الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوادث وقضايا

خفاجي: بحيرة مريوط وكلمات الرئيس أكبر مصالحة في تاريخ مصر مع البيئة

المستشار الدكتور
المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعد المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، دراسة في حماية البحيرات بعنوان: "التعدى على بحيرة مريوط أو تلويثها أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، جريمة لا تسقط بالتقادم بقوة الدستور، وكلمات الرئيس عن عودة البحيرة أكبر مصالحة في تاريخ مصر مع البيئة. دراسة تحليلية في ضوء الحق في البيئة والحفاظ على الثروة السمكية وصحة الإنسان". نشره على الصفحة الرئيسية لموقع نادى قضاة مجلس الدولة.
جاءت الدراسة عقب زيارة الرئيس السيسي مدينة الإسكندرية لافتتاح عدد من المشروعات بمشروع "بشاير الخير 2" بغيط العنب.
ونعرض فيما يلى الجزء الثانى من تلك الدراسة في العناصر التالية:
أولًا: البحيرات ثروة قومية مملوكة للدولة ملكية عامة ولا يجوز تملكها بالتقادم مهما طال الزمان:
يقول الدكتور محمد خفاجى أن المشرع الدستورى حرص في المادة (45) من الدستور على التزام الدولة بحماية بحيراتها كما هو الشأن في حماية بحارها وشواطئها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية، بل إن المشرع الدستورى وضع اللاءات الثلاث لحماية البحيرة بقوة الدستور ذاته، فحظر التعدى عليها أو تلويثها أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، ولم يقف أمر المشرع الدستورى على الدولة بل خطاب كل مواطن وجعل حقه في التمتع بها مكفول شريطة حمايتها من الخطر والحفاظ على الثروة السمكية مثلها في ذلك مثل الثروة الحيوانية والنباتية.
ويضيف أن البحيرات قد أخضعت لإشراف الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وخضعت لتحقيق المنفعة العامة التي تضطلع بها الهيئة المذكورة، وذلك لتنمية الاقتصاد القومي في مجال الثروة السمكية، وأن هذه البحيرات، ثروة قومية مملوكة للدولة ملكية عامة، مما لا يجوز معه لأي جهة أيا كانت إجراء أية تصرفات تخرجها عن الغرض المخصصة له بحكم الطبيعة، وتسري عليها كافة أوجه الحماية القانونية المقررة للمال المملوك للدولة ملكية عامة من حيث عدم جواز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم وإزالة ما يقع عليها من تعديات بكافة الطرق.
ثانيا: نص اَمر بحظر تجفيف أي مساحة من البحيرات:
المشرع تقديرًا منه لأهمية البحيرات، بحسبانها أحد المعالم الطبيعية وجزءً ركيزًا من النظام البيئي وأساسا للتنوع الحيوي الاقتصادي والاجتماعي والسياحي والترفيهي ومصدرا للثروة السمكية والدخل القومي للبلاد، قد حظر حظرا مطلقا على أية جهة حكومية أو هيئة أو شركة أو وحدة محلية أو جمعية تعاونية أو للأفراد، تجفيف أي مساحة من البحيرات، وهو نص أمر ينبغي احترامه من الجميع، بما فيهم الدولة المختلفة تحقيقا لسيادة القانون وإعمالا للمشروعية.
ويضيف لم يجز المشرع تجفيف أي مساحة من البحيرات إلا في حالة استثنائية وحيدة، والاستثناء لا يجوز التوسع فيه أو القياس عليه تتمثل في تقرير عدم صلاحية المساحة المجففة من البحيرة للاستغلال السمكي اقتصاديا، وهو أمر موكول للجنة التي خصها المشرع بذلك والتي تضم مندوبين من وزارات الزراعة واستصلاح الأراضي والري والتخطيط والإدارة المحلية ومعهد علوم البحار والمصايد والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ومن ثم لا يجوز لأي جهة أخرى – غير تلك التي حددها المشرع حصرا – أن تقرر عدم صلاحية أي مساحة من البحيرات للاستغلال السمكي اقتصاديا، وإلا عد ذلك تعديا على اختصاصات تلك اللجنة المقررة قانونا لها وحدها دون غيرها.
ويشير أن الجهة الإدارية بذاتها حرمت على نفسها تجفيف أي مساحة من البحيرات بحسبانها ثروة قومية إلا بعد إتباع إجراءات معينة وبتقرير من اللجنة المشكلة من مندوبين لعدة وزارات وهيئات مختلفة حصرها المشرع في ستة جهات هي وزارات الزراعة واستصلاح الأراضي والري والتخطيط والإدارة المحلية ومعهد علوم البحار والمصايد والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ولكل منهم شأن يغنيه برؤيته الخاصة للحفاظ على البحيرات، وتقرير أي جزء يكون غير صالح للاستغلال السمكي اقتصاديا، مما يمثل عملا ضروريا قاهرا لتجفيف أي مساحة من البحيرات واعتبارها أرضا للأحياء من الكائنات، بعد أن نعمت بالحياة في مياهها الخيرات، وبما لا يعود بأي أذى أو ضرر على البحيرات، وينبني على ذلك أن أى تعدى على البحيرة سواء اتخذ شكل تجفيف أي مساحة منها على غير هدى من الأحكام والقواعد المقررة سالفة البيان، يصبح معدوما لا قيمة له.
