الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

متحف النسيج المصري.. 6000 عام من التاريخ في طابقين و11 حجرة.. "ملف"

متحف النسيج المصرى
متحف النسيج المصرى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مبنى أثرى، يبدو عليه أنه يحمل من السنين الكثير، مشهد يعود بك إلى الوراء قرابة القرنين، تبحث عيناك يمينا ويسارا فى شارع لا يحوى إلا التاريخ، كل شىء هنا يعزف سيمفونية على أوتار الماضى العريق، تشكل لوحة فنية فريدة من نوعها، بعدما احتضنها الحاضر، تسير بين جدرانه حتى تصل إلى منتصفه، تبدأ بالنظر يجذبك مبنى خُط عليه ثلاث كلمات «متحف النسيج المصرى».
يقودك الفضول لتتعرف على ذلك المبنى، ماذا يحوى؟ وما الذى جاء بالنسيج إلى هنا؟
عام 1820 بنى محمد على باشا ذلك المبنى، وخصصه سبيلا للمياه على روح ابنه إبراهيم الذى مات فى السودان، المبنى يحتفظ بشكله ورونقه، حتى مياهه ما زالت موجودة فى باطنه يرفض أن يتركها، بالأمس كان يشرب منه الناس الماء، واليوم يستقون منه التاريخ بعدما أصبح أول متحف من نوعه فى منطقة الشرق الأوسط، والرابع عالميا، بدأت الحكاية فى عام 2002، عندما شُرع فى ترميم المبنى وجمع قطع النسيج التاريخية من المتاحف المختلفة؛ ليتم افتتاحه عام 2010.
6000 عام يحتضنها المتحف من خلال شرحه لتطور صناعة النسيج فى الحقب الزمنية المختلفة.
تصميم بسيط يجعل الأمر سهلا فى أن تتعرف على كل ما يحتفظ به المتحف من قطع تاريخية، طابقان و11 قاعة، ومعلومات على جدرانه، ووصف لكل قطعة، تغوص من خلاله فى كل فترة زمنية، كان النصيب الأكبر من قطع النسيج للفترة الفرعونية.

«كسوة الكعبة» أبرز المقتنيات
كسوة الكعبة من أهم مظاهر التشريف والتكريم لبيت الله الحرام، ويرتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها التى برع فيها أكبر فنانى العالم الإسلامي، وتسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم، وهى قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن من ماء الذهب، وتكسى بها الكعبة ويتم تغييرها مرة فى السنة وذلك خلال موسم الحج، صبيحة يوم عرفة فى التاسع من ذى الحجة.
ويرجع تاريخ تصنيع مصر لكسوة الكعبة، مع بداية الدولة الفاطمية، حيث اهتم الحكام الفاطميون بإرسال كسوة الكعبة كل عام من مصر، وكانت الكسوة بيضاء اللون، وفى عهد محمد على باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة، بعد الصدام الذى حدث بين أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب فى الأراضى الحجازية، وقافلة الحج المصرية فى عام ١٢٢٢هـ الموافق عام ١٨٠٧م، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة فى عام ١٢٢٨ هـ، وآخر كسوة كعبة كانت عام ١٩٦٢، بعدها توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.
وأكد الدكتور أشرف أبواليزيد، مدير متحف النسيج، الذى رافقنا فى جولة تفقدية لمشاهدة معالم متحف النسيج، أن الجزء المعروض فى فاترينتين من فتارين المتحف يضم حزامًا من كسوة الكعبة المستطيلة الشكل والمصنوعة من الحرير الكحلى، وعليها كتابات مطرزة بخيوط من الفضة بأسلوب السير وكتب عليها «صنعت هذه الكسوة بأمر المتوكل على الله فاروق الأول ملك مصر»، والتى قام الملك بإهدائها للكعبة المشرفة فى عهد خادم الحرمين الشريفين آل سعود ملك المملكة العربية، وترجع لـ ١٣٥٥-١٣٦١ هجريا وتحاط بالكتابات من أعلى لأسفل إطار من زخارف نباتية ومطرزة بنفس الأسلوب.

