الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

الشهداء يكتبون ملحمة خالدة في مواجهة الإرهاب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اذ تتوالى قصص الشهداء الذين يكتبون ملحمة خالدة من ملاحم الفداء في مواجهة عناصر الارهاب التكفيري الظلامي العميلة لقوى الشر تتوهج "ثقافة الشهادة " وتكتسب المزيد من المعاني النبيلة.
ولعل قصص الشهداء من أبناء مصر تجسد أروع المعاني الإنسانية في الكتابات حول الشهادة في ثقافات العالم مثل مقولة الشاعرة والقاصة الأمريكية الراحلة كاثرين هوسكينز:"الشهادة خيار النبلاء".
ولن يختلف الأمر في الجوهر والمعنى ما بين روح الفداء في حروب نظامية وروح الفداء التي تتجلى الآن في الحرب على الارهاب" بينما تفخر عائلات الشهداء بابنائهم الذين صدق فيهم قول الحق: "رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه".
وبينما يقف أبناء مصر من رجال الجيش والشرطة على الخط الأول لهذه الحرب النبيلة التي تخوضها مصر ضد الارهاب االظلامي لتكفيري فان كل جماهير شعبهم لن ينسوا الصفحات المضيئة التي يكتبها الشهداء في مواجهة عدو يتسم بالخسة ولا يتورع عن استهداف المصلين في دور العبادة متوهما في ضلالاته أن هذه الجرائم النكراء يمكن ان تنال من روح المقاومة وعزم الأحرار.
وشأنهم شأن جماهير شعبهم يتفق المثقفون المصريون على انه ليس هناك أعظم من الشهيد الذي يقدم روحه فداء لمصر..فالشهيد "معنى وعهد" ولايستشهد الأبطال لأجل الذكرى "ولكن لبناء الذاكرة".
ولأن الثقافة الظلامية التكفيرية للإرهابيين هي ثقافة تفرقة وانقسام بقدر ما تروج لمفاهيم تصنف المواطنين وتفاضل بينهم على أسس تمييزية وتنتهك قيمة العدل التي يعليها الدين الحنيف فمن الطبيعي أن ينظر الإرهاب العميل للثقافة الوطنية المصرية التي تتجلى في كل بقاع مصر بثرائها وتنوعها بعين العداء لأنها "حامية التعدد والاختلاف بقدر ما هي حاضنة الدولة الوطنية الحرة.
ولئن كانت مفاهيم البطولة موضع اهتمام ثقافي سواء في الشرق أو الغرب فإن هذه المفاهيم تكتسب المزيد من الأبعاد النبيلة في ضوء بطولات جند مصر في منازلة كل أعداء هذا الوطن ودحر عصابات الإرهاب الدموي التي لا تستبيح حق الحياة فحسب وإنما تستبيح أيضا حرمة دور العبادة سواء كانت مساجد أو كنائس، ناهيك عن انتهاك تلك العناصر التكفيرية الظلامية العميلة والساعية لشرعنة قانون الغاب لقيم الحرية والعقل والكرامة والعدل.
واذ تتبنى عصابات الارهاب الساقطة في غياهب العمالة فكرا متهافتا وتأويلات منحرفة عن صحيح الدين لاسقاط فكرة الوطن وافكار الوطنية فانها تسفر بجرائمها عن مزيد من القبح عندما تستهدف بشرورها حتى دور العبادة.
وإذا كانت الأزمات والشدائد تكشف عن قوة أو ضعف المجتمعات من خلال طريقة تعاطيها مع هذه الأزمات وتلك الشدائد فإن المجتمع المصري الذي شكل أول دولة في التاريخ ليس بحاجة للإسهاب في بيان مدى رسوخه وأصالته وقدرته على مواجهة الأخطار الداهمة.
ولعل المؤسسات الثقافية المصرية مدعوة لعقد مزيد من الملتقيات والندوات حول مفاهيم البطولة وثقافة الشهادة في ضوء الحرب الجديدة التي تخوضها مصر ضد الإرهاب العميل لقوى الشر وأوهامها بإمكانية إسقاط فكرة الوطن تمهيدا لإسقاط الدولة الوطنية المصرية التي وقرت في وجدان كل من ينتمي حقا لأرض الكنانة.
