت، والأم التى تنتظر عودة الابن مصطفى من الغربة، والابنة التى تلاحقها العيون فى القرية؛ كانوا كلهم ينظرون للحياة من فتحات ضيقة يدفعها الخوف ليفتحوا أبواب الحياة على مصراعيها حتى يعلموا أنها تستحق الحياة. 
جاء القاسم الأعظم من الخوف من الموت الذى وقف متربصا خلف الباب بالزوج والابن ويحصد البنت فى طريقه، ليبرر بهذا الخوف حقيقة أن جميع النسوة فى القرية يلبسن اللون الأسود وينتظرن الموت فى أى لحظة وأى مكان. هكذا يُفكر البعض، بينما يبدو حقًا أن ما يخيفهم هى الحياة نفسها، والتى لم يعهدوا جديدا فيها يذكر منذ آلاف السنين، حيث يعتقدون -ككل المصريين القدماء- أنها تنتهى عند البر الآخر من النيل؛ حيث يدفنون موتاهم، فلم تعهد شخصيات الرواية ولا أهل القرية لهم حياة أوسع من ذلك المكان ولا أشقى منها، فهى كمثل أحجار التماثيل الفرعونية الشامخة فى أرضهم، لا يعرفون لها فائدة سوى أن أجدادهم تركوها هنا، بينما تقف تلك الحجارة المصمتة شاهدة على ما يمكن أن تكون عليه الحياة، حيث هى طويلة ممتدة بلا تغيير، وفى نهايتها يقف الموت منتظرا ليحصد الأرواح.
جاءت كتابة يحيى الطاهر عبدالله فى الرواية لتجعل القارئ يسمع أصوات كل ما فى ذلك العالم من إنسان وطائر وحيوان، بل وحتى حفيف الشجر ونقرات المطر وصهير أتون الشمس وزمهرير البرد فى الشتاء، ليصنع عالمًا مُتكاملًا فى الأقصر وقراها، مقدمًا صورة تختلف عما عرفناه عنها من قبل، حيث أخرج لنا حياة ناسها وطبيعتها وأسرارها، وأوجاعهم وأفراحهم وأحزانهم ومواويلهم وأساطيرهم التى اختلط فيها خيالهم وواقعهم؛ جامعًا فى ذلك كل تقنيات الكتابة التى بدأها فى وقت مبكر جدا فى مجموعته القصصية الأولى «ثلاث شجرات كبيرة تثمر برتقالًا»، التى «كشفت عن تداخل كل التقنيات الفنية فى نصوصه، وجاءت بحداثة فنية طازجة امتزج فيها الفن التشكيلى بالصورة، والسينمائى بتحريكها، والسيناريو والحوار والموسيقى الآتية من فن المواويل والقص والإنشاد الشعبى وروح الملحمية فيها، على طريقة القوّال الذى يعيد ويكرر إنشاد وقص الحكايات، مما يمنحها ترديدات موسيقية جذابة تزيد وتعمق بحفر الأسطورى بالواقعى بالتراثى بالشعبى بالغرائبي»، وفق ما قالت عنه الناقدة فوزية شويش السالم.