«زى سلطان» أبرز مقنيات العصر العثمانى
بالتجول بين منسوجات وملابس العصر العثمانى داخل المتحف، شاهدنا رداءً يعود لأحد سلاطين العصر العثمانى، لم يذكر اسم صاحبه، ولكنه يعود للحضارة العثمانية، التى عرفت على مر تاريخها الطويل امتزاجًا ثقافيًا لا مثيل له فى العالم، انعكس فى أزيائها التقليدية الشعبية والمرتبطة بالقصور، حيث تميزت أزياء القصور بالفخامة والتطريز بالذهب والفضة وعكست قوة الإمبراطورية العثمانية وثروتها، وكانت تلك الأزياء تستغرق أشهرًا لتصميمها وأشهرا لخياطتها.

هدية محمد على باشا لابنته فى زفافها.. «سجادة صلاة»
ما إن تمر داخل المتحف حتى تستوقفك قطعة نسيجية ليس لها مثيل، رغم أنه مضى على صناعتها قرابة القرنين، إلا أنها لا تزال تحتفظ بقيمتها وشكلها، الذى يسر الناظرين، ألوان تعود بك إلى زمن لم نشاهده سوى فى مسلسلات الدراما، التى تحكى قصة هذه الأسرة التى وقعت مغرمة فى حب الحرير وجمال الأقمشة، ودقة الحياكة فى إخراج ما يرتدونه وما يعرضونه على جدران قصورهم للزينة، بين ثياب خضراء، وبين عباءة حمراء، ومناديل وأوسدة، وغطاء، مشهد كأنك فى حرم السلطان أو الخديو، تخطفك سجادة حمراء من خلال الصندوق الزجاجى، يبدو أن لها حكاية مجهولة، وليست فقط كقطعة قماش أثرية مر على صناعتها العديد من السنوات، تبدأ الحكاية عندما عُرف عن محمد على باشا بحبه الشديد لنساء بيته، فتزوج اثنتين، أنجب من الأميرة رقية هانم ابنته زينب هانم، واحتلت قلب صاحب النهضة المصرية، كان القصر يستعد لزفاف «الهانم» وكان «الباشا» يبحث عن هدية لأميرته المقربة لقلبه من نوع خاص وليست تقليدية، فلم يجد غير أن يقدم لها سجادة للصلاة، تزين بها قصرها الجديد، بالحرير الأحمر المطرز والفضة التى يحتضنها الذهب، وخلفية من الحرير الأخضر، أهدى والى مصر سجادة تاريخية، اقتناها متحف النسيج من بين ٢٦ قطعة نسيج أثرية يعرضها للزائرين، وتؤرخ من خلالها شكل وألوان الملابس المصرية فى تلك الحقبة الزمنية فى العصر العثمانى، خاصة أن المنسوجات الإسلامية فى هذه الفترة كانت الأكثر رواجا بين المنسوجات العالمية.

الفراعنة أول من ابتكروا «سرير التخييم»
بالتجول بين حجرات المتحف المصرى للنسيج، الذى يضم الكثير من المقتنيات الثمينة من عصور مصر المختلفة، وأثناء التجول فى حجرة العصر الفرعونى، وجدنا سريرا يعود للعصر الفرعونى كان يعتقد استخدامه فى عمليات الصيد.. وهو سرير مستطيل الشكل يرتكز على أرجل على هيئة مخلب الأسد، يعلوه غطاء من النسيج الوبرى الكثيف، وخشبه ملون من الكتان.
وبالإضافة إلى إظهار المهارة الحرفية المذهلة فى مصر القديمة، يشرح الأمناء والمرشدون داخل المتحف، أن السرير يقدم نظرة عن اهتمام المصريون القدماء إلى ما وصل له الفراعنة من رؤية حديثة تسبق عصرهم، فوجود سرير داخل خيمة يستخدم للنوم أثناء عمليات الصيد يعنى أن الفراعنة سبقوا غيرهم من كل العصور.
ويتضح من الصورة أن «سرير التخييم» يتميز بخفة الوزن وسهولة الحمل، وكان يعتقد حتى فترة قريبة أنه استخدم للمرة الأولى من قبل الجيش الرومانى التابع لمملكة روما حتى عام ٥٠٠٠ قبل الميلاد، وانتشر استخدامه إبان فترة الحكم السوفييتى، وأصبح من عناصر الحياة الأساسية، ولا يمكن الاستغناء عنه، وتشير اللوحات الإرشادية إلى أنه كان فى عصر الملكة حتشبسوت.

