الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كورال الإعلام المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما يغنى الكورال.. تختلط الأصوات، فيصعب تمييز الصوت القوي من الضعيف والعذب من النشاذ والموهوب من المحظوظ، المهم أن يحفظ الجميع الأغنية ويرددها مستعينًا بإشارة من يد المايسترو وحركة من شفتيه، فإذا سكنت حركة المايسترو سكت الجميع، وهنا تحسب النتيجة للمجموعة أو تحسب عليها، حتى تحية الكورال للجمهور لا تتم إلا بعد استدارة المايسترو ليقدم التحية ثم يشير إلى الكورال وهو ما يعنى الإذن برد التحية. وفى الإعلام كما فى الكورال، حيث اختلطت الأصوات لتقدم أغنية واحدة، والجميع عينه على المايسترو، ينتظرون إشارته، فإذا استشعروا إشارته قالوا.. وإذا توقف توقفوا.
بعض الأصوات يفرضها أصحاب المصالح على المايسترو، فيقبلها على سبيل المجاملة، إما حفاظًا على وظيفته، أو لضعف فى شخصيته، هذا إذا كانت الفرقة تابعة للقطاع الخاص، أما إذا كانت تابعة للدولة فربما يفتح المايسترو باب المجاملة إذا تيقن أن الإدارة القائمة على عمله لن تحميه، فيضطر للمجاملة حفاظًا على نفسه وحماية لإدارته، وكذا الحال فى الإعلام، فقد هزمت المحسوبية المهنية، وفتح المايسترو الباب على مصراعيه للوساطة حفاظًا على إدارته وحفظًا لوظيفته، ضاربًا عرض الحائط بتعليمات الرئيس الذى شكى من الإعلام أكثر من مرة، ومتجاهلًا المواطن الذى كان بوده البقاء أمام شاشته، لكن المايسترو والكورال أجبراه على الذهاب لشاشات أخرى.
من الصعوبة فى الكورال أن تعرف الصوت المتميز إلا إذا غنى منفردًا (صولو) وهنا تكون لديه الحرية فى التجويد والإبداع، شريطة ألا يخرج عن كلمات الأغنية ولحنها، وبذلك يكون الحكم عليه موضوعيًا لأنه تحرر بنسبة كبيرة من الخضوع لإشارة المايسترو، كذلك فى الإعلام، لن تستطيع الحكم على إعلامى إلا إذا تركت له المجال ليفكر ويبدع ويجود، شريطة أن يضع نصب عينيه الظرف الاستثنائى الذى تعيشه مصر، والمخاطر المحيطة بها، سوف يقدم نفس الأغنية.. لكنه سيعيد ترتيب (الكوبليهات) ويختار لحنًا غير مستهلك، لكن حتى هذه لم تترك له.
كثير من الإعلاميين تكاسل عن التفكير والتجويد، وسلم نفسه للمايسترو، حتى وصل به الحال إلى تنبيهه إذا تغافل ببدء الإشارة ليبدأ الغناء، وهؤلاء هم من أجبر المايسترو على العمل معهم لأنهم فرضوا عليه بفعل الواسطة أو المحسوبية، ولأنهم كثر طغوا على من تبقى فى الساحة من الإعلاميين المتميزين، وفرضوا أداءهم على المشاهد، فهرب منهم إلى القنوات الوافدة من الخارج، أما الذين دفعوا بهم إلى الساحة فلا يعنيهم انصراف الجمهور ولا لوم الرئيس، فالتحدى الوحيد أمامهم هو فرض أولى القربى حتى لو كان ذلك على حساب الوطن، أو كان معولًا لتدمير سلاح القوة الناعمة الذى صدرته مصر للمنطقة بأسرها.
لدينا رئيس يريد إعلامًا حقيقيًا، وشعبًا لا يرغب فى الذهاب بعيدًا عن إعلامه، ولدينا أيضًا عدد كبير من الإعلاميين الأكفاء الذين يتحينون الفرصة للإبداع والتجوبد، واضعين مصلحة الوطن نصب أعينهم، وإنجازات تحققت فى مقدمة أولوياتهم، فهم فقط يريدون غناءً منفردًا (صولو) ولنا فى برنامج (حكاية وطن) الذى تقدمه الإعلامية هناء سمرى على شاشة التليفزيون المصرى قدوة لمن يرغب فى تقديم إعلام يحترم عقلية المشاهد، فعلى الرغم من أن البرنامج لا يقدم سوى الإنجازات التى تحققت فى السنوات الأخيرة إلا أنه _ ورغم أدواته البسيطة _ استطاع أن يجذب المشاهد ويقنعه أن العبور إلى المستقبل حقيقة لا خداع فيها ولا مراوغة، فقط..استخدم البرنامج طريقة مبتكرة فى الطرح، ومذيعة ومعها فريقها أدركوا أن التنظير من داخل الاستديو لا طائل منه، فذهبوا إلى الإنجازات ليعيدوا تقديمها بلقاءات ولقطات سريعة، ضيوفهم عمال وسائقون، وبصوت هادئ بعيد عن المزايدة.. خطفت هناء سمرى المشاهدين من النخبة والعوام، لتقنعهم أن أشياء تحدث هنا، وأن ما حدث كثير، فقط.. بعض من الصبر ليعم الخير على الجميع.
عزفت هناء سمرى منفردة بأدوات بسيطة على شاشة لم تلق فى السنوات الأخيرة سوى الإهمال والتعالى من الضيوف والمسئولين، لكنها حققت ما عجز كل كورال الإعلاميين عن تحقيقه.