الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«النقابات».. تاريخ ممتد وحضور متواضع

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرفت مصر الحركة العمالية، منذ آلاف السنين، أى منذ أن قامت حضارة وادى النيل، وساعدت هذه الحركة فى الإنجازات العظيمة التى حققها المصريون القدماء فى العمارة والهندسة والزراعة والصناعة والتعدين والرسم والنحت.. وعبر السنين التالية لذلك، تطورت هذه الحركة لخدمة العمال، والحفاظ على المكتسبات الوطنية والاجتماعية، والارتقاء بالواقع العمالى والاجتماعى وتحقيق التنمية.
ومع تطور النهضة الصناعية فى أوروبا وظهور الآلات البخارية وانتشار اضطهاد العمال واستغلالهم، اضطر العمال لتنظيم صفوفهم وتشكيل صناديق الزمالة والاتحاد فيما بينهم حماية من الأخطار الاجتماعية، ثم تطورت لتصبح منظمات أكثر شمولية، وذات أسس تنظيمية وأنظمة داخلية وبدأت تعرف بالنقابات، واقتصرت أهدافها فى البداية على الدفاع عن حقوق ومصالح، ثم أصبحت تشارك فى قضايا النهوض الاقتصادى والتنمية والإصلاح السياسي.
‏ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأت النقابات فى العالم، الدعوة لتأسيس اتحاد نقابى عالمي، وتم تأسيس اتحاد النقابات العالمى فى باريس عام ١٩٤٥.
ويوجد حاليا فى مصر، ما يقارب ٣١ نقابة مهنية، تضم ما يزيد على ١٠ ملايين عضو، تمثل أغلب مناحى الحياة، إضافة لما يقرب من ٢٣ نقابة عمالية.. ورغم ذلك التاريخ الطويل والممتد عبر التاريخ، تراجع الدور النقابى خلال العقود الماضية، ويمكن لهذه الكيانات التى تضم مهنى وعمال مصر، تقديم الأفكار والمقترحات الكثيرة للحكومة لنهضة البلاد وإعلاء شأنها، لكى يستمر العطاء والتطور، خاصة مع اتساع حجم التحديات وظواهر البطالة والفقر، وبخاصة بين الشباب والنساء، فضلا عن ارتفاع الأسعار، وتدنى الأجور، وضعف الرقابة على تطبيق القوانين الاجتماعية العمالية. 
وتكتسب النقابات قوتها، من ضمها ملايين الأعضاء وأسرهم، ورغم ذلك أصبحت بعض النقابات كيانات ضعيفة، تواجه تحديات كبرى لتحقيق أبسط مطالب أعضائها، نتيحة عدم التواصل بين النقابات والجهات التنفيذية، وقصور الرؤى وعدم تحديد الأهداف، واختلاف قياداتها.
ولأجل مشاركة ناجحة للنقابات فى دعم برنامج الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى المصري، عليها تطوير هياكلها البنيوية والوظيفية من خلال الاستفادة من التجارب النقابية الدولية لمواكبة العصر الحديث، وتدريب الأعضاء والقادة، وتحديد الأولويات الوطنية والعمالية، لكسب التأييد لصالح قضايا الأعضاء، والدفاع عن حقوق العاملين، ورعاية مصالحهم، والعمل على رفع مستواهم اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا وثقافيا، وتحسين البيئة التشريعية لعمل النقابات، والتواصل الجيد مع الحكومة والبرلمان وأصحاب العمل، والمشاركة فى مناقشة مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية العامة للدولة، وإبداء الرأى فى مشروعات القوانين واللوائح والقرارات المتعلقة بتنظيم شئون العمل والعمال، وتعزيز التسامح ومكافحة التطرف والفساد والرشوة، وتثقيف جماهير العمال، والاستقطاب العمالى للمشاركة والتفاعل مع النقابات، واستخدام وسائل الاتصال والإدارة الحديثة، وتنمية الموارد البشرية، والحوكمة، وقدرات العاملين، وتوفير قاعدة بيانات معلوماتية حديثة ومتطورة ومتجددة عن الأعضاء.
كما يجب على النقابات، إنشاء الوسائل الترفيهية كالأندية والمنتجعات والمنتديات الثقافية وتخفيف الضغوط على الأعضاء، كالرحلات واللقاءات الفنية، والثقافية والشعرية، وإنشاء معاهد للتثقيف والتدريب، وفق مقياس الجودة للتعليم والتدريب، وعقد المؤتمرات والندوات التى تناقش قضايا متخصصة، لبناء أسس المجتمع المدنى الحديث، والمشاركة فى الفعاليات العربية والأفريقية والدولية، وتأكيد دور الحركة النقابية المصرية فى هذه الأقطار.
وتبدى الحكومة، رغبتها فى التواصل مع النقابات، وهذا ما جاء نصا على لسان الدكتور محمد معيط، وزير المالية، حينما أكد أن الحركات النقابية للعمال هى جزء أصيل من أى مجتمع، وأن التواصل معهم والاستماع لهم وتبادل وجهات النظر عنصر أساسى لاستقرار الدولة؛ حيث تقوم الدولة المصرية بإصلاحات ضخمة فى المجال الاقتصادى والاجتماعى والبشرى، وأن القاعدة الحامية لتحقيق ذلك واستمرار الإصلاح، بل والنجاح فيه هو المجتمع العمالى، والحركات النقابية العمالية لما لها من أهمية فى أحداث التواصل الفعال وبناء الرؤى والأفكار.. كما أعلنت وزارة التخطيط، أن النقابات العمالية شريك رئيسى فى التنمية المستدامة.. لذا فهى فرصة للنقابات للتواصل مع الحكومة والبرلمان، لتقديم المقترحات والآراء والدراسات لحل مشكلات الوطن المتراكمة منذ سنوات، والمشاركة فى صنع غد أفضل لمصر وللمصريين، لأن أى إصلاح يجب أن يشارك فيه المواطن ونقاباته المهنية والعمالية.
وفى هذا المقام، أخص بالذكر نقابات الصحفيين والمحامين‏ والأطباء‏ والمهندسين‏، لما تمثله هذه النقابات من ثقل اجتماعى كبير، وتمثيلها لشرائح اجتماعية مهمة‏ وفاعلة فى المجتمع،‏ والتى يقع عليها العبء الأكبر فى حركة التنوير المصرية، ولذا فهى مطالبة أكثر من غيرها لقيادة المجتمع المصري، وتبصيره من مخاطر الإرهاب والتطرف وتوعيته بضرورة الإصلاح والتقدم عبر الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة والمتقدمة فى شتى مجالات الحياة، صناعية وزراعية وتجارية.
وعموما سيبقى دور النقابات، مهما وضروريا لضمان علاقات عمل متميزة ومتوازنة ومناخ اجتماعى واقتصادى جيد، يحقق لمصر تقدمها وريادتها بالمنطقة.