الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

سوريا.. ورقة إيران للضغط لمصالحها مع الغرب.. أبناء خامنئي يهربون من الأزمات الداخلية بتوسيع النفوذ في بلاد الشام.. وانسحاب واشنطن من سوريا يلقي بظلاله على الوجود الإيراني

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ألقى الانسحاب الأمريكى من سوريا فى ديسمبر 2018، بظلاله على التفكير فى مستقبل الوجود الإيرانى فى دمشق، خاصة مع استمرار بقاء الرئيس السوري، بشار الأسد، فى الحكم، وعدم القيام بعقد اتفاق نووى جديد بعد الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى الإيرانى مع مجموعة (5+1)، ومن شأن المتابع لحجم النفوذ الإيرانى فى سوريا، أن يدرك حجم العلاقات الوطيدة بين البلدين منذ الحرب العراقية الإيرانية 1980.
وفشلت مساعى واشنطن لإخراج إيران من سوريا، عبر تحفيز إسرائيلى أمريكى لموسكو لإقناع إيران بذلك، خلال الزيارة التى التقى فيها مستشار الأمن القومى جون بولتون، بنظيره الروسى نيكولاى باتروشيف، بجنيف فى أغسطس 2018؛ حيث اتضح فيما بعد أن موسكو لا تمتلك القدرة لإجبار إيران على الخروج من سوريا.



النفوذ الإيرانى فى سوريا 
يرجع التحالف الإيرانى مع سوريا لعام ١٩٨٠، عندما كانت دمشق من الدول القليلة فى المنطقة التى وقفت إلى جانب طهران ضد الرئيس العراقى الأسبق، صدام حسين، فى حرب الخليج الأولى التى استمرت لمدة ثمانى سنوات (١٩٨٠-١٩٨٨). 
وسعت طهران لخلق تواجد طويل المدى فى سوريا، باعتبارها إحدى الساحات الخلفية المهمة للنفوذ الإيرانى فى المنطقة، الذى تسعى من خلاله طهران إلى أن تصبح أحد أهم الفاعلين على المستوى الإقليمي، بما يمكنها من فرض سياستها على الدول الكبرى بما يتضمن تطوير برنامجها النووي، والاعتراف بأهمية مصالحها على الصعيد الدولي. وبدأ تدخل إيران فى سوريا تدريجيا بعد عام ٢٠١١ منذ بداية الحرب الأهلية فى البلاد، على شكل توفير مستشارين عسكريين للنظام السوري، لكن تحولت المشاركة فى وقت لاحق إلى تدخل عسكرى واسع النطاق؛ حيث أرسل النظام قواته، ووظف وكلاءه للقتال إلى جانب الأسد للقضاء على المعارضة السورية. فى السياق ذاته، يقر مدير المجلس الأمريكى الدولى للشرق الأوسط، ماجد ريفاده، أن إيران تحاول تعزيز تواجدها فى سوريا من خلال ثلاثة أصعدة تتمثل فى؛ الناحية السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، مما يُمكن طهران من عقد صفقات طويلة المدى مع الدولة السورية الضعيفة لإعادة بناء الصناعة العسكرية السوري، ومن هنا بات من المقرر بقاء العسكريين الإيرانيين فى سوريا إلى أجل غير مسمى. 
ووفقًا لتقرير نشرته وزارة الخارجية الأمريكية فى أكتوبر ٢٠١٨، أنفقت إيران ١٦ مليون دولار لدعم نظام الأسد فى سوريا ودعم وكلاءها فى اليمن والعراق.
ومن هنا، أشار بعض المحللين إلى البعد الاجتماعى لذلك، والمتمثل فى اتهام طهران بالاستفادة من التغييرات الديموجرافية وتهجير المواطنين السوريين لزيادة هيمنة الشيعة على حساب تهميش السنة.