ويوضح خفاجى إمعانا من جانب المشرع، للحفاظ على البحيرات وهي من المكونات البيئية، جعل تجفيف أو ردم أي مساحة من البحيرات دون إتباع الإجراءات المقررة سلفا حرامًا، ورفعه إلى مصاف الجرائم الجنائية، ورصد لفاعله عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه، وتضاعف العقوبة في حالة العود، على أن تزال المخالفة إداريًا على نفقة المخالف، وهي عقوبة ضئيلة للغاية لا تحقق الهدف من تقريرها.
ثالثا: السلطات الإدارية ملزمة بجهود العلماء في البحوث المائية لتلافى خطورة الاحتباس الحرارى بالبحيرة:
يقول أنه من المتعارف عليه أن الدراسات والأبحاث العلمية وما تتوصل إليه من نتائج بحسبانها ثمرة من ثمار قرائح الذهن، تظل خاضعة في تطبيقها لتقدير السلطات الإدارية طواعية واختيارا، فليس لها من ثمة إلزام قانوني على جهات الإدارة التي إن شاءت طبقتها وإن رغبت منعتها، وهي بذلك لا تتمتع إلا بإلزام أدبي، بيد أن المشرع أفرد نظاما خاصا للجهات العلمية والفنية والجهات المعنية بالبحوث المائية فيما تجريه من تجارب، وما تتوصل إليه من بحوثها من نتائج، وما تنتهي إليه من توصيات علمية تتعلق بالحفاظ على البحيرات، التي من المكونات الطبيعية للبيئة وما تضعه من الحلول العلمية المدروسة لما يعترضها من مشكلات تهدد بيئتها الطبيعية.
ويضيف أن المشرع أوجب على الجمعيات التعاونية للثروة المائية والصيادين ورؤساء مراكب الصيد وتجار الأسماك تقديم جميع البيانات الإحصائية المتعلقة بعمليات الصيد والإنتاج السمكي لغرض البحوث أو التربية أو تغذية المزارع السمكية أو تعمير مناطق أخرى من مناطق الصيد، بالتنسيق مع الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، ومن ثم فلم يترك المشرع أمر جهود على العلماء في أبحاثهم العلمية ودراستهم الأكاديمية المتعلقة بالبحيرات سدى، ولم يذر ما ينطبق به من العلماء من نتائج بحثية وتوصيات علمية هباء، وإنما أسبغ على تلك الأبحاث والدراسات قيمة ينبغي أن تكون لها اعتبار لدى السلطات الإدارية التنفيذية، بحيث غدا للمتخصصين من العلماء دور فاعل بقصد خدمة البحيرات والمحافظة عليها وعلى الثروة السمكية، بما يقتضيه ذلك من تطبيق لما توصلت إليه تلك الدراسات والأبحاث من نتائج وتوصيات والتي لا تنفك عن الحفاظ على النظام البيئي بحال، للحيلولة دون تدهور البيئة نتيجة تدخل السلطات الإدارية الزائد عن الحد بما يفسد على البيئة نظامها الطبيعي المحكم الدقيق.وهذه الأبحاث العلمية ملزمة لتلافى خطورة الاحتباس الحراري.
رابعًا: حول أحواض الأنهار والبحيرات قامت الحضارات، وبُنيت المدن وعرف الإنسان معنى الاستقرار:
يقول إن مشرعي دول العالم المتقدم قد عملوا على الحفاظ على المكونات البيئية خاصة الأنهار والبحيرات، ولا مبالغة في أن حقوق الناس في بقاء مياه الأنهار والبحيرات نقية من غير سوء شغلت بال الدول منذ فجر التاريخ، بل إن الدول وتنظيماتها قامت خلال حقب تاريخية مضت، استنادا إلى تقرير الحقوق المائية، فحول أحواض الأنهار والبحيرات قامت الحضارات، وبُنيت المدن وعرف الإنسان معنى الاستقرار والاستمتاع بالطبيعة.
ويضيف أن المقياس الحقيقي للتقدم بات لا يتمثل في وفرة الموارد المتاحة بقدر ما يتمثل في تحقيق أفضل استخدام لها بما يخدم الأهداف القومية، ولا ريب أن البحيرات هي أغلي هذه الموارد جميعا، وأعلاها قيمة، ولذا أضحى الحفاظ على البحيرات نظيفة نقية صالحة للاستخدام واجبا قوميا، وهو ما يدعو إلى تعميق الإحساس لدي الجميع بأهميتها وضرورتها في التوازن البيئي والتنبيه بالخطر في حالة التهاون والتقصير في رعايتها والحفاظ عليها.
