الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

قديسة الأديان الثلاثة.. القس بولس حليم عن العذراء: الله اصطفاها فكرمتها الأديان واحتفى القرآن بها

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فتاة صغيرة ولدت من أبوين مسنين، فى بيئة فقيرة، لكنها ملتصقة بالله وبتعاليمه، لم تعش طفولتها مثل باقى الأطفال فى اللعب واللهو، لكونها نذرت لتخدم هيكل الله عند وصولها عامها الثالث، عاشت بكل فرح وبشاشة حتى إنها بعد أن خرجت من الهيكل عند بلوغها عامها الثانى عشر، لم تعش مثل الفتيات العادية التى تكون فى انتظار العريس، وذلك بحسب عادات وتقاليد اليهود قديمًا بأن تتزوج فى سن صغيرة حتى لا تصبح عارًا على أسرتها، إنها السيدة العذراء، مريم المكرمة، من مشارق الشمس إلى مغاربها وفى جميع الأديان، تحدثت عنها اليهودية والمسيحية حتى أنها تميزت بصورة خاصة لها فى القرآن الكريم. هى السيدة التى يرتبط اسمها ارتباطًا وثيقًا فى أذهان المسلمين، باسم السيد المسيح عيسى بن مريم، الذى جعل آية للناس، حيث خلق من أنثى بلا ذكر، شأنه فى عجب الخلق شأن آدم، الذى لم يخلق من ذكر ولا أنثى وكذلك حواء التى خلقت من ذكر بلا أنثى. «البوابة» تحاور القس بولس حليم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والذى يتحدث عن ظروف وملابسات ميلاد العذراء مريم وظروف تلك الفتاة التى حملت السيد المسيح، دون أن تعرف، وإلى الحوار..
■ حدثنا عن العذراء مريم الأم؟
- فى الوقت الذى تحلم فيه كل فتاة أن تصبح أمًا ويكون لها ولد أو بنت تربيه، وتسعد به حدث ما لا يتخيله العقل، ولا يستطيع البشر استيعابه، حملت دون رجل، هذا الحمل الإلهى الذى كان سبب بركة لها، وهو السبب الرئيسى لهذا التكريم منذ آلاف السنين، لكننا يجب ألا ننسى أن كل صاحب رسالة سماوية له وضع خاص فى فكر الله، ولذلك يعده الله بنفسه بمؤهلات وملكات خاصة تؤهله لتحقيق هذه الرسالة.
■ كيف أعدت القديسة العذراء مريم؟
- من أسرة مقدسة، وليس أدل على بر القديس يواقيم البار «والدها» والقديسة حنة النقية «والدتها» من أن الله اختارهما فى ملء الزمان، لتأتى منهم العذراء، فبقدر خطورة المسئولية كان الاختيار، ولقد سمح الله أن تولد العذراء من أب وأم يعبدان الله بإيمان عميق، أثمر هذه الطفلة المباركة ففاض عليها من القداسة وأرضعاها لبن الفضيلة والتقوى، وقيل إن الثلاث سنوات الأولى فى عمر الطفل، هى التى تؤثر فى حياته كلها.
■ كيف عاشت مريم طفولتها؟
- عاشت فى أحضان أسرة فقيرة لا يملك والدها سوى القليل، من مهنة رعى الغنم، التى كانت فى أغلبيتها ليست ملكه، أما فى الهيكل فعاشت حياة التجرد، وكان الفقر الاختيارى من أساسيات الحياة النسكية المفروضة على المتعبدات فى الهيكل مما كون لها الفكر النسكى.
■ ما ظروف دخولها للخدمة فى الهيكل؟
- وفر الله بتدبيره الخاص، أن تدخل الطفلة مريم الهيكل وتكرس فيه حياتها لله، فعكفت على الصلاة والتسبحة وقراءة الكتاب المقدس، وحفظ الكثير من آياته وحفظ المزامير، ولعل تسبحتها فى بيت اليصابات، دليل واضح على ذلك، فغالبية كلماتها مأخوذة من المزامير وآيات الكتاب فامتلأت نعمة.
كما أن حياة السيدة العذراء فى طفولتها المباركة فى الهيكل، كانت هى الأساس الذى بنى عليه البناء كله، فهى كانت كالنحلة النشيطة محبة للتعلم فى الروحيات فكانت تتعلم من هذا روح الحكمة ومن تلك حياة الصمت ومن آخر حياة الحب الحقيقى.
■ ممن تعلمت مريم التعاليم والصلوات؟
- كانت تجالس سمعان الشيخ الذى كان يحكى لها بعض من وعود الله لشعب إسرائيل، ومجىء المسيح المنتظر، ولم يتخيل أن الذى يحاكيها هى بعينها التى تنبأ عنها النبى، وأنه لن يموت حسب قول الملاك له حتى يعاين المسيح الرب الذى هو المسيا، كما أنها التقت القديسة حنة ابنة فنوئيل التى لا تفارق الهيكل الكهولة فى جسمها، والنسورة فى روحها التى تمتعت بإرشادها.
فهمت الكتاب المقدس والنبوات وتكون فكرها اللاهوتى عن الله والذى رأيناه فى تسبحتها فى بيت اليصابات (لو٤٦:١-٥٥).
■ من أين جاء الفكر البتولى للعذراء؟
- إنها دعوة سماوية أراد الله بها أن يعد العذراء للرسالة السماوية التى ينتظرها العالم، فأودعها فى الهيكل لتتشرب روح البتولية، فرأت حنة النبية وغيرها وانشغلت بكل كيانها بربها وحلقت بروحها فى السماء، فالتصقت بالرب أكثر كثيرًا، حتى صارت له بكليتها روحًا ونفسًا وجسدًا فأضحت بهذا ذبيحة حية مرضية.
