الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

بعد هجوم "ستراسبورج".. احتفالات أعياد الميلاد في مرمى "داعش"

حادث ستراسبورج
حادث ستراسبورج
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنتشر مخاوف واسعة في أوروبا، من أن حادث إطلاق النار، الذي وقع مساء الثلاثاء قرب سوق الميلاد، الذي يرتاده ملايين السياح كل عام، في مدينة ستراسبورج شرق فرنسا، والذي تم التعامل معه على أنه عمل إرهابي، قد لا يكون الأخير، خاصة أن تنظيم داعش الإرهابي يئن تحت هزائم موجعة في العراق وسوريا، وطالما وجد في احتفالات أعياد الميلاد فرصة سانحة لتنفيذ هجمات إرهابية توقع العشرات من القتلى والجرحى. 
ويضاعف من مخاوف الأوروبيين، أن الإجراءات الأمنية المشددة، التي تم اتخاذها لمكافحة الإرهاب، لم تستطع القضاء على الذئاب المنفردة، التي تعتنق فكر تنظيم داعش الإرهابي، وتتحرك في أغلب الأحيان بشكل عشوائي ومفاجيء، ودون تنسيق مع قيادة التنظيم، ما يجعل التعرف عليها، من قبل الأجهزة الأمنية، أمر بالغ الصعوبة.
وبالنسبة لفرنسا، يزداد الوضع سوء، بسبب احتجاجات حركة "السترات الصفراء"، التي تجتاح البلاد وتخللتها أعمال عنف واسعة، الأمر الذي أنهك قوات الشرطة، وقد يكون أوجد ثغرات أمنية، استغلها "ذئاب داعش".
وقتل 4 أشخاص، وجرح 11 آخرون على الأقل، في حادث إطلاق النار الذي وقع مساء الثلاثاء في مدينة ستراسبورج في شرق فرنسا، ووقع الحادث قرب سوق الميلاد، الذي يرتاده ملايين السياح كل عام، وحسب الشرطة الفرنسية، فإن المهاجم فر من موقع الحادث.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير تحديد هوية مطلق النار في ستراسبورج، قائلا: "معروف لدى الأجهزة الأمنية بنشاطه الإجرامي"، كما أفادت مصادر الشرطة الفرنسية أن اسم منفذ الهجوم مدرج في قائمة "إس" التي تضم الأشخاص الذين يشكلون خطرا على أمن فرنسا.
وتم فتح تحقيق في الحادث، وتعاملت الشرطة الفرنسية مع الهجوم كعمل إرهابي، وحسب التقارير الإعلامية، فإن منفذ الهجوم هو شاب من مواليد مدينة ستراسبورج وعمره 29 سنة، ولم يتم الكشف عن أي تفاصيل عن هويته رسميا.
وسوق الميلاد في ستراسبورج معلم سياحي يجذب ملايين السياح سنويًا، ويتم فيه بيع مستلزمات احتفالات عيد الميلاد، وأفادت "فرانس 24 "، بأن وحدات عسكرية خاصة لمكافحة الإرهاب انتشرت في السوق بعد حادث إطلاق النار في 11 ديسمبر، وسيرت الشرطة بشكل منتظم دوريات بين 300 من الأكشاك الخشبية في السوق.
ورغم تشديد الإجراءات الأمنية كل عام في أوروبا بمناسبة احتفالات أعياد الميلاد، إلا أنه في 19 ديسمبر 2016، اقتحم تونسي يدعى أنيس العامري "23 عاما" بشاحنته سوقا لأعياد الميلاد في العاصمة الالمانية برلين، أوقع 12 قتيلا دهسا، وتبناه داعش.
ويبدو أن ما حدث في 2016 في ألمانيا، وأخيرًا في ستراسبورج بفرنسا، كشف بوضوح أن القارة العجوز لا تزال تواجه خطرًا إرهابيًا داهمًا، ويجب الإسراع في وضع خطة أوروبية متكاملة للتصدي لآفة الإرهاب، تتمثل في القضاء على الأسباب، التي تغذي التطرف ويستغلها داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، وأبرزها، معالجة مشكلة عدم الاندماج التي تعاني منها الجاليات المسلمة في أنحاء القارة، ووضع حد لظاهرة "الإسلامو فوبيا"، التي تركز على نشر الخوف من الإسلام، ومحاولة تشويهه، وإذكاء العنصرية ضد المسلمين، رغم أن الارهاب لا دين له.
ورغم أن هناك عددًا من الأسباب الأخرى، التى يبرر بها الإرهابيون، استهداف فرنسا، أبرزها استعمارها فى السابق دولا عربية ومسلمة، ومشاركتها فى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وقرارها حظر النقاب في الأماكن العامة، إلا أن عدم دمج المهاجرين العرب والمسلمين في المجتمع الفرنسي، يبدو السبب الرئيسي، الذي ساعد التنظيمات الإرهابية في اختراق هذه الدولة الأوروبية بشكل متكرر، خاصة أنها تضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا، تقدر بحوالي ستة ملايين، يتركز معظمها في ضواحي باريس، وتعاني أوضاعا اجتماعية واقتصادية مزرية، منها انعدام السكن المناسب، وانتشار البطالة بين الشباب.
