الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الدكتور صلاح فضل في حوار خاص: العقل المصري يُعاني الانفصام.. الحجاب ظاهرة سياسية شكلية.. حررنا وثيقة ترسم مستقبل مصر ومبارك "حطها في الدرج"

الدكتور صلاح فضل
الدكتور صلاح فضل في حواره للبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لفترة طويلة تجاوزت النصف قرن، اعتاد الكاتب والناقد الكبير صلاح فضل التنقل، بدأ ذلك منذ رحلته الأولى التى غادر فيها قرية «شباس الشهداء» التابعة لمركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ، وهى مسقط رأسه، تاركًا عائلته الأزهرية التى اتسم أفرادها من الجد إلى الأب بحب الاطلاع والثقافة؛ كان يُغادرها إلى كلية دار العلوم بالقاهرة، حيث التحق بها طالبًا أبحر فى اللغة والأدب والنقد، لتكون مقدمة لرحلته طيلة عقود.
بعد سنوات الترحال، استقر فضل فى منزله الهادئ فى المعادي، يستقبل الكثير من زواره وتلاميذه ومعارفه، يعقد اللقاءات ويكتب الدراسات التى سُرعان ما تصير مواد علمية لطلبة التذوق الفنى والنقد الأدبي؛ تحول مقعده من المُشاهد والمُلاحظ إلى الناصح والخبير... هناك التقيته، وعلى مدار ساعتين تحدثت مع الرجل الحائز مؤخرًا على جائزة «النيل»، وهى أرفع الأوسمة الأدبية والفنية المصرية، ليروى أكثر عن ذكرياته غير المنسية، والحكايات التى لم ينسها ولكنه يحب أن يتذكرها. يبدو الأمر وكأنه أمام مرآة كاشفة ابتعد عنها كثيرا، لكنه الآن يرى جوانب صورته واضحة؛ يتساءل عن ما الذى قدمه، ولماذا لم يقتحم عالم السياسة، وما الذى خشى من البوح به سابقا.


■ بعد كل هذه الأعوام كيف ترى تجربتك فى الحياة العامة.. هل اقتصرت على النقد الأدبى أم خرجت عنه قليلًا؟
- فى السنوات الأخيرة،‮ ‬خرجت من عباءة النقد ومررت بست تجارب مهمة جدًا‮ ‬فى مجال الحياة العامة،‮ ‬كانت أولها عندما كنت مستشارًا‮ ‬لمكتبة الإسكندرية، وشرعنا فى إطلاق منتدى الإصلاح العربى، وحررنا وثيقة عظيمة ترسم مستقبل مصر ومراحل التحول السياسى والاجتماعى والديمقراطى، وعرضناها على الرئيس الأسبق مبارك، والذى كعادته، احتفظ بها فى الأدراج ولم تر النور حتى الآن.
التجربة الثانية، كانت عند تأسيس حزب «الجبهة الديمقراطية»؛‮ حيث ‬تم اشتراكى فى إعداد «وثيقة الأزهر»، التى نصت على احترام الحريات العامة فى أعقاب ثورة‮ ‬يناير،‮ ‬كما كنت أحد مستشارى المجلس العسكرى الحاكم بعد الثورة،‮ ‬ثم اشتركت فى اللجنة التى كانت معنية بمراجعة دستور الإخوان، وذهبنا إلى المستشار الغريانى الذى قال لنا إن الوقت قد فات ولم‮ ‬يأخذوا بالتوصيات،‮ ‬أيضًا‮ ‬كنت عضوًا‮ ‬فى لجنة «الصياغة» التى اشتركت فى إعداد «دستور ‮»‬٢٠١٤،‮ ولكنى الآن مستمتع بجلوسى وسط كتبى وعلى مكتبى الخاص.‬
■ إذن.. كيف تنظر إلى الوضع الثقافى العام فى مصر؟ وفى الأعوام المقبلة؟
- لا توجد فى مصر آليات محددة لاختيار الوزراء أو رؤساء الهيئات الثقافية،‮ ‬ولكنها تمضى وفقًا‮ ‬للهوى والمزاج والنصائح الشخصية، وإلى أن تنضج الحياة الحزبية، ويكون لكل حزب تشكيلاته وخبراته، وإذا حصل على الأغلبية؛ فإنه‮ ‬يشكل حكومته القادرة على التغيير،‮ ‬وإلى أن‮ ‬يحدث هذا سنظل فى حالة التخبط التى نشهدها.