■ حدثنا عن البتولية فى الفكر اليهودى؟
- كانت الفتاة العذراء اجتماعيًا ودينيًا غير مرغوب فيها، وتعد مثل العقم للمرأة المتزوجة فكانت لعنة وعارًا (لو١: ٢٥)، لذلك لا نجد بالمرة أى مدح صريح للبتولية فى أسفار العهد القديم، ولم ينظر الأنبياء أو غيرهم إليها على أنها مكانة رفيعة، بل كان الزواج وحده هو المكرم وهو الوحيد علامة البركة.
ولم تعرف اللغة العبرية كلمة أعزب أو متبتل على الإطلاق، بل لقد قال الربيون إن الرجل غير المتزوج ليس رجلًا على الإطلاق (بل وعلموا بأن الرجل اليهودى الذى لا زوجة له أو المتزوج ولا ولد له هو محروم من الله وفى هذا كان العقم سببًا شرعيًا للطلاق).
■ كيف ظهر تصميم «مريم» على البتولية؟
- يظهر تصميم السيدة العذراء على البتولية فى ردها على بشارة رئيس الملائكة بالحبل الإلهى «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» (لو٣٤:١) وعلى هذا يعلق نيافة المتنيح الأنبا جريجوريوس، بقوله «مع أن العذراء قد عقد بينها وبين يوسف النجار عقد زواج رسمى ومع أنها الآن فى بيت يوسف زوجها الرسمى، فقد اندهشت من بشارة الملاك لها بالحبل وهذا الاندهاش لهو دليل أكيد على عزيمتها الصادقة على حياة البتولية والعفاف».
■ كيف تجسد الإيمان فى حياة العذراء مريم؟
- تجسد هذا الإيمان الذى تسلمته من أبويها وازداد نموًا بوجودها فى الهيكل وصلواتها وتضرعاتها المستمرة، وحفظها لكلام الرب الذى كانت تخبئه داخل قلبها ونرى هذا الإيمان فى حياة العذراء فى إيمانها ببشارة الملاك: منذ الدهر لم يسمع قط أن عذراء تحبل أو امرأة يأتيها الحمل دون بذرة رجل، لكننا نرى العذراء على الفور تقبل البشارة بقلب ممتلئ بالإيمان وبلا وعى بشرى أرضى بل بوعى روحانى.
■ يعرف عن «مريم» أنها عاشت حياة الغربة كيف كان ذلك؟
- فى الهيكل وهى طفلة ذات ثلاث سنوات، تاركة بيت أبيها وحضن أمها، عاشت غريبة عن البشر والبشرية فتعلمت حياة الغربة عن العالم، وهى فى خضم الأحداث الجسيمة، ونلاحظ هذا فى حياة الفقر، الذى يتمثل فى الغربة الدائمة على الأرض كما عاش من قبل جدها إبراهيم أبو الآباء، الذى أمره الرب، قائلًا: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِى أُرِيكَ» (تك١:١٢).
١- فى بيت القديس يوسف، تركت القديسة العذراء الهيكل وذهبت إلى بيت خطيبها (زوجها).
٢- فى بيت لحم، عندما أتاها الحمل تركت مع القديس يوسف الناصرة وعاشت كغريبة فى بيت لحم بسبب الاكتتاب الذى أصدره أغسطس قيصر.
٣- فى مصر، أمرهم الملاك بالهروب إلى مصر وهناك أيضًا عاشت حياة غربة كاملة.
٤- أثناء كرازة ابنها، عاشت حياة الغربة مع السيد المسيح فى أثناء بشارته المقدسة فكانت كثيرًا ما تكون معه «وَبَعْدَ هذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّامًا لَيْسَتْ كَثِيرَةً» (يو١٢:٢) كما كانت معه فى عرس قانا الجليل».
٥- بعد قيامة وصعود ابنها، عاشت كمغتربة أيضًا تحت رعاية القديس يوحنا الحبيب.
■ ما أهم السمات التى تميزت بها السيدة العذراء؟
- الطاعة، أولى سماتها، ففى الثالثة من عمرها تركت أحضان أبويها (ولم يكن لها رأى) لتكرس للرب فى هيكله المقدس، وهناك كانت مطيعة لكل أمر أو عمل تكلف به وسرى فى كيانها روح الطاعة التى أهلتها لرسالتها السماوية، ويتضح ذلك فى طاعتها للبشارة السماوية، وطاعتها فى الذهاب إلى بيت لحم، عندما أخذها القديس يوسف النجار أثناء الاكتتاب لم تعترض بحجة أنها فى أيامها الأخيرة لتلد، وكان من الممكن أن يسافر هو ويقدم التماسًا للحكومة فيقبل ولكننا شاهدناها تطيع.
أما السمة الثانية التى تميزت بها ولم يتحدث عنها غير قليلين، فهى سمة «الصمت»؛ ففى الهيكل تعلمت حياة الوحدة والصلاة والتأمل، إذ فقدت حنان والديها، وانشغلت بمحبة الله وحده وأثرت فضيلة الصمت على حياة العذراء على النحو التالى:
- صمتها فى أحداث الميلاد: رأت أشياء عجيبة ربما تفوق احتمال سنها كفتاة صغيرة وما أحاط بها من معجزات ومن أقوال الملائكة والرعاة والمجوس فلم تتحدث مفتخرة بل «كَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِى قَلْبِهَا» (لو١٩:٢).
- صمتها عند الصليب: حينما رأت ابنها معلقًا على عود الصليب بكت فى صمت القديسين ولكنها كانت مدركة مشيئة الله المحتومة وعلمه السابق.