وتصدر الكتب في الغرب حتى اليوم عن حروب قديمة للغاية لأن الحرب بطبيعتها حدث عظيم يثير مخيلة الكبار والصغار كما تتناول هذه الكتب جوانب متعددة ولافتة بشأن الجيوش وها هو كتاب يصدر بالإنجليزية بعنوان "الجنود" للمؤرخ العسكرى ادوارد ريتشارد هولمز ويتناول تركيبة الجيش البريطانى الذى يقترب حجمه من نسبة الواحد فى المائة من مجموع عدد السكان فى بريطانيا.
ويقول هولمز فى كتابه أن واحدا من بين كل 70 بريطانيا له قريب وثيق الصلة يخدم داخل جيشنا أما مسألة الحروب فهى شأن عام يهم الجميع جيشا وشعبا ولعلها حقيقة تنطبق أيضا على بلد مثل مصر..فالبطولة فى معناها الأسمى تعنى أن يحمل كل إنسان سلاحه مهما كان هذا السلاح ليقاتل بإخلاص وصدق فى مجاله.
وبطولات جند مصر خالدة في ذاكرة التاريخ العسكري العالمي وكتابات مؤرخي الحروب مثل حرب الدانوب والقرم في خمسينيات القرن التاسع عشر كما يستعيد وزير الشباب الأسبق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور علي الدين هلال وهو يترحم على الشهداء الأبطال، مؤكدا على أن القوات المصرية كانت مثالا للشجاعة والبسالة والانضباط بشهادة القادة العسكريين الأجانب الذين شاركوا في هذه الحرب المتعددة الأطراف ومنهم الجنرال الفرنسي اوسمون الذي كتب أنه راقب أداء فرقة مصرية تقاتل إلى جانب فرقتين من الجيش التركي وكان رأيه أنها تفوق هاتين الفرقتين في كل أمر.
ومستندا على كتاب "الأمير عمر طوسون" الذي صدر بعنوان:"الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم 1853-1855" يعيد الدكتور علي الدين هلال للأذهان في سياق تناوله لتلك الحرب التاريخية التي تعددت جبهاتها ما بين نهر الدانوب وشبه جزيرة القرم واستشهد فيها قادة وضباط وجنود من المصريين نماذج استثنائية للبطولة قدمها هؤلاء المقاتلون المصريون ووصفها الأمير عمر طوسون بأنها "مضرب الأمثال في الشهامة والبسالة" ليخلص الى ان تلك البطولات والتضحيات تبقى قدوة لكل المصريين.
ويبدو أن المكتبة المصرية والعربية على وجه العموم بحاجة لمزيد من الكتب حول ثقافة الشهادة والشهداء في ضوء الحرب الحالية على الإرهاب وقصص البطولة للشهداء الأبرار في مواجهة قوى الشر وعناصر الإرهاب العميل.
وفيما يتناول روبرت بارليت في كتاب بالإنجليزية عنوانه:"لماذا يصنع الموتى أشياء عظيمة؟..من الشهداء إلى الاصلاح" مفهوم الشهادة وتأثير الشهداء الفاعل في أي مجتمع على اختلاف السياقات الثقافية بين المجتمعات والحضارات فإن شهداء مصر باقون أبدا في وجدانها وذاكرتها ويشكلون بحق مددا لاينفد في ثقافة الفداء والحرب التي كتبت على ارض الكنانة في موجهة عدوان الارهاب الباغي ومن يسانده.
ولئن أكد الدكتور خالد الكركي في كتابه "الشهيد والشهادة في الأدب العربي" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت على أن "الشهيد أنبل حالة إنسانية عرفتها البشرية" معبرا بذلك عن موقف عام للثقافة العربية فإن الثقافة الغربية لا تغفل مشاعر ألم الفقد.
غير أن الألم قد يكون طريقا لتطوير الذات، كما يوضح كتاب صدر بالانجليزية بعنوان "قصة الألم" لجوانا بورك وهو بحق يشكل "دراسة جريئة عن الاستجابة الإنسانية للألم" لكاتبة صاحبة اهتمامات ثقافية عميقة بقضايا ومشاعر مثل الحزن والقتل والخوف فيما تبدت تلك الاهتمامات منذ بدايات مسيرتها مع الكتابة وكتابها المبكر:"ما معنى أن تكون انسانا"؟!.