المساعى الأمريكية - الإسرائيلية
مطالبة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالانسحاب الإيرانى من سوريا ليست بالجديدة؛ حيث أقر فى خطابه الذى ألقاه فى الثامن من مايو ٢٠١٨ أثناء الإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووى الإيراني، بضرورة أن يتضمن الاتفاق الجديد قيودا أبدية على تخصيب اليورانيوم، وتطوير الصواريخ الباليستية، والحد من النفوذ الإيرانى فى المنطقة.
فطالما كانت تراهن إسرائيل على إحداث الوقيعة بين موسكو وطهران بالتعويل على أن المصالح الروسية الإسرائيلية تفوق نظيرتها الإيرانية، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعلم حدود الدور الإيرانى جيدًا، ولذلك لا يمكن استمالته بالعبارات الإنشائية والخرائط التى دائما ما تقدمها تل أبيب عن المواقع النووية الإيرانية أو الصواريخ المنتشرة فى سوريا ولبنان، فضلًا عن أنه على اطلاع كامل بمجالات الدعم الإيرانى لسوريا. ومن ناحية أخرى، يلعب نتنياهو على وتر التوسط لدى الولايات المتحدة الأمريكية لإلغاء العقوبات الأمريكية على موسكو، والحد من تطور دور حلف الناتو وتقدمه فى شرق أوروبا، لا سيما أوكرانيا، فى مقابل أن تحاول روسيا الحد من النفوذ الإيرانى الممتد فى العراق، وسوريا وحتى لبنان. وعلى الرغم من أن هذه الصفقة تبدو مواتية للمصالح الروسية، فإن موسكو لا تثق كثيرًا فى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، على العكس من علاقاتها الوثيقة مع طهران، فضلًا عن تشكيك روسيا فى المساعى الأمريكية الرامية إلى إقامة تحالف فى المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني، الذى تعتقد أنه سيكون مُوجهًا بالأساس للحد من النفوذ الروسي.
كما تحظى موسكو بنصيب الأسد فى علاقتها مع طهران، بما أنها الطرف الأقوى على عكس الوضع مع واشنطن، ولذا فشلت الخطط الأمريكية الإسرائيلية لإخراج إيران من سوريا.


السيناريوهات المستقبلية
على الرغم من إشارة بعض المحللين إلى إمكانية خروج إيران من سوريا، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الإيرانى مع دول (٥+١)، وزيادة الضغوط الداخلية على إيران؛ المتمثلة فى تصاعد حدة الاحتجاجات الداخلية على خلفية الوضع الاقتصادى المتدهور، الضغوط الخارجية المتمثلة فى ما يشبه الحصار الأمريكى الإسرائيلى على طهران على كافة الأصعدة، خاصة بعد إعادة فرض العقوبات الاقتصادية مرة أخرى، إلا أنه هناك من يقدم دلائل قوية على استمرار العكس. وفى هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى عدد من السيناريوهات المتوقعة.


الخروج الإيرانى من سوريا 
تتمثل الحجج التى يقدمها هذا الاتجاه، سيما المعارضة الإيرانية بالخارج، فى أن تزايد الضغوط على النظام الإيرانى ستؤدى لانهياره والمجيء بنظام جديد يحاول تلافى دوافع الأزمات التى سببها نظام الملالي. 
وتتمحور أبرز الأدلة التى يقدمها هذا الاتجاه حول تدهور الأوضاع فى إيران على كافة الأصعدة؛ من الناحية السياسية تتزايد الاحتجاجات يومًا بعد يوم، ويسوء وضع الأقليات التى بدأت فى إظهار الكثير من علامات التمرد على الدولة، ومنها جماعة «جيش العدل» البلوشية، التى نسبت لنفسها العديد من العمليات الهجومية على المؤسسات الأمنية فى إيران. أما بالنسبة للوضع الاقتصادي، فيشير بعض المحللين إلى أن طهران تشهد حاليًا فترة تدهور اقتصادى كبيرة؛ تتمثل فى انسحاب معظم الشركات العالمية الكبرى من إيران على خلفية إعادة فرض العقوبات الأمريكية مرة أخرى، وانهيار قيمة الريال الإيرانى فى مقابل الدولار، الأمر الذى أدى لارتفاع الأسعار وسخط المواطن العادى الذى بات لا يستطيع تحمل أعباء العيش داخل الجمهورية الإسلامية.


فرص بقاء إيران فى سوريا 
تعد طهران الرابح الأول من القرار الأمريكى باعتبارها الحليف الأول للأسد فى حربه ضد معارضيه.
ختامًا: يبدو أن سيناريو بقاء إيران فى سوريا هو الأرجح، خاصة مع سعى طهران لاستمرار وزيادة نفوذها فى سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية، ومن المحتمل ألا يقتصر الأمر على دمشق فقط، بل سيتصاعد فى بقية دول الشرق الأوسط من خلال وكلائها والجماعات التابعة لها.