الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

منذر إسحاق يكتب: صلاة زكريا وعيد الميلاد

منذر إسحاق
منذر إسحاق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نحن فى موسم الأدفنت (وهى كلمة لاتينية معناها المجىء)، نبدأ بتحضير قلوبنا وحياتنا للاحتفال بميلاد المسيح مخلصنا. وسنتأمل فى صلاة زكريا، وقد وضعها لوقا فى بداية إنجيله لتقديم حياة يسوع، وللتأكيد بأن يسوع مولود بيت لحم هو مسيح إسرائيل المنتظر، وأن المملكة المنشودة باتت على الأبواب.
وتكشف لنا صلاة زكريا واقع شعب فلسطين وأرض فلسطين قبل ٢٠٠٠ عام. فقد كانوا يعيشون فى حالة انتظار الفرج، لاحظوا مفردات الصلاة: فِدَاءً لِشَعْبِهِ... قَرْنَ خَلاَصٍ فِى بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ... لِيَصْنَعَ رَحْمَةً... بِلاَ خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدى أَعْدَائِنَا... يَهْدِىَ أَقْدَامَنَا فِى طَرِيقِ السَّلاَمِ...
كان الشعب ينتظر الفرج من ناحية بشرية، واقعهم كان واقع احتلال وثورات وعدم استقرار، ربما فقدوا الأمل، ربما ملّوا من الانتظار، رجاؤهم الوحيد كان فى وعود الأنبياء؛ فى صفحات هذا الكتاب الذى كُتب قبل مئات السنين (من منظورهم). من ناحية بشرية لا رجاء... ومن ناحية إيمانية، انتظار وصراع داخلى ألا يفقدوا أو يخسروا إيمانهم.
وكانوا يعيشون بخوفٍ. كان لهم أعداء... التقيت هذا براعٍ من حلب من كنيستنا الشقيقة الأرمنية الإنجيلية، وأخبرنا عن واقع وصعوبة الحياة هناك. فقد عاشوا تحت الحصار والقصف لسنين! وكان الموت من حولهم من كل ناحية. أصر ألا يترك حلب، رغم أن الكثيرين تركوها. قصّ لنا الكثير من قصص الرعب الذى عاشوه هناك. لا بد أن صلاة زكريا خاطبتهم وعبرت عن أشواقهم. وأعطاهم الله الإيمان والصبر، ولكن الخسارة كانت كبيرة.
وبالأمس أضأنا شجرة الميلاد فى بيت لحم فى احتفال بهيجٍ وفخم، والملفت أنه عام بعد عام، فإننا نرى الخطابات كلها تركز على الآمال المنشودة فى «العام القادم»! الدولة المنشودة... أن نصلى فى القدس، وأن يُفك الحصار عنها... أن يعم السلام... أن ينتهى الاحتلال. شعب هذه الأرض لا زال ينتظر الفرج!
ومن راقب الاحتفال عاين كيف أن سكان بيت لحم فرحوا جدًا، وهذا ممتاز، والاحتفال كان مرتّبًا وبهيجًا. الشجرة والألعاب النارية، والمغنيين كلها أعطت صورة منيرة. أنا أرى أن المبالغة فى الاحتفالات هى دليلٌ على صعوبة الوضع وعلى حالة اليأس، فنبحث عن فسحة للفرح والأمل، وعن فرصة للحياة. وأرى فى هذه الاحتفالات دليلٌ على الحياة؛ المقاومة. برغم كل شىء سنحتفل ونعيش. بالعودة إلى صلاة زكريا، أراها وبشكل غريب لا تزال تعبر عن آمال وأشواق شعبنا. فنحن لا نزال نبحث عن المُحرر؛ عن المنقذ. عن الخلاص والرحمة والفداء. أن نعبد بلا خوف. أن نسير فى طريق السلام لمستقبل أفضل. واليوم أسأل نفسى، هل لا نزال ننتظر؟ أم أدركنا أن الفرج قد أتى فى المسيح؟ ما الفرق الذى أحدثه مجىء المسيح؟ هل ما حدث قبل ٢٠٠٠ عام له تأثيرٌ على أرضنا وعالمنا، وعلى حياتنا؟ هل ما زلنا نحنُ من آمن بيسوع مخلصًا وفاديًا ومسيحًا... هل لا نزال ننتظر الفرج؟ هل لا نزال نعيش وكأن المسيح لم يأتِ؟ فالمسيح أتى. وأتمّ الخلاص. هذا هدف صلاة زكريا فى بداية الإنجيل.
فمن صلاة زكريا رأينا وآمنا، أنّ أولًا: المسيح هو المخلّص المنشود 
ثانيًا: وفى إنجيل لوقا عرفنا وقبلنا أن نهج المسيح هو الخلاص المنشود: تعاليمه، شريعة المحبة، المغفرة، التضحية 
ثالثًا: المسيح أتى، فهلموا للعمل... هذه هى الرسالة! فهو فتح لنا الطريق للآب وللقريب، وقد أسس مملكته على هذه الأرض، ونحن اليوم – أنا وأنتم – تجسيد لهذه المملكة. وتعاليم المسيح أيضًا ومبادئ العدل والحق والمصالحة هى تجسيد هذه المملكة. 
رابعًا: ولذا، لا تفقدوا الأمل... فاليوم بعد ٢٠٠٠ عام، علينا أن ننظر إلى العلاء أولًا، إلى ماضينا ثانيًا، وما حصل هنا فى بيت لحم، هنا بيننا، قبل ٢٠٠٠ عام. وأيضًا لننظر إلى الصورة الأكبر، لا فقط إلى واقعنا الأرض. نعم، من ناحية أرضية قد يبدو أن لا رجاء. ولكن هناك واقع آخر. مملكة مسيحٍ أتى وفدى البشرية؛ مملكة انتشرت وصمدت وقاومت – فى القدس وبيت لحم كما فى حلب والموصل، وعاشت لألفى عام.
هل أتى الفرج فعلًا؟ قال يسوع عن أرضنا فى نهاية حياته: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِى يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِى عَنْ عَيْنَيْكِ" (لوقا ٤٢:١٩). وربما أرضنا إلى يومنا هذا لم تعلم وتدرك وتقبل ما هو لسلامها. لذا لا نزال ننتظر!
فهل أدركنا نحن اليوم ما هو لسلامنا. كيف نعيش؟ ليتنا نعيش على أساس إيماننا وقناعتنا بأن يسوع هو المسيح، وأن الفرج فيه، وأن لنا رسالة اليوم أن نعلنه للجميع مخلصًا وفاديًا؛ نعلنه بحياتنا وكلامنا.
المسيح أتى، فهلموا للعمل... هذه هى الرسالة! فهو فتح لنا الطريق للآب وللقريب، وقد أسس مملكته على هذه الأرض، ونحن اليوم «أنا وأنتم» تجسيد لهذه المملكة.