الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

واقفًا فوق حجر.. قصة قصيرة للكاتب فهمي حسين نشرت بمجلة صباح الخير 3 نوفمبر 1994

فهمي حسين
فهمي حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما الذى يُمكن أن يقوله وسط كُل هذا الهرج؟ فهل يصمت؟ هذا أمرٌ صعب، وخاصة أنه هو من هو!
هل يرفع صوته؟ لم يكُن أبدًا من أصحاب الصوت العالي.. حنجرته لا تُساعده، ولا نشأته! هل يتحلى بمزيد من الصبر؟ نعم، فالصبر جميل، لكنه قد نما إلى علمه أن الصبر هو الذى أحرق دُكان العطار!
هل يغفو قليلًا، رُبما طويلًا، حتى تهدأ العاصفة؟ أبدًا، ليس ثمة باب مُحدد تأتى منه الريح حتى يسده ويستريح!
هل يُحاول أن يهمس بالأمر لكُل على حدة؟ كم من العُمر يلزمه ليفعل وكم من العُمر قد تبقى؟ هذه حسبة تحتاج إلى ورقة وقلم، ثُم إنها متاهة جانبية سوف تحرفه، بالتأكيد، عما يُريد.
لماذا لا يكون أكثر إيجابية فيرفع يديه، هكذا، وتتقاطع كفاه طالبًا «نُقطة نظام»؟ أيضًا، وكما أن أحدًا لا يسمع.. فلا أحد كذلك يرى!
طيب. لو أنه عاد إلى فكرة الصبر ليتأملها من زاوية أُخرى، فمن يُدريه بصحة الرواية التى تقول إن الصبر هو الذى قد أحرق دُكان العطار؟ ولمَ لا يكون العطار نفسه هو الذى أحرق الدكان بما فيه من صبر ومُر.. وزعتر وحنظل وخلافه من مواد؟ ولكن هل لعطار عاقل أن يفعل ذلك بدكانه؟
تلفت حواليه.. الزحام شديد. تأمل نفسه.. غارقًا فى العرق. انحرف يسارًا مُتجهًا صوب شاطيء النيل. يوشك أن يغرق، على الشاطيء، فى زحام أكثر غزارة وهرج أكثر صخبًا. وإذن فإلى الماء نفسه.. لكن من أين وقد حالت دون ذلك حوائط وأبنية كثيرة لأجهزة الحماية.. حماية الماء.. حماية الشاطيء.
فليتطلع إلى السماء إذن.. لكنها شيءٌ لا يُرى.. عادم السيارات، وبُخار الأسفلت، كثير من الضباب.
هل..؟
هل يزهق ويستسلم للاحباط؟ أبدًا.. أمر مُستحيل، وخاصة أنه هو من هو!
تنبه. خطر له أن يوقف أيًا من السائرين المُتزاحمين ليبدأ بالقول له، بدلًا من أن يظل، هكذا، كالمعتوه يُكلم نفسه. مد يده مستوقفًا أول عابر بجواره، إلا أنه أزاح يده عنه بعصبية شديدة: الله يحنن عليك.
آخر، مذعورًا: إوعى تمد إيدك علي، مش ناقصك. غيره: أحكم يديه على جيوبه.. وانفلت جاريًا..
وقف مشدوهًا يُحملق فى وجوه السائرين. كثيرون منهم، بشكل طبيعى يُكلم نفسه.. قليلون يتحدثون بعضهم لبعض فى آن واحد بصوت عال.. واحد فقط رآه عن بُعد واقفًا فوق حجر رافعًا يديه مُقاطعًا كفيه ببعضهما مُشيرًا إلى نُقطة نظام!