والبشر الذين يؤمنون بعدالة قضاياهم هم كما تؤكد جوانا بورك في كتابها الجديد قد لا يشعرون بأي ألم في قلب المعركة مهما كانت قسوة جراحهم لأن مشاعرهم وأحاسيسهم كلها مشدودة لعدالة ونبل القضية التي يحاربون في سبيلها ولن يكون هناك ما هو أنبل أو أكثر عدالة من قضية الدفاع عن الوطن والأرض في مواجهة العدو سواء كان عدوا ظاهرا أو تخفى بخسة ونذالة كما هو حال عناصر الإرهاب.
ولاريب أن جرائم تلك العناصر الإرهابية ستحفز المصريين أكثر وأكثر لمواصلة الحرب على الإرهاب حتى اجتثاث هذا البلاء من أرض مصر الطيبة مهما كان الثمن والتضحيات واتساع ساحة المواجهة فيما يعلي المخزون الحضاري المصري من قيم التضحية والشجاعة والصبر والفداء.
ويرى محللون ومعلقون أن الحرب ضد الإرهاب أعنف وأخطر من الحروب بين الجيوش النظامية لأن الحرب ضد الإرهاب تعني مطاردة أشباح في الجبال والكهوف وبإمكانها التسلل والاختباء، فيما يقول الكاتب في جريدة الأهرام مرسي عطا الله إن الحرب ضد عصابات الإجرام والإرهاب التكفيرية ذات الامتدادات الإقليمية والدولية حرب مزدوجة أشد شراسة لأنها تستهدف تطهير الأرض من الإرهاب الزاحف إليها من خارج الحدود وحماية الوطن بكامله من الضربات الإرهابية التي كانوا يخططون لها لعرقلة مسيرة البناء والتنمية.
وعلى قلب رجل واحد يساند المثقفون المصريون رجال جيشهم وشرطتهم في مواجهة الإرهاب وسط دعوات بضرورة اهتمام الدراما كثقافة وفن بتقديم أعمال من وحي بطولات الشهداء ومن هنا تتعدد الدعوات لإنتاج أعمال درامية عن أبطال مصر الذين يحاربون الإرهاب.
ويقول الكاتب الدكتور عمرو عبد السميع إن هناك جوانب إنسانية وفكرية وسياسية واجتماعية في ملف الإرهاب تستحق أن تكون موضوعا لدراما الحرب الجديدة "لخلق تيارات من الوعي تبني الوجدان الوطني كما ينبغي أن يكون البناء".
وثمة إدراك عام محسوس على مستوى المثقفين في مصر والعالم العربي بأن الجماعات الإرهابية تخوض حروبا بالوكالة لا تخدم في نهاية المطاف سوى "أسيادها الأجانب حول الإقليم وفي العالم ككل".
وهكذا يقول الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة: "مصر الآن هي طوق النجاة أمام أمة تغرق في الصراعات والحروب الأهلية والجيوش الغازية ولابد ن نحرص على مقدراتها ولا تلهينا مؤامرات صغيرة تدبر هنا أو هناك".
وأحد كبار المؤرخين المصريين المعاصرين وهو الدكتور عاصم الدسوقي ينوه بأن " ثورة شعب مصر" في الثلاثين من يونيو عام 2013 جاءت ضد جماعة عاني الشعب من حكمها على مدى عام وأرادت التسلط عليهم فيما تصادمت تلك الجماعة مع "الموروث الثقافي الذي يجمع المصريين منذ فجر التاريخ وجعلهم أمة واحدة متماسكة".
وأشار أستاذ التاريخ المعاصر الدكتور عاصم الدسوقي إلى أن تلك الجماعة عادت بعد ثورة 30 يونيو لأساليبها القديمة في العنف والاغتيالات كما فرت الكثير من عناصرها الإرهابية لتكون "في ضيافة أعداء مصر".
أما جند مصر الذين يحاربون الإرهاب الآن فهم من نبت طاهر للمقاتلين في حرب السادس من أكتوبر 1973 ويكتبون صفحة مجد جديدة في "جغرافيا الشهداء" و"كل منهم يحمل في داخله روح الشهيد"..فالمجد والخلود لشهداء مصر الأبرار دفاعا عن الأرض والعرض والكرامة..المجد لهم وهم الذين يصنعون معنى المجد.