الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

في ذكرى وفاتها.. تعرف على "نفيسة البيضاء" أجمل نساء عصرها وأكثرهم إحسانا

نفيسة البيضاء
نفيسة البيضاء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"الست نفيسة البيضاء"، تلك المرأة الشركسية، التي وصفت بالبيضاء لشدة بياض بشرتها ونضارتها وجمالها الخلاب، جمعت بين الجمال البارع والذكاء، جاءت إلى مصر كجارية، في سنة 18م، واشتراها علي بك الكبير، كبير طائفة الشراكسة في القوة العسكرية آنذاك بالقاهرة وكان شيخا للبلد.
افتتن علي بك الكبير، بجمال وثقافة جاريته، فقرر أن يعتقها ويتزوجها، وكان يسعى وقتها للاستقلال بحكم مصر، فشنت ضده مؤامرة عثمانية، بقيادة محمد أبي الدهب، وغدر به وهزمه أثناء قتاله بالشام، وتنصب ابا الدهب، بشيخ البلد.
أصبحت "البيضاء"، أرملة ولم يرثها أبو الدهب مثل باقي أملاك سيدة المغدور به، وكان قد اتفقا هو ومراد بك على أن يزوجها له، مقابل التخلص من زوجها، ولقبت بنفيسة المرادية، تعايشت "نفيسة" مع وضعها الجديد ورضيت بأن تكون زوجة لأمير مملوكي يحكم مصر مناصفة مع قرين آخر هو "إبراهيم بك" بعد أن كانت زوجة لرجل يحلم بأن يكون ملكًا متوجًا على مصر وأجزاء من بلاد الشام، أعادت استثمار أموالها في التجارة وصارت واحدة من أثرياء البلاد، وامتلكت عددًا من القصور والبيوت ووكالات التجارة وجيشًا صغيرًا مؤلفًا من 400 من المماليك فضلًا عن عدد كبير من الجواري والخدم في قصرها.
ذاع صيته بين المصريين، كانت تلك بالثقافة التركية، وخففت من سطوة زوجها على الناس، كما شيدت لنفسها "وكالة" للتجارة يجاورها "ربع" لسكنى فقراء الحرفيين، وألحقت بهما سبيلًا للماء يعلوه "كُتاب" لتعليم الأطفال الأيتام مبادئ القراءة والكتابة والقرآن الكريم. 
يعد مشروعها المعماري الذي شيد على بعد خطوات من "بوابة المتولي" أو "باب زويلة"، من مشروعات البر والإحسان فإلى جانب إيواء فقراء الحرفيين نظير أجرة شهرية بسيطة كانت إيرادات الوكالة والربع توجه للإنفاق على وظائف التدريس بالكتاب وعلى قيام السبيل بتوفير ماء الشرب للمارة في تلك المنطقة التجارية.
و في عام 1798م جاءها "بونابرت" من حيث لم تحتسب ليهزم المماليك بقيادة زوجها مراد بك، ويحتل القاهرة وفر مراد نحو الصعيد تاركًا زوجته تواجه سلطات الاحتلال الفرنسي، ولشخصيتها ولثقافتها حصلت نفيسة زوجة الأمير الطريد على احترام سلطات الاحتلال الجديدة، وذلك عندما سمحت أولًا بأن يتلقى بعض الجنود الفرنسيين من الجرحى العلاج داخل قصرها الذي ورثته عن علي بك بالأزبكية وكان مواجها لمقر إقامة بونابرت.
حاول بونابرت أن يستميل مراد بك للصلح معه لوقف حشد القوات ضده بالصعيد بحسن معاملة زوجه نفيسة البيضا، وبالغ الرجل في الأمر حتى أنه منحها هدية ثمينة من الحلي، لكن ذلك لم يحقق شيئًا مما كان يطمح إليه الجنرال الفرنسي. 
بدأ بونابرت بتنفيذ سياسته الانتقامية بتوجيه تهمة إخفاء ثروات المماليك الفارين للصعيد، وفتش قصرها أكثر من مرة، وصودرت بعض ممتلكاتها، ثم أعقب ذلك بالقبض على حريم أمراء المماليك، مما اضطر نفيسة البيضا لدفع الغرامات التي فرضت عليهن نظير الإفراج عنهن وصيانة كرامتهن وتجاوز ما دفعته المليون ريال، وعندما اشتد الطلب عليها رهنت بعضًا من مصاغها ومن ضمنه قطعة الحلي الفرنسية التي أخذها بونابرت وأهداها لعشيقته.
ورغم ذلك ظلت نفيسة البيضا قادرة على رعاية حريم المماليك وموضع احترام سلطات الاحتلال خاصة بعد سفر بونابرت وتولي كليبر قيادة الجيش الفرنسي، وعندما نجح الأخير وربما عبر نفيسة البيضا في إقناع "مراد بك" بالتخلي عن السلاح، ورضي بأن يحكم الصعيد بوصفه نائبًا عن "الفرنسيس"، لكن وهي تتأهب لاستقبال زوجها مراد أتاه وباء الطاعون ليحصد روحه عام 1801م، وفي نفس العام رحل الفرنسيون عن مصر، ولكن الحاكم التركي الجديد "أحمد باشا خورشيد" سلط رجاله على نفيسة البيضا، وصادر أموالها اكثر من مرة، ولاحت في الأفق بوادر ثورة شعبية ضد ظلم خورشيد،و سرعان ما نجحت الثورة الوليدة في طرد الوالي العثماني وتعيين محمد علي عوضا عنه.
صادر محمد علي ما بقي لها من مال وعقار‏،‏ وعاشت بقية أيامها في فقر وجهد‏،‏ لكنها واجهت ذلك كله بصبر وقوة عزيمة‏،‏ ولم تفارقها مروءتها ولا علو نفسها، ماتت نفيسة البيضاء عجوزًا‏ فقيرة‏،‏ بعد أن كانت ملكة علي مصر، وذلك في يوم الخميس ‏19‏ إبريل عام ‏1816‏ في بيتها الذي بناه لها علي بك الكبير‏.
دفنت نفيسة إلي جوار قبر زوجها الأول علي بك الكبير في الإمام الشافعي، ‏وبعد موتها استولي محمد علي باشا علي هذا البيت وأسكن فيه بعض أكابر دولته.
تركت البيضاء، مجموعة معمارية متكاملة هي نموذج رائع للعمارة العثمانية المتأخرة، تعرف باسم السكرية، نسبة لسوق السكر والحلوى بهذه المنطقة.