الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بوقالات عويشة "2-2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بادرتنى الرائدة الإذاعية عويشة الخريف صاحبة الإصدار الثانى حول البوح الشعرى الأنثوى بعد إصدار الشاعرة كريمة الشماخى «البوقالة فى الموروث الشعبى الليبي» بملاحظاتها عنه: بدءًا من العنوان، ثم محتوى الكتاب، ومن ذلك ما ورد عن: أوقات البوقالة، والتحويرات الحاصلة فى النص، وبعض شروح المفردات، وقد شاركتها صديقتها الصحفية والأديبة نادرة العويتى ذات الملاحظات، وفى ظنى أنها من ساهمت فى دفعها وتشجيعها على توثيق مخزونها من البوقالات الطرابلسية وكنت قد تشرفت بكتابة مقدمته، وحين أعلمتها بتأويلى لمفردة بوقالة: أن: البو= الأب، وهو لفظ دلالته تُشير إلى مالكها، (القالة، القول) وربما كان المُلقى الأول لهذه الأبيات ذكرا !، ثم تحولت ملكيتها إلى المرأة مع الإبقاء على التسمية (البو قالة)، فمتنها شُغله الشاغل والمخاطب فيه الرجل، وإن كان الخطاب فى طقسه أحادى الوُجهة من المرأة إلى المرأة، وقد أفادتنى السيدة عويشة بتفسيرها لمعنى البوقالة الذى ينحو إلى وظيفة البوقالة أداة الشرب (جرة فخارية) فحكاية صوت ثقوبها (بق بق بق)، وخصوصية علاقة الفم بها (أداة البوح السري)، وهو ما يتفق مع إشارة الشاعرة كريمة من أنه قد تكتب الراوية (رغم أن التعليم للمرأة كان مُستبعدًا) أشعار البوقالة، وتضعها فى إناء من الفخار (البوقالة) بعد أن تُبخر المكان بشكل جيد، وهو تفسير يقارب معنى (البوقالة) النسوية الجزائرية.
والبوقالة: نص شعرى شفاهى نسوي، له طقسه الخاص كما هو شعر نساء الطوارق، أو نساء البشتون الأفغانيات، يعبر عن مكنون وجدانهن، فيكون البلسم المداوي، والرسالة التى تبثها لواعج الحب، والشجن، وشكوى الحنين والغياب والفقد، ونص البوقالة نص عفوى بسيط يُنظر إليه من خلال سياقه الزمانى والمكاني، الذى أفرز وضع المرأة الاجتماعى والاقتصادى بما عانته من كبت، وتغيب، وضيق عوالمها، وفى رأييّ أنه يُحسب لها دفاعًا عن تلك الأوضاع ما باحت به عبر متن مُختلفِ فنونِ القول، من شعر، وحكاية، ومثل... وغيرها، ففى نص البوقالة (كمثال) ومن خلال قراءة انطباعية لمخزون ذاكرة استعادية، لما وثقته مشكورة السيدة عويشة التى تعلن أن موطن البوقالة مدينة طرابلس وضواحيها وفيها نلحظُ إعلانًا للتمرد، وجرأة فى الخيارات الحياتية بما يخالف المألوف الاجتماعى السائد، فالقائلة تستدعى حبيبها لنبذ واقع سائد، والدعوة تبدو استفزازية متحدية، وسأشير هنا إلى أن السيدة عويشة تحرجت من نشر بوقالات أكثر جرأة وبوح بواعز سببه على الأغلب اجتماعي، رغم نُصحى لها بتوثيق يشمل الإحاطة بأى نوع من بُنى البوقالة، فالجرأة مُبررها أن المستقبل والمرسل لنص البوقالة هى المرأة، وهو أدبها بخاصة، ففيم الحرج ومن من!!، وفيما يلى نماذج تطرح كثيرًا من مما يعكس انشغالاتها، ورأيها فى الحياة التى عاشت فى كنفها:
(حوشنا فى الجبل/ حبنا ف أسفل / بوى حبسنى وما لقيت من نرسل / نرسلك خاتم دهب فى عنق حمامه/ ونتلاقوا فى سقيفة الحمام/ نبوس خدك الوردى/ ونصيم سبعة أيام)، (ناسنا حزار/ وجيرانا فُطان/ دير روحك حنش/ وتعالى على السيسان/ نشبحك يا غالى من شقوق البيبان).
وفى البوقالة أيضا اقتراب من المحظور السياسى والدينى الجمعي: (يا قلب خيرك تخمم / وخيرك مجور عليا / حتى الباشا تحول/ وجت مكانه الرعيه).، (اللى يحبك حبه / ووريه الحب كيف يكون/ واللى يكرهك أكرهه / ولو جد بوه شريف).
وما يلفت الانتباه أيضا ورود (البحر) كوسيلة لهجرة الحبيب، إذ هو عندها ليس المعادل للسلام والطمأنينة، بل للغياب والفقد: (سولتكم يا بنات ما تاخدو البحرى / يشيع القلعات / ويخلى الدمع يجري) وهو نداء ودعوة بأن لايتزوجن رجل بحر لانه لن يعود!، ولن نُغيب أيضًا جماليات تفاصيل الأمكنة التى تعج بها البوقالات، ولعل فيها ما يشى بملامح البيت الطرابلسى بكل ما فيه، وملابس وزينة المرأة، والرجل أيضًا، كثيرًا ما استمتعت بصوت السيدة الرائدة الإذاعية عويشة الخريف وهى تترنم بالبوقالة وتمنحها معناها وإيقاعها المرتبط باللهجة الطرابلسية، وأتمنى أن يحظى محبو ومحبات البوقالة بتسجيل صوتى مرفق بالكتاب التوثيقى الذى جرت طباعته بالقاهرة مؤخرًا، ونتمنى أيضًا أن ينال حقه من الدراسة والبحث كنص نسوي.