الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

"الحِسبة" أولى خطايا الإخوان.. "البنّا" طبقها لفرض وصايته على المصريين.. و"داعش" ينفذ الفكرة بعد 90 عاما وعيّن وليا لها.. ومؤسس الجماعة أنشأ جمعية الأخلاق الأدبية 1928 وتحولت إلى هيئة الأمر بالمعروف

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع أيامه الأولى بالمدرسة الإعدادية، التقى الصبى «حسن» ذو العشرة أعوام، بـ«محمد أفندى عبدالخالق» مدرس الحساب والرياضة بالمدرسة، وجلس المعلم يتحلق حوله تلاميذه، مقترحًا أن يؤسس طلابه جمعية مدرسية يسمونها «جمعية الأخلاق الأدبية»، يكون هو المشرف عليها ويضع لائحتها، ثم يختار من بين الطلاب من يمثلون مجلس إدارتها، التى تلخص عملها فى مراقبة تصرفات الطلاب، وتطبيق غرامة لمن سب زميله، وتتضاعف الغرامة إذا تطاول الطالب على أبويه، ومن يمتنع عن التنفيذ يقاطعه زملاؤه.

لم يخطر ببال «محمد أفندي» أنه يربى أول أجيال القرن العشرين على نظام «الحِسبة»، الذى يطبقه تنظيم «داعش» بعد نحو مائة عام، إذ اعتمد التنظيم الإرهابى الذى ظهر بالعراق عام ٢٠١٣، على تعيين ما يسمى بـــ«ولى الحسبة»، والذى يختار عناصر من التنظيم لمراقبة أحوال الناس ومن يخطئ يتم تطبيق الحدود الشرعية عليه، والتى قد تكون بقطع اليد أو الرجم وربما القتل.
وقع اختيار رئيس مجلس إدارة جمعية «الأخلاق الأدبية» على الطالب «حسن أحمد عبدالرحمن البنّا» الذى أسس فيما بعد جماعة الإخوان عام ١٩٢٨، وقال «البنا» فى سيرته الذاتية المعنونة بـ«مذكرات الدعوة والداعية»: (حاكمت الكثيرين على مخالفات وقعت منهم، وجمعت من الغرامات مبلغًا لا بأس به، كنا ننفق بعضه فى تكريم زميل، أو تجهيز ميت غريب غريق ألقى به النيل إلى جوار سور المدرسة).
وكان رقيبًا على أقرانه فى المدرسة، فمن لم يؤد الصلاة فى وقتها يحصل منه على غرامة، مطالبًا بتطبيق هذا النموذج فى المعاهد الدينية والمدارس.
يمضى «البنا» ساردًا أثر تلك الجمعية على تنشئته؛ فهى التى دفعته للإبلاغ عن صاحب إحدى السفن، بعدما لاحظ خلال سيره بقرية المحمودية التى نشأ بها، أنه يضع تمثالًا خشبيًا عاريًا على سارى السفينة، فذهب إلى ضابط نقطة الشرطة وأبلغه عما رآه.

وبحسب كتابات «مؤسس الجماعة»، فقد استجاب الشرطى لطلبه وهدد مالك المركب وأمره بأن ينزل التمثال على الفور، ومن الدلائل على دور «البنا» فى التأصيل لنظام «الحسبة»، يقول: «حضر الضابط صباح اليوم التالى وأخبر الناظر بما فعلته، وأذاع النبأ فى الإذاعة المدرسية، مشجعًا الطلاب على إنكار المنكر والإبلاغ عنه على الفور».
لم يكتف «البنا» الذى عمل بمهام «ولى الحِسبة» بدور «جمعية الأخلاق الأدبية فقط»، بل تطورت إلى تأليف جمعية إسلامية داخل المدرسة، أطلق عليها جمعية «منع المحرمات»، إذ كان اشتراك العضو بها بين ٥ و١٠ مليمات أسبوعيًّا، ووزعت مهامها على الأعضاء، فمنهم من تولى تحضير نصوص تحذيرية، وكتابة خطابات، وآخرون كانوا يكتبون تلك الرسائل بالحبر ثم طباعتها، وأخير يتولى مسئولية توزيعها.
توزع رفاق «البنا» على الشوارع وملأوا الطرقات، يتلصصون على العباد؛ فمن علموا أنه أفطر فى نهار رمضان، أو ارتدى حليًا ذهبيًة، أو لم يخشع فى الصلاة، يصله خطاب شديد اللهجة ينهاه عمّا فعله، إضافة إلى انتشار هؤلاء الصغار فى المآتم، يراقبون النسوة، فمن لطمت وجهها أو شقت ملابسها، أرسلوا خطابًا لزوجها أو وليها.

