الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تجسيد الأنبياء بين المنع والإيجاز

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
العظات والخطب الدينية لا تُحقق التأثير الذى يحققه عمل درامى ناجح يخاطب العقل والوجدان، كما أن تأثير الخطب لا يمتد لسنوات مثل ما يفعله عمل فنى بشكل عام او درامى بشكل خاص.
ومن المعروف أن الدراما وفن التمثيل بدأ مع الاحتفالات الدينية الوثنية، وانتقل منها إلى الأديان الإبراهيمية الثلاثة «يهودية، مسيحية، إسلام» من خلال الاحتفالات الدينية التى تُقام لهذه الأديان، وتمثيل العديد من الأحداث والمواقف الدينية بها، وتطور الأمر مع انتشار التمثيل وتربعه على عرش الفنون إلى تقديم مثل هذه الأعمال التى تحمل طابعًا دينيًا للجمهور العام من خلال الأعمال المسرحية والتليفزيونية والسينمائية مثل فيلم «الرسالة»، ومسلسل «إمام الدعاء» وغيرها من الأعمال التى تناولت شخوصًا أو أحداثًا دينية إسلامية
فى المقابل تقدم السينما العالمية أفلامًا مسيحية تتناول حياة السيد المسيح وغيره من القديسين فى المسيحية، وكان لمصر نصيب فى هذه الأعمال المسيحية العامة من خلال فيلم «حياة وآلام السيد المسيح» الذى أنتجته الشركة العربية للسينما مع معامل استوديو الأهرام التى قامت بطبع وتحميض العمل، وشارك فيه مجموعة كبيرة من الفنانين المصريين، دون غضاضة فى المشاركة أو تقديم عمل يجسد حياة المسيح، منهم الفنانة عزيزة حلمى التى قامت بتجسيد السيدة العذراء مريم والفنانة سميحة أيوب، وجسدت شخصية مريم المجدلية، إلى جانب مشاركة الفنان توفيق الدقن وفوزية إبراهيم، ولم يعترض الأزهر فى هذا الوقت على تجسيد الأنبياء.
ورغم ذلك يرفض عدد من علماء مذاهب أهل السنة تجسيد الأنبياء، عكس المسيحية بكل طوائفها التى تتفق مع المذهب الشيعى فى إجازة تجسيد الأنبياء، وكان قرار قد صدر عن مجمع الفقه الإسلامى فى دورته الثامنة عام ١٩٨٥ بتحريم تجسيد الأنبياء، وهو ما عاد وأكده المجمع فى دورته العشرين عام ٢٠١٠.
وقد يكون لهؤلاء العلماء مبررهم فى رفض التجسيد لعدم الخلط لدى الجمهور بين الممثل الذى يجسد الشخصية وبين النبى ذاته، حسبما رأوا إبان صدور قرار المجمع الفقهى، إلا أنه مع التطور التكنولوجى والانفتاح العلمى وانتشار النت هل يصح أن نعتقد أن هناك شخصًا عاقلًا من الممكن أن يخلط بين ممثل واحد الأنبياء ويتعامل مع الممثل على أنه النبى الذى يجسده؟! هل تجسيد نبى من أنبياء الله يعتبر تقليلًا، من مكانة هذا النبى وقدسيته فى ظل انتشار الأديان والتعريف بقيم أنبياء الله؟! هل تصور الجمهور أن عبدالله غيث فى فيلم الرسالة هو حمزة بن عبدالمطلب عم الرسول وشقيقه؟! هل تعامل أحد مع الفنان حسن يوسف على أنه نفسه أمام الدعاة الشيخ الشعراوي؟! ماذا يضير فى تقديم عمل فنى مميز مثل فيلم الرسالة، فى الوقت الذى شارك فيه ممثلون عالميون وغير مسلمين، وهل هذا الفيلم الذى يعتبر أفضل سفير للإسلام فى بلاد الغرب مُحرم؟، وإذا كان المبرر الآخر لهذا الرفض هو إمكانية أن يقوم الممثل الذى جسد أحد الأنبياء بتمثيل شخصية أخرى فى عمل آخر، وقد تكون شخصية غير لائقة، فإن هذا المبرر أيضًا له ما يرد عليه، وهو أن اشتراط عدم مشاركة الممثل الذى يجسد أحد الأنبياء فى أعمال أخرى، وقد حدث هذا مع العديد من الأعمال السينمائية التى جسدت السيد المسيح.
نحن لا نتحدث فى مسائل فقهية ولا نريد أن نحلل الحرام ولا نحرم الحلال، لكننا نطرح أسئلة مشروعة تتناسب مع التطور العلمى المعاش ومع أهمية تقديم أعمال تتناول حياة الأنبياء ومدى تأثير ذلك على وجدان وعقول المشاهدين وارتباطهم بهذه الشخصيات بدلًا من ارتباطهم بشخصيات البلطجية والراقصات.
شاهدت الأعمال الإيرانية عن أنبياء الله أنا وكثيرون غيرى، ولا يوجد أحد منا أعتقد أن هذا الممثل هو سيدنا يوسف الصديق ولا هذه الفنانة هى السيدة مريم سيدة نساء العالمين، ولم تقلل هذه الأعمال من مكانة وقداسة هؤلاء لدينا، فهل سنرى يومًا فيلمًا سينمائيًا أو عملًا تليفزيونيًا داخل مصر مثلما تفعل إيران؟ خاصة أن هذا المنع لم يكن منذ بداية الإسلام ولا حتى مع بداية ظهور التمثيل فى مصر، بل جاء متأخرًا مع نهاية القرن العشرين نتيجة آراء واجتهاد علماء الدين، وهم بشر وكل بشر يؤخذ ويرد عليه ما دام الهدف هو المنفعة العامة، خاصة مع تكرار تقديم أعمال أجنبية عن أنبياء الله، ويتم منع عرضها داخل مصر وفى المقابل تحقق أعلى مشاهدات على مواقع النت، أى أن المنع الذى يحدث منعًا صوريًا فقط لا يستطيع أحد السيطرة عليه فى ظل انتشار النت.