الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

انهيار الليرة والتضخم يشعلان الاحتجاجات في تركيا.. سياسات أنقرة الخارجية تنعكس على حجم الاستثمارات الأجنبية.. وترفع معدلات البطالة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت العاصمة التركية إسطنبول مظاهرات حاشدة يوم السبت ٢٢ ديسمبر الجاري، احتجاجًا على الوضع الاقتصادى المتدهور وغلاء الأسعار، بسبب تراجع قيمة الليرة التركية على خلفية التوتر الدبلوماسى مع واشنطن؛ حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من العقوبات الاقتصادية على إسطنبول بسبب احتجاز تركيا للقس الأمريكى «أندرو برونسون»، الذى تعرض للسجن بتهمة الارتباط بحزب العمال الكردستانى وجماعة «فتح الله جولن».


وعليه، تم وضعه تحت الإقامة الجبرية فى منزله؛ حيث تصنف تركيا هذه الحركات على أنها جماعات إرهابية. وتسببت العقوبات الأمريكية فى خسارة الليرة التركية نسبة كبيرة من قيمتها فى مقابل الدولار، واستأنفت الليرة انخفاضها مع تطور الخلاف بين واشنطن وإسطنبول، على خلفية المخاوف بشأن سيطرة الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» على السياسات النقدية بموجب رئاسة تنفيذية جديدة تمنحه المزيد من الصلاحيات.
وكانت قضية احتجاز القس الأمريكى وتدهور العلاقة بين واشنطن وإسطنبول بمثابة النواة لتراجع الاقتصاد التركي، على خلفية تراجع قيمة الليرة التركية وبالتالى ارتفاع مستويات الدين وحدوث انكماش اقتصادى على المدى الطويل. مما دفع وكالة «Standard and Poor» للتصنيفات الائتمانية تتوقع أن ضعف الليرة سيضع ضغوطًا على الشركات المدينة، وسيزيد مخاطر تمويل البنوك التركية، فضلًا عن أن تشديد الأوضاع المالية فى تركيا وضعف الليرة التركية سيعمل على زيادة التضخم وتقويض النمو الاقتصادي.
وعليه، تعانى تركيا من عجز كبير فى الميزان التجارى الخارجي؛ فالواردات أكبر من الصادرات، مما تسبب فى ضعف الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية، مما يدفعها للاستدانة أو محاولة تعويض ذلك عن طريق الاستثمارات الخارجية. نتيجة لما سبق، أشارت التقارير الدولية إلى ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير منذ عام ٢٠١٧؛ حيث تزايدت نسبة البطالة حتى وصلت لـ ١١.١ ٪ خلال الفترة من يوليو إلى أغسطس لعام ٢٠١٨، على خلفية انخفاض سعر الليرة التركية فى مقابل الدولار الأمريكى مما أدى إلى حالة من الركود الاقتصادي.

الدور التركى فى الخارج
لم تخف تركيا أهدافها قط من أن يكون لها دور بارز فى منطقة الشرق الأوسط، وهو هدف انتقل من الدولة العثمانية إلى الأتاتوركية، ويسير الدور التركى فى منطقة الشرق الأوسط على خطى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التى تسعى لإبراز نفوذها فى دول الجوار الإقليمي. ولكن تدخلت تركيا بعد أحداث الربيع العربى فى أغلب دول الثورات ومنها مصر، تونس، العراق، سوريا.
فى السياق ذاته، كانت سوريا من أبرز الدول التى تدخلت فيها تركيا بوصفها قضية أمن قومي، ولاسيما مع سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى على نحو ثلث مساحة سوريا مما أثار قلق تركيا. وتحت ذريعة محاربة الإرهاب وتحجيم نفوذ الأكراد، سعت تركيا لتوسيع نفوذها فى شمال سوريا، منذ أن أطلقت عملية درع الفرات فى عام ٢٠١٦. ولم يقتصر الدور التركى فى دمشق على البعد السياسي، بل امتد للتأثير من الناحية الثقافية وخاصةً على اللغة، الكتب المدرسية، لافتات الطرق والمؤسسات العامة التى انتشر التعامل فيها باللغة التركية.
كما ترتبط تركيا مع العراق بحدود جغرافية مشتركة مكنتها من السيطرة على الداخل العراقى ولاسيما بعد انهيار نظام صدام حسين؛ حيث نصبت اسطنبول نفسها بمثابة بوابة النفط العراقى لأوروبا فى محاولة لتجاوز روسيا. كما يتم نقل ما لا يقل عن ١٥٠٠ شاحنة من السلع (الملابس، الأثاث، الطعام) عبر الحدود الشمالية بين بغداد وإسطنبول، فضلًا عن ١٥ ألف تركى يعملون فى مدينة أربيل بالعراق، وتشكل الشركات الاستثمارية التركية ثلثى الشركات الأجنبية العاملة فى هذه المدينة، إلى الحد الذى جعل القنصلية التركية فى أربيل تصدر حوالى ٣٠٠ تأشيرة يوميًا.
فى النهاية: أدى كل ما سبق من تدهور لقيمة العملة المحلية المتمثلة فى الليرة التركية والذى أدى بشكل طبيعى إلى انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية وارتفاع معدلات البطالة ومن هنا، تدنى معدل النمو الاقتصادي، حملة الاعتقالات الكبيرة التى شنتها الحكومة التركية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التى اتهمت فيها جماعة «فتح الله جولن» عام ٢٠١٦ إلى انخفاض معدل الحريات السياسية والمدنية للمواطنين داخل الدولة والتأثير على الرأى العام، بما فيها حرية الصحافة والتعبير عن الرأي، التداعيات السلبية للدور التركى فى الخارج ولاسيما فى سوريا والعراق مع إهمال الداخل إلى فرض ضغوط متزايدة على المواطن العادى مما جعله يخرج إلى الشارع للتعبير عن غضبه.