ويبرر «البنا» اللجوء للأطفال فى توزيع الخطابات، رغم إمكانية تعرضهم للخطر، بأن صغر سنهم وعدم التفات الأنظار إليهم أو وقوع الشبهة عليهم، كان يسهل عليهم الوجود فى كل الأماكن، دون أن يأخذ الناس حذرهم من هؤلاء الصبية، حتى الشيخ الكفيف الذى ساعد «البنا» على حفظ القرآن فى «كُتّاب» قريته ويدعى «محمد زهران»، لم يسلم من تلك الجمعية، إذ قالوا إنه حدثت منه بعض المخالفات الشرعية؛ وطالبوه بالابتعاد عن المكروهات.
ستة أشهر هى عمر أول «هيئة أمر بالمعروف ونهى عن المنكر» تعرفها مصر، فقد استمر عمل جمعية «منع المحرمات» نصف عام بأكمله، حتى انفضح أمرها بعد أن أمسك صاحب مقهى بفتى حاول وضع خطاب له أسفل الباب، ينهاه عن اصطحاب راقصات إلى بيته أو المقهى، فأمسك به ودلّ الناس عليه، وفور بلوغه الرابعة عشرة، قرأ «البنا» لـ«حسنين الحصافى شيخ الطريقة الحصافية (طريقة صوفية انضم لها البنا فى بداية حياته)، الذى استزاد منه «مؤسس الجماعة» فيما يخص الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إذ عدّد «البنا» فى «مذكرات الدعوة والداعية»، ما مارسه «الحصافى» من تصرفات، منها أنه لطم رجلا على وجه حينما رآه ينحنى لـ«رياض باشا» (رئيس وزراء مصر فى الفترة بين ١٨٧٩ و١٨٩٣)، ومرة أخرى أنه حطّم تمثالًا خشبيًّا موضوعًا على مكتب أحد الموظفين، إضافة إلى تعنيف الخديو توفيق (سادس حكام مصر من الأسرة العلوية، حكم منذ ١٨٦٣ حتى ١٨٧٩)؛ الذى ألقى عليه «الحصافى» التحية فأومأ برأسه ردًا عليه؛ مما أغضب الشيخ.
تلك المرحلة من عمر مؤسس الجماعة، ساهمت بصورة كبيرة فى تشكيل شخصية فرد يهوى العمل السري، وجمع الاشتراكات وفرض الغرامات، ومحاسبة الناس على أفعالهم، إضافة إلى الزجّ بالصغار فى مهام تمثل خطورة عليهم، مثل حمل الخطابات وتوصيلها للمخالفين- من وجهة نظره، وهى المبادئ التى نقلها تنظيم «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى عن الإخوان؛ سواء فى تطبيق نظام «الحِسبة» أو تجنيد الأطفال وغير ذلك.

وعرفت مصر «الحِسبة» مجددًا، بعد وصول الإخوان إلى سدة الحكم عام ٢٠١٢، إذ انتشر مجموعة من الشباب فى المدن والقرى يطالبون بإقامة الحدود، فشهدت الدولة فى تلك الفترة القصيرة، عدة حالات منها مقتل شاب فى محافظة السويس عام ٢٠١٣، بعدما رآه هؤلاء الشباب يجلس مع خطيبته، إضافة إلى مشاجرة أخرى انتهت بالتعدى على قبطى وإصابته فى رأسه، وأطلقت هذه المجموعة على نفسها «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، أسسها شاب يدعى «هشام عشري».
وبعد الصمت الإخوانى تجاه «الأمر بالمعروف»، وعدم اتخاذ موقف حاسم من الهيئة التى أعلن عنها رسميًا خلال حكم الجماعة، قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن مسئولية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى المجتمع تقع على الدولة، ولا دخل للشعب أو الأفراد بها؛ منعًا لانتشار الفوضى ولتحقيق الاستقرار بالمجتمع.