خامسًا: النظرة إلى البيئة ليست ترفًا وإنما ضرورة حياة والبحيرة بين الإنماء أو الاسترخاء، وأي تساهل أو تراخ محفوفا بالمخاطر ويهدد الأجيال القادمة:
يقول أن حدوث أي تساهل أو تراخ أو تجاوز أو تهاون في الالتزام بالمحافظة على البحيرات نظيفة دون تلوث يكون محفوفا بالمخاطر، لأنه يمس مصدرا من مصادر البيئة، ويهدد الجيل الحاضر والأجيال القادمة، وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 48 لسنة 1982 في شأن حماية نهر النيل والمجاري المائية مدى القصور في التشريعات السابقة التي كان معمولا بها في تلك المجالات، حيث كانت توزع الاختصاصات والمسئوليات بين يدى أجهزة كثيرة مما ساعد على ضياع الالتزام والمسئولية وتهوين العقوبات، فلا تصبح رادعا قويا للمخالفين والمعتدين، ولذا أصدرت الدولة العديد من التشريعات لإعادة الانضباط في التعامل مع البحيرات، بحسبانها من مكونات البيئة، مما يتعين معه على الأجهزة الإدارية العليا أن تتدارك التيار الجارف للتلوث، وتصد أسبابه، وتردع مرتكبيه، وتعيد للبحيرات نظافتها نقية مأمونة الاستخدام.
ويضيف خفاجى والرأى عندى، أن النظرة إلى البيئة ليست ترفًا، وإنما هى ضرورة حياة، لذا فإن حدوث أي تساهل أو تراخ أو تجاوز أو تهاون في الالتزام بالمحافظة على البحيرات نظيفة دون تلوث أو تعدى، له مردود دولى خطير، لأن الإخلال بها هو اخلال بالمواثيق الدولية نحو السعى إلى بناء نظام بيئى سليم، خاصة وأن الالتزام الدستوري المصرى كان صريحا بحماية البحيرات وحظر التعدى عليها أو تلويثها أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها.
سادسًا: تقييم التأثير البيئي للمنشاَت المقامة على شواطئ البحيرات أمر لازم لجهاز شئون البيئة:
يقول: إن المشرع قد استحدث حكمًا في القانون رقم 4 لسنة 1994 في شأن البيئة بمقتضاه ألزم الجهة الإدارية المختصة أو الجهة المانحة للترخيص بتقييم التأثير البيئي للمنشاة المطلوب الترخيص لها، وفقًا للعناصر والتصميمات والمواصفات والأسس التي يصدرها جهاز شئون البيئة بالاتفاق مع الجهات الإدارية المختصة، ويكون لجهاز شئون البيئة مراجعة ذلك كلما لزم الأمر، وقد أورد المشرع تحديدا للمنشاَت الخاضعة لأحكام التأثير البيئي وفق ضوابط أساسية سردها تفصيلا، من بينها المنشاَت الصناعية، وأية منشأة أخرى أو نشاط أو مشروع يحتمل أن يكون له تأثير ملحوظ على البيئة.
ويضيف كذلك تلك المنشاَت الخاضعة لتقييم التأثير البيئي وفقا لموقعها، ومنها تلك التي تقام على شواطئ النيل وفرعيه والرياحات وعند شواطئ البحار والبحيرات، وكذلك تخضع لتقييم التأثير البيئي تلك المنشاَت التي تستنزف الموارد الطبيعية، ومنها تلك التي تسبب تجريف الأرض الزراعية أو التصحر أو إزالة تجمعات الأشجار والنخيل أو تلوث موارد المياه وخاصة نهر النيل وفرعيه والبحيرات أو المياه الجوفية.
سابعًا: تجفيف أي مساحة من البحيرات يلزم له إجراءات من ستة وزارات:
يقول أن المادة (20) من القانون رقم 124 لسنة 1983 في شأن صيد الأسماك والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية لم تجز لأية جهة حكومية أو هيئة أو شركة أو وحدة محلية أو جمعية تعاونية أو للأفراد تجفيف أي مساحة من البحيرات، وألزمت للقيام بتجفيف أي مساحة من البحيرات اتباع إجراءات معينة عن طريق لجنة تضم مندوبين من وزارات الزراعة واستصلاح الأراضي والري والتخطيط والإدارة المحلية ومعهد علوم البحار والمصايد والهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، وذلك بتقرير تلك اللجنة عدم صلاحية المساحة المراد تجفيفها للاستغلال السمكي اقتصاديا، كما حظرت المادة (14) من القانون المشار إليه تجفيف أية مساحة مائية من البحيرات إلا بترخيص من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية.
ويضيف أن الجهة المنوط بها قانونا في مصر ولجميع البحيرات تقرير عدم صلاحية المساحة المراد تجفيفها للاستغلال السمكي اقتصاديا هى الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية واللجنة المشكلة طبقًا للمادة (20) المذكورة، وفقا للحكمة التي تغياها المشرع من القرار الجمهوري رقم 190 لسنة 1983 بإنشاء الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، والقانون رقم 124 لسنة 1983 في شأن صيد الأسماك والأحياء المائية وتنظيم المزارع السمكية.