ولعل أعمال العنف، التي اندلعت في ضواحي باريس في خريف ٢٠٠٥، تم خلالها حرق سيارات وممتلكات، وتخللها اشتباكات مع الشرطة، دقت ناقوس الخطر في هذا الصدد، لأنها أظهرت أن هناك بالفعل مشاكل في الاندماج داخل المجتمع الفرنسي، وهذا هو المناخ المثالى لنمو الإرهاب وتزايد عدد المتطرفين، إلا أنه لم تحدث أي خطوات جدية على أرض الواقع لحل هذه الأزمة، وهو ما شجع تنظيم داعش على استباحة الأراضي الفرنسية.
ومنذ ٢٠١٥، شهدت فرنسا، العديد من الهجمات الدامية، من قبل الذئاب المنفردة والخلايا النائمة التابعة لداعش، التي اتبعت أوامر زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، وأبومحمد العدناني المتحدث السابق باسمه.
ففى وصية للمتحدث الرسمي السابق للتنظيم، أبومحمد العدناني، المقتول فى أغسطس ٢٠١٦، إثر غارة جوية نفذتها قوات التحالف الدولي بمدينة حلب السورية، قال مخاطبا ذئابه المنفردة في تسجيل صوتي في ٢٠١٤ "ابذل جهدك في قتل أي أمريكى أو فرنسي، فإن عجزت عن العبوة أو الرصاصة، فانحره بسكين، أو اقذفه من شاهق، أو ادهسه بسيارة".
ولم يتأخر تنفيذ الوصية السابقة، إذ شهدت فرنسا، وعاصمتها باريس، التي يطلق عليها "عاصمة النور"، هجمات كثيرة من أشهرها، تلك التي وقعت في ١٣ نوفمبر عام ٢٠١٥، واليوم الدامي الذي عاشته باريس حينها، عندما استهدفت عدة هجمات متزامنة ستة أماكن حيوية في العاصمة الفرنسية وضواحيها، بما فيها ملعب "استاد دو فرانس" لكرة القدم، ومسرح "الباتاكلان"، ما أسفر عن مقتل ١٣٠ شخصًا، وجرح ٣٦٨ آخرين، وهي الأحداث الأكثر دموية في تاريخ فرنسا.
وفي ١٤ يوليو ٢٠١٦، نفذ أحد عناصر تنظيم داعش عملية دهس في مدينة نيس الفرنسية مستغلا التواجد الكثيف للمواطنين في الشوارع للاحتفال بالعيد الوطني، ما أسفر عن مقتل ٨٦، وإصابة ٣٠٠ شخص.
وقام تنظيم داعش أيضًا بمحاولة لاستهداف بطولة أمم أوروبا، التي أقيمت في فرنسا عام ٢٠١٦، بالإضافة إلى محاولة لاستهداف ملعب حديقة الأمراء أثناء مواجهة بين فريق باريس سان جيرمان وبوردو، حضرها حوالي ٥٠ ألف مشجع.
وفي أعقاب هجمات باريس في 2015، شددت فرنسا الإجراءات الأمنية، وفرضت أيضًا حالة الطوارئ، وذكرت صحيفة "لوموند"، أن قانون "الإرهاب" الفرنسي، الأشد في أوروبا، ورغم ذلك، لم تتوقف الهجمات في البلاد، بل زادت وتيرتها بشكل مخيف.
ويزيد من احتمال وقوع هجمات جديدة في فرنسا، أن "داعش" كثف منذ بداية 2018 من نشر الإرشادات لذئابه المنفردة حول كيفية تنفيذ عمليات إرهابية في القارة الأوروبية، كما نشر فى فبراير الماضى مقطع فيديو جديدا بموقع "التليجرام"، بعنوان "ونراه قريبًا.. فتح باريس"، يتضمن مشاهد وهمية لاقتحام باريس، وبرج إيفل، أشهر معالمها السياحية.
وبالإضافة إلى ظاهرة عدم الاندماج، التي توفر مخزونا بشريا للتنظيمات الإرهابية، تعاني فرنسا من أن أكبر عدد من الأوروبيين الذين انضموا لداعش في سوريا والعراق كانوا من رعاياها ويقدرون بحوالي 900 عنصر، ما يهدد استقرارها في الصميم، إذ تنتشر مخاوف واسعة من أن يقوم الفرنسيين الدواعش، العائدين من ساحات القتال فى سوريا والعراق، بتنفيذ عمليات إرهابية أكثر وحشية، للانتقام من الهزائم العسكرية، التى تلقاها داعش فى مختلف المناطق، التى كان يسيطر عليها، إضافة إلى الخشية من أن تساهم هذه العناصر، فى زرع خلايا نائمة جديدة في المجتمع الفرنسي.