رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"فردقان".. يوسف زيدان يستدعي الماضي لاستذكار آلام الحاضر

الدكتور يوسف زيدان
الدكتور يوسف زيدان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتخذ الدكتور يوسف زيدان من التاريخ مادة لرواياته، ربما لكثرة الشخصيات التاريخية، أو المساحة الكبيرة بين المؤرخين حول هذه الأحداث وتأويلهم لها، وهو ما يستوى الباحث المتخصص في التراث العربي، في أحدث رواياته "فردقان..اعتقال الشيخ الرئيس" الصادرة حديثًا عن دار الشروق، يتناول فيها "زيدان" سيرة الطبيب اباعلى الحسين بن عبد الله بن سينا.
ورغم نبوغ " ابن سينا" في مجال الطب وذيوع شهرته في سن مبكر، إلا إن العرب لم يعرفوا له سوى كونه ملحدًا وهو ما تنفيه رواية فردقان، بل ويجد زيدان تفسيرًا منطقيًا لذيوع هذا الادعاء، وهو رغبة "ابن سينا" العمل بالطب وليس الدعوة للدين، مخالفًا بذلك رغبات والديه، فقد رأي الشيخ الرئيس أن العلم هو الذي يجمع بين الناس وينجو بهم من التعصب. وهب ابن سينا نفسه وعلمه الذي تلقاه من كثيرين وعلى رأسهم طبيب مسيحي، لمساعدة وعلاج الفقراء والمساكين من المسلمين وغير المسلمين (المسيحين واليهود والوثنيين..) وهو سلوك نبيل لا يعرفه المتعصبون في زمن ابن سينا أو غيره.
بالطبع تختلف الرواية عن الأبحاث التاريخية، حيث يوجد في الأولى مساحة كبيرة للخيال والذي ربما يبعد عن الحقيقة. تبدأ أحداث الرواية بالقبض على ابن سينا في قلعة "فردقان" بناء على رغبة الأمير ويلقى ابن سينا الرعاية الكاملة خلال فترة اعتقاله، ثم يتذكر خلاله إقامته ما مر به من أحداث وما شهده من أهوال، من نشأته وتعلقه بالعلم وحبه لـ"سندس" المرأة الأرملة التي شغف بها ابن سينا ولكن رفض امه "ستارة" لزواج ابنها منها دفعها للانتقام من ابن سينا حيث اتخذت لها رجال من العبيد يقومون على راحتها فكتب فيها كتابه " الآثم" ينصرف ابن سينا طيلة سنوات عن النساء إلى العلوم الفلسفية والرياضيات والطب وغيرها، حتى تعرف إلي "روان" قدمها له أحد الأشخاص ردًا على شفاء ابنه من مرض عضال، عاش معها "ابا علي"أياما هانئة قبل أن يعكر صفو هذه الأيام العسكر الذين قاموا باقتحام بيته وسرقة أمواله ومحتوياته ومن بينهم "روان" جاء هذا الاعتداء ردًا على كتابه الذي يضع فيه الطرق الصحيحة للتعامل مع العسكر والجند حيث كان ينصح ابن سينا بضرورة معاملتهم بما يليق فلا يجوز إكرامهم كثيرًا أو بخس حقهم أيضًا كما يجب إبعادهم عن التجارة.
في محبسه بقلعة فردقان يعكف ابا الحسين على انهاء كتابه "القانون في الطب" وكذلك كتاب " الاشارات والتنبيهات"، وفي محبسه يتعرف على "ماهتاب" الفتاة التي تسلك سلوكًا مخالفًا لما هو متعارف عليه في هذه الفترة، فهي فتاة تحب العلم والمطالعة وقراءة الكتب وتعكف على تطبيب النساء وكذلك تنوي التأليف ولا ترى أن هناك رجلًا كفأ لها حتى رأت ابن سينا.
ورغم حبه وتعلقه بها، لم يعش معها حيث كانت حياته كثيرة المخاطر ولا التغييرات ولا تعرف الاستقرار حتى تم اغتياله على يد العبيد الذين قاموا بدس " الأفيون" في عقاقيره ففرض ابن سليم علاج نفسه أو ربما أراد أن تخرج روحه إلى بارئها. يلقي "زيدان" الضوء من خلال الرواية على الأوضاع السياسية لهذه الفترة والخلافات بين المذاهب المختلفة وكيف استغل كل حاكم أمارة العلماء والفلاسفة في تقوية حكمه.
الأراء التي يوردها "زيدان" على لسان ابن سينا خلال الرواية تبدو وكأنه يمارس تنويرًا على طريقته الخاصة، فما أعتقد فيه " ابن سينا" من أراء وما تبناه من مواقف قبل ما يزيد عن ألف عام، وربما هي أراء يتنباها زيدان نفسه، لا تزال موضوع جدال وخلاف حتى يومنا هذا، أكدت مواقف "ابن سينا" على قبوله للآخر والتأكيد على حرية الأفراد وحقهم في التعبير عن ما يروق لهم من أراء وأفكار وما يعتنقوه من عقائد والمساواة بين الجميع باختلاف لونهم وجنسهم وعقائدهم.