الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

حديث كاتدرائية المسيح.. رسالة من القلب في ذكرى ميلاد شيخ الأزهر.. مسيرة عطاء في مواجهة التطرف.. واحتفاء عالمي بـ"الإمام الطيب"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الوقت الذي كان فيه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يقف في درجة حرارة تقرب من الصفر، ليلقي كلمته التاريخية في الاحتفال بافتتاح كاتدرائية "ميلاد المسيح" في العاصمة الإدارية الجديدة، في مشهد ربما تنفرد به مصر وحدها من بين سائر بلدان العالم، فإن الكثيرين ربما لا يعرفون أن أمس الأحد، الموافق السادس من يناير، هو يوم مولد ذلك العالم الأزهري الجليل، الذي أكمل عامه الثالث والسبعين.
وبدلا من أن يتلقى التهاني والهدايا بتلك المناسبة، فضّل "الطيب" بشخصيته العلمية الرصينة، وبطبعه المجافي للمظاهر والبهرجة، أن يقدم لمصر وللعالم هدية قيمة، فكلمته القصيرة والمرتجلة أمس، أشبه بوثيقة تشهد بعظمة الإسلام وشريعته السمحاء، ولروح المحبة والأخوية الراسخة بين أبناء مصر، وللأزهر الشريف ومنهجه الوسطي المعتدل وشيوخه الأجلاء.

نشأة الإمام الطيب
ولد فضيلة الإمام الأكبر أحمد محمد أحمد الطيب الحساني، في قرية تحتضنها جبال البر الغربي بالأقصر، إحدى محافظات صعيد مصر، في بيت اشتهر بالزهد والتصوف، حيث يتصل نسبه بالحسن بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهما، وقد ألحقه والده بالتعليم الأزهري فتربى منذ نعومة أظافره على منهج الوسطية والاعتدال والتعدد، حتى تخرج بتفوق من قسم العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين عام 1969، ثم تدرج فضيلته في السلم الأكاديمي حتى حصل على درجة الأستاذية عام 1988.
انتُدب فضيلته عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا عام 1990، ثم عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان عام 1995م، وفي عام 1999 عُيِّن فضيلته عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان.
وأهلته مكانته وإنجازاته العلمية لأن يقود أهم المؤسسات الدينية والعلمية، فتم تعيينه مفتيا للديار المصرية في مارس من العام 2002، ثم رئيسًا لجامعة الأزهر في عام 2003، وفي التاسع عشر من مارس عام 2010 كان الأزهر على أعتاب مرحلة جديدة من التطوير والتجديد بتعيين فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخًا للأزهر الشريف.


إحياء هيئة كبار العلماء
عمل فضيلة الإمام على إعادة الأزهر لمكانته في مصر والعالم، فأعاد إحياء هيئة كبار العلماء بعد حلها عام 1961، واستصدر قانونا عام 2012 ألغى به تبعية الأزهر وأصبح اختيار شيخه بالانتخاب بعد أن كان بالتعيين منذ عام 1960، وحقق استقلال الأزهر في الدستور المصري لأول مرة، كما تصدى فضيلته لمحاولات السيطرة على الأزهر من قِبل فصيل بعينه حاول فرض هيمنته على المؤسسات الوطنية للدولة المصرية. 
آمن "الطيب" بأن استعادة الأزهر لمكانته لا تكتمل إلا بتفعيل دوره الوطني، ففتح أبواب الأزهر أمام جميع المصريين مسلمين ومسيحيين، وأنشأ بيت العائلة، ليضم في عضويته الكنائس المصرية إلى جانب الأزهر الشريف، وليمثل خطوة حقيقية نحو ترسيخ الوحدة الوطنية بين شركاء الوطن.
كما استطاع فضيلته أن يجمع أطياف الشعب المصري ومفكريه تحت قبة الأزهر لإصدار وثائق الأزهر التاريخية، التي كانت بمثابة بوصلة للمصريين في وقت تعالت فيه أصوات الفرقة والاختلاف.

مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى
أنشأ فضيلته مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية والترجمة لتعزيز دور الأزهر وجعله منبرًا للتصدي للفكر المتطرف ومواجهته بكل اللغات ووأد دعوات العنف والتطرف في مهدها بالرد على الأفكار الشاذة وتفنيدها من خلال متخصصين في الدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية.
كما كانت وستظل المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، إنجازًا كبيرًا شاهدًا على دور الأزهر في احتضان أبنائه وخرِّيجيه من جميع أنحاء العالم، حيث شارك "الطيب" في إطلاقها عام 2007 حين كان رئيسًا لجامعة الأزهر، وما زال حتى الآن يترأس مجلس إدارتها، وأولى لأنشطة الرابطة منذ إنشائها وحتى الآن اهتمامًا بالغًا في الداخل والخارج، حيث انتشرت فروعها في 18 دولة عبر قارات العالم المختلفة، لينشر أعضاؤها فكر الأزهر ووسطيته واعتداله في ربوع العالم.
حركة التطوير والتجديد في الأزهر، ما كانت لتؤتي ثمارها دون أن تطال جذوره وأصوله في الجامع الأزهر، الذي شهد في عهد الإمام الطيب أوسع وأكبر عملية ترميم وتطوير على مر تاريخه الذي جاوز الألف عام.
كما استعاد الجامع الأزهر ريادته ودوره التعليمي والدعوي من خلال إحياء نظام الأروقة بأسلوب عصري يعتمد على سياسة التواصل الثقافي والاجتماعي والإعلامي مع المصريين وغير المصريين بعدة لغات.