الفراعنة أول من وضعوا الـ«brand» على الملابس
أربعة آلاف عام أو يزيد، سبق فيها المصريون القدماء كل الشركات العالمية التى روجت لمنتجاتها عن طريق العلامات التجارية المسجلة أو مايعرف باسم الـ «brand» الكثير لا يعلم أن أول من وضع هذه الفكرة هم القدماء المصريون، يعود الأمر إلى الدولة الحديثة فى الفترة بين القرن السادس عشر قبل الميلاد والقرن الحادى عشر قبل الميلاد، وعرفت هذه الفترة بمجد الإمبراطورية المصرية، فعم فيها الرخاء والثروة والمجد، وأصبحت الأقصر أو طيبة قيما مركزا حضاريا للإنسانية بل أصبحت عاصمة العالم، واهتم فيها الحكام بتطور الفن، فظهرت فى عهد تحتمس الثالث أبهى صور الحضارة، ووضع صناع الملابس للمصريين علامة تجارية خاصة بهم، يقومون بطبعها على ما يتم صناعته من خلالهم، وتميز كل صانع بعلامة خاصة به، ويضم المتحف قطعا من الأقمشة التى سجل عليها القدماء علامتهم التجارية.

مدير المتحف: «1000 قطعة يضمها المتحف من مختلف العصور»
قبل أن تشتهر مصر بقطنها، كان المصريون يحرصون على صناعة أقمشتهم واختيارها بعناية منذ أكثر من ٦٠٠٠ سنة، يبدأ الدكتور أشرف أبو اليزيد مدير عام متحف النسيج بشارع المعز القول بأن المصريين أول من عرفوا صناعة النسيج؛ فليس غريبا أن يكون أول متحف فى الشرق الأوسط مصريًا.
ويكمل أن المتحف يعتبر الأهم فى العالم، لعرضه قطعا نادرة من الصعب وجودها فى مكان آخر خارج متحف، الكثير يقصد المتحف لأنه يضم كل من عشقوا حكايات التاريخ، لو كنت من محبي التاريخ الفرعونى فقطعه الأكثر انتشارا فى المبنى، غير ذلك نحن نفتخر بأن هناك قطعة لملابس سيدة يتعدى عمرها ٤٠٠٠ عام تعود أصولها إلى الدولة القديمة فى العصر الفرعوني.
يسرد الدكتور أشرف مدير المتحف، بأن المتحف تم تجميع القطع المتواجدة بداخله من مختلف المتاحف والأماكن فى مصر، والأكثر زيارة هى قطعة من كسوة الكعبة المشرفة التى كان يتم تصنيعها فى مصر، وكان من العادة أن يتم توزيعها على الباشوات وأصحاب المقام الرفيع، الملك فاروق احتفظ بكسوة عام ١٩٤٢، ونقدمها للزائرين فى المعرض، بالإضافة إلى ستارة الحجرة النبوية التى تعود إلى ٤ قرون، و١٠٠٠ قطعة نسيج من عصور مختلفة. 
ويختتم حديثه بأن الجهود متواصلة حتى يصبح المتحف قبلة للسائحين وكل من يبحث عن زيارة الأشياء ذات القيمة التاريخية العظيمة.