الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بعد ما شاب تفوق على الشباب!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دائما تحاصرنا الأمثال الشعبية فى كل المواقف، فنأخذها كدروس مستفادة من الماضى، تعلمنا خبرات من سبقونا، ونظل نتناقلها جيلا بعد جيل.. فالأمثال والأقوال الشعبية تعتبر أحد أهم الأشكال الأدبية التعبيرية التى تعكس ثقافة الشعوب، وتعبر عن أفكارها، وتؤثر على سلوكها.. وقد عبر عن مدى أهميتها وخطورتها الفقهاء وعلماء اللغة القدامى.. فقد عرفها أبو إبراهيم الفارابى الأديب والعالم اللغوى الذى عاش فى أواخر القرن الثالث الهجرى بقوله: «المثل ما ترضاه العامة والخاصة فى لفظه ومعناه، حتى ابتذلوه فيما بينهم وفاهوا به فى السراء والضراء.. وهو من أبلغ الحكمة لأن الناس لا يجتمعون على ناقص أو مقصر فى الجودة أو غير مبالغ فى بلوغ المدى فى النفاسة».. أما إبراهيم النظام فهو أحد أهم فقهاء البصرة والذى كان حافظا للقرآن والتوراة والإنجیل والزبور - ومن أشهر تلاميذه الجاحظ - فقد وصف الأمثال قائلا: «يجتمع فى المثل أربعة لا تجتمع فى غيره من الكلام (إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية) فهو نهاية البلاغة».. كذلك أبوهلال العسكرى أحد رواد العلوم اللغوية والنقد الأدبى فى القرن الثالث الهجرى فيقول عن الأمثال: «من أجل الكلام وأنبله وأشرفه وأفضله، لقلة ألفاظها وكثرة معانيها ويسير مئونتها على المتكلم من كثير عنايتها وجسيم عائداتها»..أما التأثير النفسى للأمثال فقد تحدث عنه الفقيه والعالم أبو الحسن الماوردى -أحد كبار قضاة الدولة العباسية - فيقول: «وللأمثال من الكلام موقع فى الأسماع وتأثير فى القلوب، لا يكاد الكلام المرسل يبلغ مبلغها ولا يؤثر تأثيرها، لأن المعانى بها لائحة والشواهد بها واضحة والقلوب بها واثقة والعقول لها موافقة، فلذلك ضرب الله الأمثال فى كتابه العزيز وجعلها من دلائل رسله وأوضح بها الحجة على خلقه، لأنها فى العقول معقولة وفى القلوب مقبولة»..لذلك فالأمثال والحكم والأقوال الشعبية المأثورة، لا تعبر فقط عن ثقافة السابقين، ولكنها أيضا ترسم ثقافة الأجيال المتعاقبة، لأننا نتناقلها وكأنها حقائق ومسلمات لا تقبل الشك، لكونها من واقع خبرات من سبقونا.. ورغم أن أغلب الحكم والأمثال تحمل أفكارا قيمة، إلا أننا أيضا نسمع الكثير من الأمثال الشعبية التى تحمل أفكارا سلبية أو خاطئة، فنرى أمثالا تدعو للتواكل وعدم السعى مثل: «قيراط حظ ولا فدان شطارة»، وأمثال تدعو للنفاق مثل: «لو كان لك عند الكلب حاجة قوله يا سيدى»، و«الإيد إللى ما تقدرش تقطعها بوسها».. والكثير من الأمثال السلبية الأخرى التى تنتشر فيما بيننا وتشكل وجداننا دون أن ندرى!!..ومن أشهر الأمثال المتداولة والتى أعتبرها الأسوأ على الإطلاق: «بعد ما شاب ودوه الكتاب»..فهو قاتل للطموح والسعى للعلم، ويدعو لليأس والاستسلام، وقد أثبتت التجارب الإنسانية أن عمر الإنسان لا يمنعه من تحقيق ما يريد، إذا توفرت الإرادة والسعى والصبر.. فمن يصدق أن تبدأ سيدة فى تحقيق حلمها بعد أن تجاوزت التسعين من عمرها؟! هذا هو ما حدث مع السيدة الأمريكية نولا أوكس، والتى سجّلت رقما قياسيا فى موسوعة جينيس بوصفها أكبر خريجة جامعية سنا، وذلك بعد حصولها على دبلوم من جامعة فورت هايز بولاية كانساس بعد أن بلغت من العمر 95 عاما، بالإضافة لحصولها على البكالوريوس فى نفس العام!!..ولم تكتف بذلك بل حصلت على الماجستير وهى فى الثامنة والتسعين.. ونشرت كتابها الأول حينما بلغت الـ100!!..وفى مصر أيضا لدينا نماذج عديدة لقصص نجاح مماثلة مثل إخصائية التخاطب الدكتورة/سامية محمد إسماعيل، والتى التحقت بكلية الإعلام بالجامعة المفتوحة وحصلت على البكالوريوس وهى فى عمر 67 عاما، ثم استكملت دراساتها العليا، حتى حصلت على الدكتوراه بعد أن تجاوزت 78 عاما.. وهناك عارض الأزياء الصينى/ وانق دى شان والذى يحكى أنه استطاع تحقيق هذا الحلم وهو فى الخمسين، حيث بدأ بالذهاب للأندية الرياضية وتدريب نفسه، وفى السبعين بدأ تكثيف تدريباته على حمل الأوزان الثقيلة، حتى بدأ العمل فى تقديم عروض الأزياء وهو فى التاسعة وسبعين.. ويؤكد أن الإمكانيات البشرية يمكنها تحقيق العجائب فى تطويرها، وأنه ليس هناك وقت متأخر لتحقيق التغيير، ولا يمكن لأى شىء أن يمنع أحدا من النجاح إلا نفسه!!..وهناك الكثير من النماذج البشرية الأخرى التى تدعونا للتفاؤل والسعى، والذين استطاعوا تحقيق الشهرة والثراء فعلى سبيل المثال «والاس جونسون» صاحب سلسلة فنادق «هوليداى إن العالمية» كان نجارا بسيطا حتى الأربعينيات من عمره، ولم يبدأ فى رحلة الثراء إلا بعد أن طرد من عمله دون سبب، فقرر رهن منزله للقيام بأول مشاريعه وهو بناء البيوت وبيعها، ونظرا لإتقانه عمله اتسعت شهرته، وبدأ فى بناء الفنادق والمراكز الصحية فى بلدان مختلفة، وخلال خمس سنوات من العمل المتواصل والمتقن أصبح من الأغنياء.. كذلك كانت رحلة كولونيل ساندرز مؤسس سلسلة مطاعم كنتاكى، والذى بدأ حياته بالفقر المدقع، وكان أول مطعم ينشئه وهو فى عمر 39، ولم تبدأ رحلته فى الثراء إلا وهو فى الخامسة والستين.. فلنحلم ونسع ونعمل طالما أنفاسنا ما زالت فى الحياة.. وكما قال الحديث الشريف: «إِذا قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِى يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا».