الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"قنديل أم هاشم".. رائعة يحيى حقي التي ترصد صراع الحضارات

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نالت قصة "قنديل أم هاشم" التي كتبها الروائي الكبير يحيى حقي تقديرا كبيرا على مستوى القراء والنقاد معا، وقد ناقش خلالها صدام الحضارات ولا سيما الشرقية والغربية، وتصارع القيم والعادات المتوارثة مع الوافد من بلاد الغرب.
حقي، والذي تحل ذكرى وفاته اليوم الأحد، كان قد كتب قصته التي تم تحويلها إلى فيلم سينمائي في العام 1968 على يد الكاتب صبري موسى والمخرج كمال عطية، ومن بطولة شكري سرحان وسميرة أحمد.
يمكن تصنيف" قنديل أم هاشم" من ضمن تيار قصصي الذي تناول الصراع الحضاريّ، وعبر عن أزمة التفاعل مع الحضارة الغربية والموقف المذبذب منها.
تدور أحداثها حول الشاب إسماعيل الذي سكن أبـوه التاجر الحاج رجب حي السيدة زينب، وكان يتمنى أن يكون ابنه طبيبـًا ناجحا ويحظى بالشهرة التي يتمناها الجميع، لكن ابنه الذي كان دائم التفوق في سنوات الدراسة لم يوفّق في الحصول على مجموع كبير يؤهله لدخول كلية الطب التي تمنى أبوه أن يلتحق بها، وضحى الأب بقوت العائلة ليرسله إلى أوروبا لكي يدرس الطب هناك.
يرحل الابن إلى أوروبا ليعيش هناك سبع سنوات، وينجح في الطب لدرجة ينال بها إعجاب أساتذته جدًا، ويجري الكثير من العمليات الصعبة بنجاح، والذي كانت النواة لجني ثمار النجاح الذي عاش حالما به.
تعرف هناك على "ماري" التي كانت بوصلته للتعرف على مباهج الحضارة الأوروبية، ولذاتها المحرمة في بلاده، ويكتشف أن هناك عالمًا غريبًا عن عالمه الشرقي، وتتغير نظرته إلى الحياة، وتتأثر معتقداته الدينية، فبعد أن كان يؤمن بالله إيمانًا عميقًا أصبح مؤمنًا بالعلم فقط، ولم تعد الآخرة تشغله قدر انشغاله بالطبيعة والحياة، وما تقع عليه الحواس، وهو ما يخالف تعاليم الحضارة الشرقية.
يعود الابن ليكتشف أن مجتمعه غارقٌ في الجهل والخرافة، يكره رضا المجتمع واستسلامه للعادات والتقاليد المتخلفة، ويغضب كثيرًا، لأن الجهل والخرافة قد امتد ليطل ابنة عمه، فاطمة النبوية التي تضع لها أمه قطرات من زيت البترول المأخوذ من قنديل أم هاشم في عينيها، معتقدة أنه قادر على شفائها، وعندها يثور الشاب، ويحاول تحطيم قنديل أم هاشم، ويصطدم بالجماهير التي تضربه ضربًا عنيفًا كاد يفقده حياته.
وعلى جانب آخر يفشل في علاج ابنة عمه من المرض، بل ويسبب لها العمى التام، رغم أنه عالج حالات أصعب منها في أوروبا! ويقرر الشاب اعتزال المجتمع، ويعيش فترة في تأملاته وأفكاره، ثم يقوده التفكير إلى طبيعة الشعب المصري الخالدة التي لا تتغير رغم مرور الكثير من الغزاة عليه، ويعود إليه إيمانه، ويتزايد إعجابه بهذا الشعب.
يفتتح عيادة طبيّة يخصصها لعلاج الفقراء والبسطاء، ولا يتقاضى منهم أجرًا كبيرًا، ويكتسب حب الناس شيئًا فشيئًا، وبعد عمر مديد يموت، ويتذكره أهل الحي بالخير، ويستغفرون له.
وتهدف القصة في النهاية إلى رأب الصدع الناجم بين الحضارتين العربية والغربية من خلال تصالح الابن الذي رجع من أوروبا مع عادات وقيم مجتمعه الشرقي. 
قنديل أم هاشم تتضمن العديد من القضايا الفرعية التي تم مناقشتها مثل: الصراع بين الأصالة والمعاصرة، بين القيم الشرقية العتيقة وتبعاتها الثقيلة، والحضارة الأوربية المُبهرة بما تتضمنه من كرامة الإنسان وحريته؛ فضلًا عمّا تحمله من تقدم علمي لا مثيل له.
يمكن اعتبار هذه الرواية رواية رمزية؛ لأن" السمة المميزة لقصة الحدث الرمزي أنها قصة تكتب أساسًا من أجل تقديم موضوع ما تقديمًا دراميًا، ومن هنا حكم الكاتب موضوعه وفكرته قى إطار درامي قصصي رمزي من خلال الشخصيات التي تعبر كل منها عن جانب يرمز إلى جانب محدد من جوانب الفكرة الدلالية.
فقد أخذ قنديل أم هاشم رمزًا للعادات والتقاليد الموروثة المتأصلة، أو رمزًا للثبات والتحجر أمام الموروث دون أدنى محاولة للتطور، وذلك عندما وصف الكاتب القنديل بأنه أبدي ومتعالٍ على كل صراع، يقول يحيى حقي عن قنديل أم هاشم:" كل نور يفيد اصطدامًا بين ظلام يجثم، وضوء يدافع، إلا هذا القنديل بغير صراع".