بيت الزكاة والصدقات المصرى
وتأكيدا على الدور الاجتماعي للأزهر الشريف، فقد عايش الإمام الأكبر، الفقراء، وخالطهم ولم يكن أبدا بعيدا عن آلامهم بل كانوا دائمًا في مقدمة أولوياته، فأنشأ بيت الزكاة والصدقات المصري، مرددا مقولته الشهيرة "أنا رجل بسيط أحب الفقراء وأعيش دائمًا بينهم"، كما شهدت القوافل الطبية والإغاثية في عهده توسعا غير مسبوق، مشددا على ضرورة تضافر الدور الدعوي للأزهر مع دوره الإنساني والاجتماعي، وأن يعايش أبناءه هموم ومشكلات الواقع، بحيث يتكامل القول الطيب مع الفعل الجميل.
على الصعيد الدولي، كان العالم شاهدًا على استعادة الأزهر دوره الريادي، فساند الأزهر الشريف الضعفاء والمضطهدين في كل مكان ودافع عن قضايا الأمة، كما لم يقف الإمام الأكبر صامتًا أمام ما يشهده العالم الإسلامي من قلاقل واضطرابات، فعمل من خلال رئاسته لمجلس حكماء المسلمين على إطفاء حرائق الأمة وإصلاح ذات البين ونشر السلام بين كل المجتمعات.
وعندما وقف العالم متفرجا وعاجزا عن وقف مأساة مسلمي الروهينجا في ميانمار.. خرج الإمام الأكبر ليعلن في بيان تاريخي للمجتمع الدولي أن تلك المأساة المروعة ما كانت لتحدث لولا أن الضمير العالمي قد مات، كما قرر فضيلته إرسال قافلة مساعدات إنسانية وإغاثية إلى مخيمات مسلمي الروهينجا اللاجئين في بنجلاديش المجاورة.

هجوم "الروضة"
وكعادته في إقران الكلمات بالأفعال، توجه الإمام الأكبر إلى قرية الروضة في قلب سيناء، بعد أقل من أسبوع على الهجوم الإرهابي الغادر الذي استهدف مسجد القرية، مخلفا أكثر من ثلاثمائة شهيد، ليؤكد من هناك أن الأزهر، برجاله ونسائه، يقف في خط المواجهة الأول ضد جماعات الإرهاب، التي تبتغي الفساد في الأرض وتهلك الحرث والنسل.
ولم يكتف الدكتور أحمد الطيب بإعلان موقفه من القضايا العالمية وفي مقدمتها الإرهاب، بل انطلق بنفسه يجوب العالم في جولات خارجية يوضح سماحة الإسلام، وبراءته من ممارسات التنظيمات الإرهابية، ويمد جسور الحوار والتفاهم والسلام مع مختلف الشعوب والثقافات، ويؤكد أن الأديان ما جاءت إلا لإسعاد البشر، فكانت جولاته شرقا وغربا بدءا من إيطاليا ومرورا ببريطانيا وإندونيسيا وألمانيا ونيجيريا وفرنسا لتأسيس لحوار فعال وبناء بين الشرق والغرب.
كما مثلت الزيارات واللقاءات المتبادلة بين الإمام الطيب والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بعد انقطاع دام لسنوات، حدثًا تاريخيا فتح باب الحوار بين أكبر مؤسستين دينتين في العالم وأعاد الأمل في تحقيق مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.

وسام الاستقلال من الدرجة الأولى
جهود الإمام الأكبر كانت ولا تزال محط أنظار العالم، أفرادًا ودولًا ومؤسسات، التي سارعت إلى منح جوائزها التقديرية لفضيلته اعترافا بجهوده وتقديرا لدور فضيلته في نشر ثقافة التسامح والسلام، فمنحه جلالة الملك عبدالله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، كما منحه سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، وحاكم دبي جائزة الشخصية الإسلامية.
وحصل فضيلته أيضًا على جائزة شخصية العام الإسلامية لخدمة القرآن الكريم بدبي، وجائزة شخصية العام الثقافية الإماراتية، كما اختير شخصية العام من دولة الكويت لعام 2015، وحاز وسام الكويت ذو الوشاح من الدرجة الممتازة من سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، في يناير 2016. 

تكريم واحتفاء عالمي
وإذا كان الإمام الطيب لا يخفي حنينه الدائم إلى أيام التبتل في محراب العلم والتنقل في أروقة الجامعة، فإن العديد من الجامعات والمعاهد العلمية عبر العالم عرفت لذلك العالم الجليل فضله وتميزه، وحرصت على تكريمه والاحتفاء بإنتاجه العلمي والفكري، فقد منحته جامعة "مولانا مالك إبراهيم" الإسلامية بإندونيسيا درجة الدكتوراه الفخرية، كما قلدته جامعة بني سويف الدكتوراه الفخرية في العلوم الاجتماعية؛ تقديرًا لجهود فضيلته في تعميق روح التسامح والتعايش المشترك ليس فقط في مصر والعالم الإسلامي بل في جميع أنحاء العالم.
أما جامعة أمير سونجكلا التايلاندية، فقد أرجعت منح فضيلته الدكتوراه الفخرية لكونه "عالم جليل متعدد الثقافات، ونموذج عظيم للإسلام الصحيح"، كما منحته جامعة "أوراسيا الوطنية" أكبر جامعات كازاخستان، الإمام الأكبر، درجة الدكتوراه الفخرية، فيما قلدته جامعة «بولونيا» الإيطالية، أقدم جامعات أوروبا، وسام «السجل الأكبر»، وهو أرفع وسام تمنحه جهة أكاديمية لعدد من الزعماء السياسيين والدينيين والمفكرين والعلماء، بينما اختصت أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية، فضيلته بأول دكتوراه فخرية تمنحها الأكاديمية في تاريخها، فيما كانت جامعة الملايا في ماليزيا صاحبة أول شهادة دكتوراه فخرية يتقلدها الإمام الطيب وذلك في عام 2012.