السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المطران سلوان متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما "جبل لبنان" يكتب.. الصورة من الميلاد إلى الغطاس

المطران سلوان متروبوليت
المطران سلوان متروبوليت جبيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

طُلب إليّ منذ أمد قريب أن أتحدّث عن عيدَي التجسّد والظهور الإلهيّ، وعن صلتهما بحياتنا وبحياة المسيح بآن، خطر لي حينها التأمّل بمعنى «الصورة»، أي بكوننا مخلوقين على صورة الله، والتي هي الأرضيّة الكتابيّة للقائنا بالله.

لا بدّ لي من أن أتوقّف قليلاً على خلفيّة حضارتنا اليوم التي باتت ترتكز على النظر أكثر منها على السمع، حتّى يخال لك أنّ أكثر ما يطلبه المرء في يوميّاته هو أخذ الصور أو رؤيتها.

لا أدري ما هي الصورة التي يريدها كلّ واحد لنفسه، أو ما هي الصورة التي لديه عن نفسه، بالطبع، معرفة الذات الحقيقيّة تساعدنا على شفاء غليلنا في هذا الصدد.
وهذا ضروريّ إن شاء المؤمن أن يعيش الحياة الروحيّة بنزاهة وفي أصالتها، وأقصد هنا الرابط الذي يجمع بين الله والإنسان.

الرابط واضح في كتابنا المقدّس فهو يحدّثنا عن «الصورة» التي يرانا الله على أساسها منذ البدء، فنحن مخلوقون على صورته (تكوين ١، ٢٧)، وهذا ينقلك من الحديث عن كيف يراك الناس أو كيف ترى نفسك، إلى الحديث عن كيف يراك الله.
إن أخذتَ هذا الأمر على محمل الجدّ واستقصيتَ عنه، ينكشف أمامك المدى الجديد الذي فيه يمكنك أن تتعلّم أن ترى نفسك بالمنظار المناسب، أي بمنظار الله الخالق. وهذا مؤدّاه أن تتغيّر حياتك كلّها، إذ يقيمك في الفرح، لأنّك تعي أنّك محبوب من الله الذي أعطاك أن تصير أكبر بكثير من ذاتك، أن تصير مثله بالنعمة! هذه هي «الصورة» الأخيرة للإنسان.

حتّى لا نتعب كثيرًا في بحثنا ونخطئ في استعمال المناظير غير المناسبة، أو في انتقاء صور لا توافقنا، أعطانا الله أن «نرى» صورتنا الحقيقيّة، فقد تجسّد ابنه فرأيناه.

رأينا فيه الاتّحاد التامّ بين الصورة والمثال، صورة إنسان تامّ وإله تامّ، في عيد الميلاد، رأينا كيف اتّخذ جسدنا، أي اتّخذ الصورة التي خلقها.

وفي عيد الظهور الإلهيّ، رأينا كيف أعلن الآب أنّ مَن «كان يتقدّم في الحكمة والقامة والنعمة أمام الله والناس» (لوقا ٢: ٥٢) وهو الآن هذا المعتمِد في الأردنّ، هو نفسه «ابنه الحبيب» (متّى ٣: ١٧). لقد أظهر الله لنا هذا الاتّحاد في شخص يسوع المسيح.

إذ ذاك صارت «الصورة» التي خُلقتُ على أساسها هي حلبة لقاء صميميّ بخالقي، صورة فيّ وأنا عليها، لكنّها صورة مدعوّة إلى أن تتجلّى في كلّ البهاء الذي أعطاه الله أن تكون عليه.

«الصورة» صلتي بخالقي وربّي، أحملها في آنية خزفيّة، هي هذا الوجود الذي يئنّ ويتمخّض ليعتلن فيه وعبره المجد، أي المثال، الذي يتحقّق كلّما سعينا في تلقي كلمة الله واستيلادها فينا سلوكًا وعيشًا وفكرًا كفكر المسيح.

هي «المساحة» التي فيها نلتقي الله ونتّحد به، إن آمنّا به حقًّا. هي منصّة انطلاقنا في صيرورة لا تنتهي، حدّثنا عنها الكتاب وأعطاها أسماء عديدة كـ«الحياة الأبديّة».

بين عيدَي الميلاد والغطاس، نقف متخشّعين أمام جلاء سرّ الصورة والمثال أمام أعيننا، فنسعى إلى «الابن الحبيب» سعينا وراء الحبيب الذي تبحث عنه نفوسنا.
إذ ذاك نحقّق ذواتنا أيّما تحقيق، تحقيق رأينا بهاءه في مَن تسربلوا بالنور وتوشّحوا بالإله وصاروا مسيحيّين بالقول والفعل، مسيحًا تلو الآخر، على مثال المسيح، الربّ والمخلّص، هذا نرجوه لأنفسنا ولبعضنا البعض ولكلّ من خُلق على صورة الله.