■ هذا يقودنا إلى فرضية أخرى هى لو كنت وزيرًا للثقافة.. فما أهم القرارات التى كنت ستتخذها؟
- أهم قرار هو التركيز على ثقافة العقل والفكر والفهم والوجدان، التركيز على استمرارية التيار الثقافى المصرى بتشجيع الفنون والآداب والعلوم والمعارف، والانفتاح العظيم على كل معارف وفنون العالم، واعتبار الثقافة ضرورة مثل الخبز، وهذه مسألة ضرورية ليست ترفًا، لأن المشكلة التى نعانيها الآن هى انفصام العقل المصرى، وانقسامه بين عقل ممسوح وممسوخ ومشوه، ويدمر الجامعات ويفجر الميادين ويقتل البشر، وعقل آخر هو المصرى الطبيعى مسالم ويريد أن يبنى مستقبله ويبنى حياته، إزالة هذا الانفصام فى العقل المصرى هو مهمة ثقافية بالدرجة الأولى، والثقافة لا تقوم بها وزارة الثقافة وحدها، فتقوم بها أيضًا وزارة التعليم وأجهزة الإعلام كلها المقروءة والمسموعة والمرئية، ووزارة الأوقاف، فالثقافة المسمومة التى نراها مدسوسة فى كل المساجد المصرية آن الأوان لأن نطهرها.
■ كيف تستعيد مصر دورها الريادى على المستوى الثقافى؟
- بأن تفسح المجال لطاقة وعبقرية أبنائها، وأن نهيئ لهم المناخ الملائم فى خطوات أصبحت معروفة ومدروسة طبيعية جدًا، التعليم الجيد، الثقافة الرفيعة، التشجيع والحوافز الضرورية، إتاحة الفرصة أمامهم لهذا الإبداع، وأمامنا فى سبيل ذلك هدف أساسي، وهو أننا تعرضنا خلال العقود الماضية كلها لأكبر نزيف فى العقل المصرى والعربي، يكفى أن نعرف أن لدينا ما يبلغ الآلاف من نوابغ الأطباء والعلماء يعملون فى أمريكا والولايات المتحدة، نحن أولى بهم عندما نهيئ لهم الفرص الكافية لممارسة إبداعاتهم داخل الوطن وللمشاركة الحقيقية فى تنمية قدرات مصر العلمية والمستقبلية، لا بد أن نسترد ما خسرناه من عقولنا ومن مواهبنا ومن أبنائنا النابغين ونتيح لهم الفرصة لكى يحتضنهم وطنهم ولكى يمارسوا إبداعهم فيه.

■ لنعود قليلًا إلى عالمك.. هل لدينا نقاد مبدعون فى مصر؟ ومن الأقوى فى النقد بين البلدان العربية؟
- أنا على علاقة صداقة حميمة ببعض النقاد المغاربة والتُّونسيين والجزائريين، إن بعضهم مولع بالغموض الشديد جدا، فأبسط المناهج اليسيرة الجميلة تتحول فى قلمه إلى لوغاريتم يصعب فك لغزه، وبعضهم الآخر ليست لديه قدرة كبيرة على الاستيعاب النظرى والتطبيق العملي، وهم يفتقدون فى المغرب العربى عموما، وهذا نقد لهم لرصد الظاهرة وفقا لبصيرة نقدية تطبيقية، أما المبدعون منهم فيحتاجون إلى مثقفين مشارقة لكى يضيئوا أعمالهم، لأنهم قد يتملكون زمام الأفكار الكبرى، لكنهم لا يعرفون فى مجملهم كيفية تبيئتها ولا تطبيقها على الواقع الإبداعي.
■ كيف ترى فوزك بأعلى نسبة تصويت هذا العام فى جائزة «النيل»؟
- حصولى على جائزة «النيل»، شرف كبير أعتز به وأدين بالفضل للإخوة الزملاء وأعضاء اللجنة، وكذلك أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، ومن قبلهم جميع المثقفين الذين سعيت جاهدا لرفع ذكرهم وتعزيز إنجازهم، وأتمنى أن يكون كل ذلك فى صالح الثقافة المصرية والعربية، وسعيد جدا بتغيير اسم الجائزة والعودة لاسمها الحقيقى «جائزة النيل» بدلا من «جائزة مبارك» لأنها جائزة دولة ولا علاقة لها برئيس الدولة.
■ بعد كل هذه الرحلة الفكرية الممتدة.. هل تحمل مشروعات فكرية تستطيع بها تغيير واقعنا الثقافى؟
- بالطبع أحمل مشروعات عديدة، أهمها أن المسجد مثلا ليس مكانا للعبادة فقط، ولكنه مدرسة للعلم والتعلم، ومكان معرفى للقراءة والاطلاع، ومكان لالتقاء الناس حين لم تكن هناك نواد؛ حيث يجتمع الحكاءون والرواة لإنشاد الشعر، فما الذى يجعل المسجد وهو أكثر الأماكن انتشارا فى مصر محصورا فقط فى طقس العبادة والخطبة المجمدة التى لا يُمكن أن تُقدم زادا ثقافيا، ماذا لو فكرنا أن تكون المساجد مكتبات، واحدة ورقية تقليدية وأخرى رقمية، وتكون الأولوية للكتب التنويرية والعلمية والدينية، بما لا يُركز على الطقوس فقط، وإنما للتركيز على الطاقة الروحية للإنسان مع القوام الأخلاقي، ويُصبح إمام المسجد هو أمين المكتبة، ويكون المصلون هم القراء، وهذا تحقيق لرسالة المساجد وليس انحرافا بها.

