الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بلد الحريات «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحدثنا الأسبوع الماضى عما يدور داخل فرنسا من أحداث جذبت الكثير منا لمتابعتها، ورغم ما نقوله دائما بأن من الضروري قراءة الماضى واستيعابه لفهم الحاضر وتوقع المستقبل، فإننى أحيانا ما وجدت أنه من الصعب قراءة الحاضر بقوانين الماضى أو العكس، ففى عالم السياسة تفرض الوقائع نفسها والظروف السياسية والاقتصادية، فقد جاءت الاحتجاجات هذه المرة مختلفة عن السابق، مع الأخذ فى الاعتبار أن فرنسا دولة ديمقراطية واجهت من قبل إضرابات واحتجاجات، لأسباب فئوية ومطالب اجتماعية أو اقتصادية، وكثيرا ما تكون القرارات الاقتصادية سببا فى إثارة الاحتجاجات.
لكن الاحتجاجات هذه المرة تأتى فى ظل أزمات اقتصادية تعبر العالم، وصراعات سياسية حتى داخل حلف الناتو، وبين فرنسا وألمانيا من جهة، وأمريكا من جهة أخرى، يضاف إلى ذلك أن الصراعات والحروب التى شهدها الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة تلقى بظلالها، وتشير إلى أن عائدات صناعة وتجارة السلاح الأوروبى لم تعد تكفى لتعويض ما تلتهمه الحروب من مليارات تحترق لتخلف تضخما وفراغا وتضيع فرصا استثمارية.
وعليه؛ فإن ما يجرى فى فرنسا، لا يمكن تشبيهه بأحداث ١٩٦٨ التى عرفت بـ«ثورة الشباب»، وكانت حركات تواجه أبوية شارل ديجول، والتى تشكلت من شباب اليسار الذى تبلور من السبعينيات فى اليسار الأوروبى الجديد، وكانت أبرز علاماته فرانسوا ميتران الذى شغل الرئاسة الفرنسية من ١٩٨١ حتى ١٩٩٥، وهى أطول فترة يشغلها رئيس بعد ديجول، وبالرغم من أن مظاهرات ١٩٦٨ استمرت لفترات أطول؛ فإنها لم تشهد كم العنف والصدام الذى شهدته احتجاجات السترات الصفراء، كما أن حركة الشباب كانت تقدم قيادات مختلفة وتمت فى ظل وجود مفكرين كبار مثل جان بول سارتر، ومولد مفكرين مثل هربرت ماركوز، الذى أنتج كتابات عن الإنسان ذى البعد الواحد، وأنتجت فرنسا أفكارا تعالج مشكلات التسلط التى نتجت من تطبيق النظريات الاشتراكية خاصة فى الاتحاد السوفيتى، وعلى العكس تفتقد مظاهرات السترات الصفراء إلى زعامات وتشهد كثيرا من علامات الفوضى، والتدمير، ويصعب تحديد قيادات واضحة، فضلا عن خطأ التعميم فى التعامل مع الأحداث باعتبارها من تنظيم اليمين أو اليسار، مع وجود تنويعات من الطبقة الوسطى، وفئات من المهمشين والفقراء الذين يعانون تأثيرات العولمة، فضلا عن إشارات تكررت فى السنوات الأخيرة حول تجاهل المناطق والأحياء الفقيرة فيما يتعلق بالخدمات والبنية والبرامج الاجتماعية.
وبالتالى؛ فإن ما يجرى يحمل أنواعًا من التغييرات التى تمثل نتاجا لثورة الاتصالات ومواقع التواصل، خاصة أن «فيس بوك» و«تويتر» وباقى أدوات التواصل لعبت دورا فى تنظيم المظاهرات، تماما مثلما جرى فى بلداننا العربية. 
وبالرغم من إعلان الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عن اتجاه للتراجع عن قرارات ضرائب الوقود، فقد تواصلت الاحتجاجات ولا تزال تحمل ملامح مختلفة، وهو الأمر الذى حذر منه الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ عام وشهرين بالتمام والكمال، وتحديدا فى أكتوبر عام ٢٠١٧، أثناء زيارته لفرنسا، حينما التقى نظيره الفرنسى فى قصر الإليزيه بباريس، وبحثا التعاون المشترك وملفات الإرهاب والتسوية السياسية بليبيا وسوريا.
وعقب اللقاء، عقد الرئيسان مؤتمرا صحفيا، كان اللافت فيه، سؤال لأحد الصحفيين الفرنسيين موجه للرئيس السيسى، حول ما تبقى من الربيع العربى فى مصر؟ وهنا أجاب السيسى على السؤال، بسؤال، قائلا: وهل كان ذلك فعلا «ربيعا»، وعما إذا كانت اليمن وسوريا والعراق تراه كذلك؟!
