الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

ميلاد المسيح تجسيدا لمجتمع الحب على الأرض.. بقلم القس- جادالله نجيب

القس جادالله نجيب
القس جادالله نجيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمر السنون، ويحتفل العالم بمناسبة ميلاد السيد المسيح. واللافت للنظر هو أن السمة العامة فى بقاع الأرض شرقًا وغربًا فى شهر ديسمبر من كل عام، هى «شجرة الكريسماس» وتزيين الشوارع والمنازل، علاوة على التسوق وهى ثقافة الاستهلاك التى أصبحت أعظم مظاهر الاحتفال بالميلاد، وقد تكون دور العبادة المسيحية قد انتهجت أيضًا تلك الثقافة الاستهلاكية من خلال أنشطة وزحمة ترتيبات الاحتفالات داخل مبانيها، ولم يعُد هناك تميز أو تمييز بين المظهر وبين المعنى للميلاد، حتى فى أماكن العبادة إلا فى جزئيات محدودة. 
من الناحية الأخرى، يواجه العالم اليوم مخاطر عديدة ظهرت آثارها بوضوح وبشكل ملحوظ، وتتزايد فى الأعوام المقبلة، وذلك بسبب تغير المناخ «Change Climate»، والاحتباس الحرارى «Global warming»، وأسباب أخرى ترجع لعدم اعتبار البيئة التى نعيش فيها جزءًا من اهتماماتنا، بل اعتبرت أنها لخدمتنا، دون أن نخطط للحفاظ عليها، ليعيش الإنسان حياة آدمية صحيحة، ويسود المجتمعات الود والسلام والحياة الكريمة.
من جهة ثالثة، انتشرت الجريمة على كل المستويات، من تدنى أخلاقى وظلم اجتماعى، واضطراب سياسى، وتمييز دينى. علاوة على زيادة معدلات الفقر، التى ساهمت فى حركة التهجير والهجرة من ناحية، وتصدى بعض القوانين للحد من استقبال المهاجرين أو المهَجّرين لبلاد الهجرة، أو على أدنى المستويات قبول وجودهم كتحصيل حاصل. رغم المحاولات الإنسانية والتفاعلات الاجتماعية والسياسية، إضافة للحالة غير الآمنة لكثير من المهاجرين. 
منذ أكثر من ألفى عام، وصل العالم لمثل ما وصلنا إليه اليوم مع اختلاف المستجدات التى تهدد الوجود الكونى كما ذكرت فى بداية الحديث. وقد حدث فى تلك الأيام أن الله بعظمته تدخل ليعيد القيمة المفقودة التى بسبب غيابها فى العالم حدث ما نعيشه الآن. ميلاد السيد المسيح، ليس ميلادًا عاديًا؛ كى يقدم تعليمًا يصيغ عقل الإنسان أو يعيد تكوين القلب وتوجهاته فقط، بل كان ميلاد المسيح تجسيدا لمجتمع الحب الذى فى السماء لكى يكون نموذجًا حقيقيًا على مجتمع الأرض. 
كيف كان مجتمع السماء حتى يكون مجتمع الأرض؟ معروف فى المفهوم المسيحى عن الله بأنه «محبة». و«المحبة» تعنى وجود علاقة «Love means relationship»، هذه المحبة فى طبيعتها، صورت لنا مجتمع السماء. المجتمع الإلهى الذى من فيض حبه خَلق الخليقة كلها، والإنسان جزءا من الخليقة بل وأيضًا مسئولًا عنها. فى الخلق نجد أن الله كان مسرورًا بما خلقة كما تقول لنا التوراة، «رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ»، ولما خلق الله الإنسان خلقه «عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ ٱللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ»، أى أن الله فى عظمته خلق مجتمعًا على صورته، من خلال الحب ليكون مجتمع الحب على الأرض. 
الحب هو إرادة وليس مجرد عاطفة، وتلك الإرادة هى التى أنتجت الخليقة والإنسان كتاج لها. وقد نرى فى العموم، أن الخليقة تعطى ولا تبخل بما تجود، فاحتياجها فقط للعناية والاهتمام والرعاية، فتقدم أفضل ما بها للإنسان. ويبقى دور الإنسان المخلوق كمجتمع محب على صورة الله، أن يطوّر مجتمعه ويحافظ على البيئة. فى الواقع، قد أساء الإنسان التصرف، وأخطأ القرار، وأفسد إرادته فلم يَعُد مجتمعه مجتمع الحب. فكان أول إنتاج للكراهية بين هابيل وأخيه قابيل هو القتل. 
ومن هنا جاء السيد المسيح مجسّدًا لمجتمع الحب على الأرض، فأحب مجتمعه، واستخدم الطبيعة أدوات لتعليمه فى أمثاله. وشارك كل مستويات الناس، فى كل ظروفهم، من أفراح وأتراح، فى المرض والصحة. شارك السيد المسيح كممثل لمجتمع الحب السماوى، عائلات بكاملها فى ظروفهم كما تتضامن مع أفراد فى احتياجاتهم. لقد ولد وتربى فى أسرة فقيرة، لكن حبه كان الغِنَى الذى يفيض به على الناس لنسج وتكوين علاقات سوية وصحيحة بين الناس.
فى مجتمع الحب يُثرى الحوار، وتتعمق العلاقات، ويزيد الاهتمام والرعاية بالآخر وقبوله. لقد استطاع السيد المسيح الحب المتجسّد أن يجعل مثلًا حيًا للحب وعدم الإدانة والقبول فى مجتمع الحب، لتلك المرأة التى أمسكوها فى ذات الفعل وأحضروها له شكاية عليها. 
استطاع السيد المسيح ممثلًا لمجتمع الحب، أن يدين وبقوة أشكال التدين، ويسقط الأقنعة عن أصحاب القلوب الذين طردو الحب منها، ووقفو وراء أقنعتهم يدافعون عن الدين من جهة، وعن الله من جهة أخرى.
وقدم السيد المسيح نموذجًا حيًا لدوره الفاعل لحقن دم الظلم للفقراء واستغلالهم باسم الدين، عندما قلب كل موائد الصيارفة فى الهيكل، وقدم الحب فى أعظم صورة فى نفس التوقيت، وهو يعلّم ويشفى المرضى داخل الهيكل.
إن مجتمع اليوم هو نفس مجتمع الماضى، بل زاد فقرًا، وقسوة، وظلمًا وعداوة وتمميزًا دينًا. مجتمع فى أمس الاحتياج لإعادة قيمة الحب التى تجسدت منذ أكثر من ألفى عام. هل نقف مكتوفى الأيدى، أم تندب البشرية على ما وصلت إليه؟ أم نعيد حساباتنا وأخلاقنا وقيمنا من جديد، لعل مجتمع الحب يعود فيعطى للإنسانية كرامتها، ويعطى لله مجتمع الحب الذى خُلق على صورته؟