مقولة شهيرة في قرى مصر، وكأنها تاجا يوضع على رأس البنت، جملة عفوية لكن لها معان كثيرة وهي «بنت أبوها»، المنغمسين في طين هذا الوطن يعرفون معناها، الملتحفون بنسيم الفجاري، الراكعون على فؤوسهم وأرضهم يدركون أن طرحة الخير هي «بنت أبوها».
«ندا إبراهيم» ابنة عزبة عبد النبي، قرية الزيني، مركز أبو حمص، محافظة البحيرة، عود أخضر يحمل أكثر من عمره، فطالبة الصف الثاني الإعدادي كانت تمسك ذيل جلباب أبيها قبل عامين يصطحبها معه لتركب على «الجرار الزراعي» الذي يعمل عليه بالأجرة، كان الأمر بالنسبة للصغيرة متعة وفسحة من الوقت، لم تكن تعلم أن الأقدار تهيئها لتجلس على «المقود» محل والدها، وتتخلى الصغيرة عن متعتها البسيطة، المرض داهم الوالد وأصبح لا يقوى على الحركة، وندا أكبر العيال «3 بنات وطفل صغير».
على الفور قررت «بنت أبوها» أن تعمل على الجرار الزراعي بالأجرة، ربما كان القرار صعبا وكان المقود ثقيلا وكانت قدمها ترتعش مع كل ضغطة فرامل، لكن همها كان أكبر من كل المخاطر، وإصرارها كان أعظم من كل العقبات، وابتسامة رضا من والدها المريض كانت حافزا تتحطم عنده كل المواجع، فهذه تهيئة الله ومساندته وتجلي رحمته أن يجعل الصغيرة كجبل شامخ تجر ورائها قاطرة أسرة كاملة، تعمل بالمحجر نهارا لنقل أدوات البناء للقرى وتقوم بالليل بحرث وخدمة الأراضى الزراعية.
ذات يوم جلست بعد عودتها من العمل فرأت الرئيس عبد الفتاح السيسى يقوم بتكريم سائقة التروسيكل وسائقة الميكرباص، فحادثتها نفسها أنها هي الأخرى لديها قصة تستحق أن يعرفها الناس وأن تسردها عليهم، وتتمنى أن تقابل الرئيس ومصافحته، ولأن ندا الصغيرة السن الكبيرة العزيمة لا تقف عند حدود الأحلام، ذهبت لأحد الصحفيين المجاوريين لها وطلبت منه أن يكتب رسالة على لسانها للرئيس: ندا بنت أبوها سائقة الجرار تنتظر مصافحتك فهل تحقق أمنيتها يا سيادة الرئيس؟.