الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"مسارات الرواية العربية المعاصرة".. كتاب يرصد التحولات

«مسارات الرواية العربية
«مسارات الرواية العربية المعاصرة»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُعد كتاب «مسارات الرواية العربية المعاصرة»، للكاتب والناقد المغربي، الكبير الداديسي، الصادر فى العام الماضي، هو آخر الكتب الراصدة لمسارات وتحولات الرواية العربية.
يلاحظ «الداديسي» أن روايات العقود الأخيرة اتخذت أشكالًا فيها من التعقيد والخصوصية، ما يساير واقعًا معقدًا يعيش أزمة قيم، بعدما سادت قيم الفردانية والنفعية، وباتت لكل روائى قضاياه الخاصة، ولكل قطر عربى اهتماماته المحلية، فكان طبيعيًا أن تنكمش القضايا القومية، وهذا ما يفسر التحول الذى طرأ على اختيار أبطال الرواية العربية المعاصرة.
ويرى أن الروائى استعاض بالأنا عن البطل الوطني، الذى ساد فى روايات حقبتى الخمسينيات والستينيات، فالبطل حاليًا يمثل حواف المجتمع، مثل الموظف والمقهور، إذ أن الروائى المعاصر بغوصه فى الذات، تحول إلى ما يشبه الباحث الأنثروبولوجي، وانفتح على مختلف الأشكال التعبيرية محطمًا الحدود بين الأجناس الأدبية، ناهلًا من الأساطير والرموز الإنسانية، لذلك تميزت بعض نماذج الرواية المعاصرة بعمق الرؤية وطرح الأسئلة الكبرى بلغة شاعرية، منفتحة على السينما والتشكيل والفلسفة والتاريخ والسياسة، فغدت الرواية قاطرة الكتابة الابداعية العربية إذ أصبحت أكثر أشكال التعبير قدرة على تصوير تشظى الذات والمجتمع العربيين فى هذه الفترة.
الرواية المعاصرة، وفق «الداديسي»، لم تسجن نفسها فى نمط واحد وإنما حاول بعض كتابها الإفادة من أدب الرحلة كشكل تراثي، وبعضهم خاض غمار رواية الخيال العلمي، ومنهم من عاد إلى التاريخ، كما تنوعت التيمات بين مقاربة موضوعات كالنضال الوطنى والصراع مع السلطة ورواية السجن، ومنهم من قارب موضوعات مستحدثة كالتطرف الدينى إضافة إلى قضايا المرأة والجنس، وغيرها.
واهتم الكتاب برصد التفاعلات بين الرواية العربية المعاصرة فى مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية والمجتمع الذى أنتجها، تلك الحرب التى زلزلت الأرض تحت أقدام الإنسان العربي، ورمت بالرواية فى بركة واقع آسن، فتفرقت بها السبل وتعددت المسارات، ويلحظ الكاتب أن الأعمال الروائية التى تفاعلت مع هذا الحدث غطت معظم الأقطار العربية وخلقت تراكمًا كميًا، يستحق أن يتناوله الكاتب فى كتاب مستقل، لكنه فى كتابه هذا اقتصر على عشر روايات ينتمى أصحابها إلى الدول الأكثر تأثرًا بالحدث وهى العراق، الكويت، السعودية.
ونظرًا إلى أن الكويتيين كانوا الأكثر معاناة، والنساء الأكثر رهافة فقد حاول فى دراسته إبراز رصد الكاتبات الكويتيات لتفاعلات الحرب، ومنهن ميس خالد العثمان، وهى إن كانت قد أشارت إلى القضية فى معظم مؤلفاتها فإنها جعلت تيمة «العراق/ الكويت» الموضوع الأساس لروايتين هما «عقيدة رقص» وتدور أحداثها فى عراق ما بعد حرب الخليج الأولى حيث البطلة تعانى من الاضطهاد، ومن كثرة الحروب فى بلادها، فلم تجد من مخرج سوى الهرب جنوبا نحو الكويت، والثانية «ثؤلول» وتدور أحداثها فى الكويت حيث تعانى طفلة من الاغتصاب الذى تعرضت له من طرف جنود عراقيين إثر غزوهم للكويت، فلم تقدم رواية تسجيلية أو تاريخية، وإنما خلعت على المأساة بعدًا فنيًا جماليًا.
من جهة أخرى يؤكد الداديسي، أنه على الرغم من حداثة الخيال العلمي، فقد تمكن من خلق تراكم كمى كبير فى الرواية العربية المعاصرة، واستطاع أن يفرض نفسه على النماذج الأدبية، بعدما أصبح له، من جهة، كتاب كبار فى أوروبا وأمريكا والاتحاد السوفيتى (سابقا) واليابان، ومن جهة أخرى جمهور متعطش فى كل بقاع العالم للمغامرة، بعد أن استفاد من الثورة الرقمية، والتطور العلمي، والتكنولوجى والسينمائي، لكن «كتاب هذا النوع الأدبى لا يزالون على رؤوس الأصابع عربيًا، بل من القراء العرب من يعتقد بأنه لا وجود لمثل هذه الكتابات عندنا وأن كتابة الخيال العلمى صناعة غربية لم يستوردها العرب بعد»، ويتوقف الكتاب عند رواية «الذين كانوا» لنبيل فاروق مبينًا خصائص الخيال العلمى فيها.
فى فصل آخر بعنوان «الواقعية الغرائبية» يربط الناقد بين عنصرين متناقضين هما «الواقعية» و«الغرائبية»، ويناقش فى إطار ذلك روايتى «فرانكشتاين فى بغداد» للعراقى أحمد سعداوي، و«ضريح أبي» للمصرى طارق إمام، حيث يرصد للغرائبية تجليات كثيرة فى الروايتين رغم معالجتهما لقضايا واقعية، تتمثل فيما يعيشه العالم العربى من تشظ، واقتتال تعسر فيه معرفة من يقتل من؟ وبحسب الكتاب «فالغرائبية لم تكن فى الروايتين بل فى الواقع، والروايتان جاءتا كتصوير حرفى لهذا الواقع الذى نعيشه».