■ كيف ترى تطور المرأة فى حركة الإبداع الفكرى الآن؟ وماذا عن دعوات فرض الحجاب والنقاب؟
- المرأة تطورت فى الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وأنا أقرأ لهن ومنهن من تميزت بالإبداع، لديهن قدرة فائقة فى الإبداع والسرد نظرا لكونهن ثرثارات، فيعرفن جيدا قص الأحاديث وكتابة الروايات؛ أما عن سؤالك الآخر، فيجب تأكيد أن الحجاب ظاهرة سياسية شكلية لا تتعلق بالدين، لأن المرأة الكاشفة شعرها لا تخرج من الإسلام، فالأهم من الحديث عن لباس المرأة الاهتمام بعقلها، لإخراج المجتمعات الإسلامية نساء عالمات فقيهات.
فكل ما يتعلق بالزى مرتبط بالأعراف والتقاليد وطبيعة المجتمعات الجغرافية، ففى مجتمع شبه الجزيرة العربية الذى شهد مولد الإسلام بطبيعتها الحارة والرياح الرملية، اتصفت ملابس الرجال والنساء بستر الجسم والرأس حتى الوجه، لحماية أنفسهم من وعورة المناخ.
ويسرد عن الخليفة عمر بن الخطاب، أنه قابل جارية أبى بكر بشوارع المدينة تغطى شعرها، فضربها وقال لها أتتشبهين بالحرائر، فالإسلام فرض على الجوارى كشف شعرهن؛ لأنه يدخل فى ثمنها، ومنذ حركة هدى شعراوى فى بداية القرن العشرين، اتفق الناس بما فيهم علماء الأزهر على الوضع الملائم للمرأة المتمثل بكشف شعرها ووجهها، إلى أن جاءت حركات الإسلام السياسى «الإخوان والحركة الوهابية»، لفرض سيطرتها على المسلمين فى شكل لباسهن، ولم يكن من أجل حبهم للدين، بل لرفع شعارات الوهابية، لذا بدأت خططهم فى إعطاء الفنانات أموالا وحثهن على ارتداء الحجاب.
■ لكن الأزهر وهو المرجعية الإسلامية فى مصر، أكد أن الحجاب فريضة؟
- للأسف، وأنا دخلت فى حوار حاد جدًا وطويل مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بخصوص هذا الشأن، وبعض هذا الحوار عام وبعضه الآخر شخصي، لكن الرجل فى الحقيقة بالغ الطيبة والدماثة والأدب؛ كما أننى من أسرة شيوخ وتربيت إلى حد كبير منقوعًا فى الثقافة الدينية، ومع ذلك لا أجد أى غضاضة فى أن تكون زوجتى أو ابنتى «سافرة»؛ لأنه لم يقل أحد على الإطلاق أن الحجاب فريضة، إلا بعد ضغط من الإخوان والسلفيين وربما بأكثر من الضغط، ونحن نعرف أن الزى مسألة مواءمة اجتماعية مع الحفاظ على المظهر الأخلاقى فقط، ومن ثم عندما وضعنا عقب قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وثيقة حقوق المرأة، لم أذكر فيها ما يتصل لا بالحجاب أو النقاب ولا بزى النساء عامة؛ لأنها وثيقة كانت تهدف إلى زيادة حرية المرأة.
الأمر الثانى الذى تغير فى العقلية المصرية عقب توغل الفكر الإخوانى السلفى داخل المجتمع، أنه تدريجيًّا أصبح عامة الناس تقريبًا ذوى مزاج سلفي، والسبب فى هذا هو التهاون والركون إلى قلة المعلومات وتصديق الخزعبلات التى يروجها من يستخدمون الدين مطية لتحقيق مآربهم.