الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مليارات الاستثمار الضائعة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتفق الجميع أن الإنتاج والتشغيل والاستثمار، ولا شىء غير الاستثمار، هو الحل الوحيد للنمو والانتعاش وتحسين مستوى المعيشة، ولكننا نجد فى الوقت ذاته أن الإجراءات والقرارات الحكومية المفاجئة - ليست وحدها - تؤثر سلبًا على المستثمرين مما يضطرهم إما للإغلاق المؤقت أو تصفية أعمالهم فى مصر.
أصررت بأن أؤكد أن تلك القرارات المفاجئة ليست وحدها سببًا فى عدم جذب مزيد من الاستثمارات أو حتى الحفاظ على ما هو موجود، لأن تلك الإجراءات يمكن اعتبارها أسبابًا غير مباشرة لطرد الاستثمار، فضلًا عن الأسباب المباشرة التى يمكن أن نحصرها في "طلب الاستعلام الأمني".. وحده قادر على توقيف آلاف من الشركات لشهور حتى بعد الانتهاء من إجراءات التأسيس يبقى المستثمر عاجزًا أمام قوائم الانتظار بالموافقة.
ولأنى أعلم مدى أهمية "طلب الاستعلام الأمني" في الحفاظ على الأمن القومى للدولة، خاصة أن مسئولية دخول الرءوس الأموال إلى الأسواق تقع على كاهلها، إلا أن ذلك الطلب استطاع على مدار السنوات الماضية ضياع مليارات الاستثمارات، فمثلًا هناك ما يقرب من 1000 شركة سعودية تأسست بالفعل ومتوقفة ومازالوا على قوائم الانتظار لبدء مشروعاتهم. 
"قارئة الفنجان"
لم أكن يومًا أفكر فى تقديم المشكلات دون التفكير فى حلول لدعم الدولة فى حماية الأمن القومى، وكذلك دعم مستوى المعيشة للمواطنين على حد سواء، ولذلك فإن التفكير فى المستقبل ودراسته لتجنب أزماته على خطى "قارئة الفنجان" أحد الطرق للوصول إلى أفضل النتائج وحماية المواطن البسيط الذى يبحث عن أقل حقوقه فى العيش بكرامة وخاصة الشباب، ولذلك أجد أنه لابد من إعادة ترتيب أولويات الدولة من إنفاق حكومى متوازن، وخفض الاقتراض الأجنبي، واتباع سياسات مالية ونقدية توسعية، بالإضافة إلى اتخاذ إجراء الإصلاحات المؤسسية اللازمة والمصاحبة لهذه السياسات التي تهدف لتحفيز الاستثمار المباشر بشقيه واستغلال الطاقات المحلية المعطلة، وأخيرًا، تفعيل منظومة الشمول المالى بحسم وحزم وسرعة، لتحقيق الوفورات الناشئة عنها.
"الشعرة الفاصلة"
سنوات طويلة مرت على وزارة "الاستثمار" وهى ما زالت تدرس الحلول لدعم الدولة بجذب مزيد من الاستثمارات، إلا أن لا أحد حتى الآن قد وجد حلًا حقيقيًا لإذابة "الشعرة الفاصلة" بين الحفاظ على الأمن القومى للدولة وفتح آفاق جديدة للتعامل مع المستثمر الأجنبي وتذليل العقبات.
وعلى الرغم أنى أحد الشهود على الجهود التى تبذلها الوزيرة الحالية الدكتورة سحر نصر، لحل مشكلات المستثمرين إلا أنها - بكل أسف - لا تملك كل الإجراءات والقرارات لتذليل تلك العقبات، فأنا كنت أحد الشهود على المستثمر الفرنسى الذى توقفت استثماراته على مدار 8 سنوات بسبب تعسف من المحافظة التابع لها استثماراته دون ذكر تلك المحافظة إلا أن لجنة فض المنازعات استطاعت فى أسابيع حل المشكلة وصدور قرار بشأن المستثمر إلا أنه ما زال رفض التنفيذ من قبل الجهات الحكومية الأخرى عائقا لا تستطيع عليه "نصر" صبرًا، ولذلك صدر القرار بأن أحكام اللجنة نافذة ولا يمكن الاعتراض عليها، ولذلك أرى أن هذا الحدث يمكن اعتباره أحد الدلائل على أن "وزير الاستثمار" أى كان اسمه أو شخصة لا يستطيع الحل منفردا بل بتضافر الجهود.
ويمكنني أن أؤكد لكم أن نظم الاستعلام الأمنى عن المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب كانت تقتصر على بعض الجنسيات المحدودة وليست على كل رجال الأعمال أو المستثمرين الأجانب والتى كانت مطبقة منذ السبعينيات، وليست أداة جديدة، ولكن فى ظل التطورات الأمنية والسياسية التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط تم تطويرها وكان الفكر وقتها أن يتم ذلك دون تعطيل أو عرقلة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى تساهم فى رفع معدل النمو الاقتصادي، الأمر الذي اتخذ من عادات المصريين نصيبا، فيكون القرار خيرًا والتنفيذ قاتلًا.
"البيضة والفرخة"
كنا قديمًا ونحن أطفال نسأل بعضنا البعض "هى البيضة اللى جت الأول ولا الفرخة؟"، وباعتباره سؤالًا وجوديًا لم نجد إجابته حتى الآن، ووفقا لنظرية "البيضة والفرخة" تعاقدت وزارة الاستثمار والتعاون الدولى خلال الأيام القليلة الماضيه مع شركة أمريكية للترويج للاستثمارات المصرية، ونحن ما زلنا لا نعرف ما الفائدة من الترويج للخريطة الاستثمارية على الرغم من عدم وجود أراض صناعية على سبيل المثال، أو حتى من جدوى الانتهاء من قوائم انتظار الاستعلام الأمني!.
بالتأكيد ليست تلك هى الأسباب وحدها فيمكن أن نرى أن الانخفاض الملحوظ فى صافى الاستثمار الأجنبى المباشر، والذي برأيي يرجع إلى عدة أسباب، أبرزها استمرار أسعار الفائدة عند مستوى مرتفع، وتراجع حجم الطلب فى السوق بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادى التى أثرت على القوة الشرائية للمواطنين، إلى جانب ضعف الترويج للجهود التي بذلتها الدولة خلال الفترة الأخيرة، فضلًا عن التأثر بما يحدث من تطورات فى الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من إصدار قانون جديد للاستثمار، وآخر لتسهيل الحصول على التراخيص الصناعية، وثالثًا للإفلاس، بالإضافة إلى التعديلات التي طرأت على قانون الشركات، وإجراءات تطوير مراكز خدمات المستثمرين، من أجل جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وإصدار خريطة بالفرص الاستثمارية فى مصر، إلا أن الغلاء الناتج عن الإصلاح ساهم فى تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر العام الماضي، مع انخفاض الطلب على السلع والخدمات في السوق وهو ما ساهم في ضعف القوة الشرائية للمواطنين خاصة الطبقتين الوسطى والأقل دخلًا وهما الطبقتان الأكثر استهلاكًا.