الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كأنهم ملائكة منزلون

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نقابل في حياتنا ونسمع الكثير من قبيل الصدفة عن أشخاص عاشوا حياة صعبة ومواقف كانت بمثابة نقطة تحول في مسارهم المستقبلي، وقلبت حياتهم رأسًا على عقب، منها ما جعل أصحابها يتقدمون للأمام ويقتحمون عالم النجاحات سواء على مستوى حياتهم الشخصي أو المهني، ومنها ما حول حياة أصحابها للجحيم بسبب تحكمات المجتمع ونظاراتهم الدنيئة التي عادة ما تقتل أصحابها دون قصد.
وهنا أتحدث عن التجارب المؤلمة التي عاشها البعض بسبب الظروف الخارجة عن إرادتهم أو بسبب تدابير بعض أصحاب النفوس الضعيفة الرامين إلى تحطيم حياة أشخاص بدون وجه حق بغرض الانتقام، فنرى مثلًا شابًا أدمن شرب المخدرات ورافق أصدقاء السوء وإذا بإرادة المولى يهتدي ويفوق من غيبوبته، ويقرر تغيير مسار حياته بالبعد عن المخدرات ويحاول تعويض ما فاته لكن نظرة المجتمع الدنيئة هنا تظل تحاسبه طيلة حياته على الطريق الخاطئ الذي سلكه في الماضي رغم أنه قرر إصلاح نفسه.
فتاة كانت تعيش حياة المنكر بجميع أشكالها وتخرج عن العادات والتقاليد المحافظة ولكنها في لحظة ما دون أن تدري وبإرادة المولى نراها تنظر إلى الماضي باحتقار شديد، وتقرر داخل نفسها أن تعيش حياة جديدة ليس لها علاقة بالماضي وبالفعل تصبح شخصًا جديدًا إلا أن وصمة العار التي لحقتها في الماضي تظل ترافقها أينما ذهبت في الحاضر لتظل سجينة نظرات من حولها رغم أنها قررت إصلاح نفسها.
من خلال تلك الأمثلة التي ذكرتها تراودني عدة تساؤلات، إلا أن التساؤل الأهم الذي يظل عالقًا بذهني طوال الوقت، هل أصبحنا إلى هذا الحد ملائكة منزلين من السماء لا نخطئ أبدًا حتى نحاكم البشر المذنبين؟! ولماذا دائمًا لا نلتمس الأعذار لمن ارتكبوا تلك الأخطاء ونضع أنفسنا في تلك الظروف حتى يكون حكمنا صحيحًا على أصحابها؟!.. نعم، سيظل المجرم مذنبًا في نظر المجتمع حتى لو تاب توبة نصوحة، وسيظل الفاشل عديم القيمة في نظر المجتمع حتى لو تخطى العقبات وحقق نجاحات ويظل الظالم "مفتري" حتى وإن تراجع عن ظلمه.
فالعبرة هنا للحكم على الأشخاص من خلال الانطباع الأول الذي أُخذ عنهم في الماضي وليس لما أصبحوا عليه الأن، وبالتالي فنحن أمام فكر مجتمعي عقيم للغاية قائم على تحجيم الأشخاص داخل إطار معين لا يتغير بمرور الوقت وحتى وإن تغيروا.
رفقًا بهؤلاء الذين أجبرتهم الظروف الصعبة على أشياء لم تكن تخطر ببالهم، ولننظر نظرة المتعقلين دائمًا للأمور من جميع زواياها، ولا نأخذ الجانب السلبي في حياة الأشخاص ونبرزها، ونترك الجانب المشرق منها ولا ننسى أننا قد نكون مكانهم يومًا ما نحتاج لمن يرفق بحالنا، وحيئنذٍ سندرك تمامًا أننا لسنا ملائكة منزلين من السماء ولنحاول إصلاح أنفسنا ونحاسبها قبل محاسبة الغير.