الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عن مستقبل ثقافتنا.. تساؤلات مهموم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ عشرة أيام تلقيت دعوة كريمة من الكاتب والسياسى المخضرم الأستاذ الدكتور مصطفى الفقى، مدير مكتبة الإسكندرية لحضور المؤتمر السنوى الذى تعقده المكتبة، ليتحاور خلاله المعنيون بالثقافة المصرية (من الكُتاب والنقاد والأدباء والإعلاميين وأمراء منابر الفكر والسياسة والتعليم) حول قضايا الثقافة فى مصر، وتقييم أنشطة المكتبة فى هذا الميدان، بالإضافة إلى الاحتفال بمرور ثمانين عامًا على ظهور كتاب طه حسين (مستقبل الثقافة فى مصر) فى طبعته الجديدة، بتقديم الدكتور سعيد إسماعيل على، بدراسة نقدية، وذلك تبعًا لنهج سنة «سلسلة فى الفكر النهضوى العربى» التى يصدرها مشروع «إعادة إصدار مختارات من التراث الحديث فى القرنيين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، التاسع عشر والعشرين الميلاديين»، وقد حرصت على تحليل الرؤى والإصغاء لتصورات ونقدات وتعليقات تلك التى شارك فيها شياب وشباب، محافظون وليبراليون، سلفيون وعلمانيون، يمينيون ويساريون، فى متنفس أقرب إلى الحرية فى الطرح والمعالجة منه إلى الكلمات والأبحاث والخطب المنمقة سابقة الإعداد، وقد انتهيت من ذلك الزخم إلى عشرات الأسئلة لم أفلح فى إيجاد إجابة عنها فيما قيل ولا فى مخيلتى وذاكرتى الشاغلة برؤى المهتمين بقضايا الثقافة المصرية المعاصرة والمعنيين بإدارة مؤسساتها، فآثرت أن ألقيها عليكم عساى أن أظفر بضالتى.
هل أضحى لمصر منذ بداية الألفية الثالثة ثقافة واضحة الملامح لنتساءل عن مستقبلها؟ من حيث البنية والبناء والشكل والمضمون والثابت والمتحول، والمشخصات والعوارض، والمركز والمحاور، والأنساق والسياقات، والمقاصد والغايات؟ وهل يمكن إثبات أن ما نطلق عليه ثقافة مصرية لها وجود فى قائمة الحضور أم فى دائرة الغياب؟ وهل قادة الرأى فينا يعدون العدة لتفعيل الخطاب المفقود، أعنى خطاب التجديد أم ما زالوا مستغرقين فى مستنقع التقليد، سواء كان ذلك من الموروث التليد أو الوافد الغريب أم تراهم مندفعين إلى هوة العبثية والتبديد؟ وهل نظر أحدهم لنقطة الانطلاق، أعنى الواقع المعيش؟ بكل ما فيه من ألم وأمل، وجمود ومجون، وتعصب لثوابت ليس لها أصول، وتشيع لمتغيرات ليس فيها نفع ولا صلاح؟
ونتساءل من جديد: هل فى مقدور مثقفينا الانتقال من موقع المفعول إلى موقع الفاعل فى ميدان الثقافة العالمية أو على أقل تقدير يحاولون ذلك، وإنقاذ شبيبتنا من الواقع العبثى الذى يعيشونه؟
وهل يحق لمثلى أن أحلم بثقافة مصرية معاصرة تبدأ بخطاب الاعتذار عن كل ما فات منذ أن فقدنا هويتنا الثقافية، ثم يأتى بعد ذلك خطاب المصارحة والاعتراف من قبل كل التيارات التى شاركت فى تزييف هويتنا وطمس مشخصتنا، تلك التى عكف قادة الفكر - منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين - على ترسيخها وغرسها فى العقل الجمعى المصرى بكل طبقاته ومؤسساته وأحزابه، ثم يلى ذلك خطاب المصالحة بين الراغبين فى الإصلاح وإحياء روح المحبة والسلام فى الشخصية المصرية تمهيدًا لظهور الخطاب الرابع، وهو المعنى بالرؤى النقدية وتهذيب الملكات الإبداعية، والدفاع عن الحرية العاقلة والمنفعة العامة، ودرء المفاسد ومحاربة كل أشكال الأنانية والانتهازية والعنف والاستبداد، وكل ألوان الانحطاط الذى أصاب حياتنا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والإعلامية. وأخيرًا يأتى خطاب الاستشراف والتخطيط للمستقبل، وفتح الباب على مصرعيه للفلسفة الغيرية المؤمنة بأن الإبداع وليد النقد والاختلاف، والثورة على الجمود، وانتخاب الأفضل من شتى المعارف.
والجدير بالإشارة فى هذا السياق أن كتاب طه حسين (مستقبل الثقافة فى مصر) -الذى شغل حيزًا ليس بالقليل من مثاقفات الحضور فى الجلسة الأولى التى عقدت فى مساء يوم الثلاثاء الموافق ٢٥/١٢/٢٠١٨- قد وضع الخطوط الرئيسية لفلسفة الاستشراف والتنبؤ -أو إن شئت التخطيط لمستقبل الثقافة فى مصر- وبغض النظر عن موافقتنا لاستشرافه أو اختلافنا معه، فإن لطه حسين الفضل الذى لا ينكر فى التأكيد على أن مستقبل الثقافة فى مصر لن يمكننا فصله عن أصولها العريقة، ولا ثوابت ثقافتها (الدين، اللغة، التاريخ) ولا مؤسساتها التعليمة، ولا حقها فى انتقاء النافع والمناسب من حضارات الأغيار، ولا يفوتنا أيضًا الإشادة بتحذيراته من إهمال التعليم الأولى لكل طبقات المجتمع المصرى دون أدنى تمييز فيه بين الطبقات (فقراء وأغنياء) والحرص على توحيد برامجه، لا سيما تلك التى تتعلق بمشخصات الانتماء والولاء، فى مختلف المدارس الأولية، وعلى رأسها اللغة العربية -دون غيرها من اللغات الأجنبية- والقيم الدينية الإسلامية والمسيحية، والتاريخ، ودعوته لتشديد الرقابة الواعية على كل أنماط التعليم الخاص والأجنبى حتى لا تتشتت الهوية المصرية فى أذهان الطلاب، أضف إلى ذلك دعوته لرعاية المعلم من شتى النواحى وتأهيله للقيام بواجبه على خير وجه، وإشراف الجامعات على خطة التعليم العام، وذلك لضمان نسقيته وكفاءة خريجيه لسوق العمل من جهة والراغبين منهم فى الالتحاق بالجامعة.
والغريب أن مثل هذه المسائل لم يناقشها المتساجلون، وانصرفت جهودهم للصراع القميء بين الفكر الدينى والأيدولوجيات العلمانية، وقد استمرت هذه المناظرات فى الجلسة الأولى فى اليوم الثانى تلك التى خصصت لمناقشة رؤى المثقفين حول مستقبل الثقافة فى مصر.
وأتساءل دومًا: لماذا اختفت النكتة فى ثقفتنا المعاصرة، تلك التى تعبر عن الفلسفة النقدية للشارع المصري؟ وهل أنا محق فى تساؤلاتى وحيرتي؟
وهل السؤال الأخير الذى لم أبح به سوف يظل سجين فلسفة الصمت، أم سوف تبصرونه فى كتابات لم أقرأها حتى الآن؟