ثم حذر السيسى من إيديولوجية جماعة «الإخوان» الإرهابية، ومن استخدامها للسياسة بهدف الاستيلاء على السلطة، موضحا أن الجماعات الإرهابية كلها باختلاف مسمياتها، مثل: «حسم، القاعدة، داعش، بوكو حرام» وغيرها، تنتهج نفس الفكر القاتل، وتسعى لتدمير ليس فقط العالم العربى بل العالم بأسره.
كما أطلق الرئيس وأكثر من مرة من فوق منبر الأمم المتحدة، تحذيراته من «الفوضى الخلاقة» التى ستجتاح أوروبا، وقال نصًا: «على أوروبا أن تنتبه أن الإرهاب سيمتد إليها قريبًا جدًا».
تحذيرات الرئيس السيسى كانت قائمة على رؤية كونه رجل مخابراتى يمتلك المعلومة، بجانب الخبرة المصرية فى مكافحة الإرهاب، منذ أن تأسست جماعة الإخوان الإرهابية عام ١٩٢٨ وحتى الآن، وما من عهد إلا ولها بصمة فى إثارة الفوضى، وتدشين العمليات الإرهابية، واغتيال الرموز الوطنية، والأهم، الارتماء فى أحضان كل الدول والكيانات والجهات المعادية للوطن.
ورغم عشرات التحذيرات، منذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وحالة الدعم الأمريكى والأوروبى المطلق للعمليات الفوضوية التى تبنتها جماعة الإخوان الإرهابية، وحلفاؤها، فى مصر؛ حيث كانت كل التحذيرات تصب فى أن لا يوجد شعب بمنأى من أن تطوله نيران الإرهاب، والفوضى، إلا أن أمريكا وأوروبا أعلت من شأن مصالحها، وتعاملت بشكل براجماتى نفعى بحت، معتبرة أن الأورام السرطانية الإرهابية، ملتصقة فقط بالجسد العربى، وأن أجسادهم صحية لن تتسلل لها الأورام الإرهابية السرطانية.
وبما أن الإرهاب الأسود لا وطن له، ولا قيم تحكمه؛ فإنه تسلل إلى قلب أوروبا، عاصمة النور، باريس، وبدأ ينال بقوة وعنف من أمنها واستقرارها، ووجدنا سيناريو ما كان يحدث فى مصر على سبيل المثال، من حرق متاحف وسلب ونهب المحال التجارية، واقتحام البنوك، وأقسام الشرطة، وإشعال الحرائق، وتكسير وتحطيم المنشآت العامة، ومهاجمة الشرطة، يطبق كل أنحاء بلاد النور.
ثم سرعان ما تسللت شرارة نيران الإرهاب إلى خارج فرنسا، لتصل إلى بلجيكا ومن بعدها هولندا وإيطاليا وفى الطريق ألمانيا، لتتسع وتطول كل أوروبا.
نحن لا نتشفى، ولكن مصر، التى صدرت منذ فجر التاريخ، العلم والنور للعالم، وعلمته القيم الأخلاقية، هى أيضا التى حذرت وبح صوتها من إطلاق صيحات التحذير من خطورة الإرهاب الأسود، وطالبت كل الدول التى تساند هذا الإرهاب، أن تدينه، وتلفظه، وتحاربه، وإن لم تفعل؛ فإنه سيأتى يوم وينقلب عليها الإرهاب، ويضرب قلبها، وينال من أمنها واستقرارها، وهو ما حدث.
نحن لا نتشفى، ولكن نشاهد عظمة انتقام السماء من الذين ساندوا ودعموا الفوضى والخراب والدمار فى بلادنا، وأعطوا لأنفسهم الحق فى التدخل فى شئوننا، بإزاحة الأنظمة، والدفع بأنظمة موالية لهم، واعتبار أن الحراك الفوضوى التخريبى المدمر لأوطاننا «ربيع مزدهر»، ويجب على الأنظمة والمؤسسات الخضوع له، بينما عندما تسلل لهم هذا الحراك الفوضوى، وجدنا التعامل معه بتناقض مخيف، واعتباره تخريبا وتدميرا، وسمعنا مصطلحات من عينة أن الشارع لا يدير الدول، وأن المؤسسات تعى وتعرف ولديها تقديراتها السياسية، وأطلقت يد الشرطة ورجال الأمن لسحل واعتقال المتظاهرين.
لم نجد وسائل الإعلام الفرنسية، تبث المظاهرات على الهواء مباشرة، ولم نجد قناة الـ«CNN» تبث مباشرة، ولا «الجزيرة» تتحدث عن الربيع الأوروبى، وتخصص قناة باسم «الجزيرة مباشر فرنسا» مثلما فعلت فى تدشين قناة حقيرة «الجزيرة مباشر مصر»، للمساعدة والعون على نشر الفوضى والتخريب بوطننا، ولم نجد تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، من عينة «هيومان رايتس ووتش» و«العفو الدولية» وغيرها من المنظمات الحقيرة، تعد تقارير إدانة عنف الشرطة الفرنسية مع المتظاهرين «الكيوت»، وتندد أيما تنديد بمقتل متظاهر، ولم نسمع برلمانات أوروبا تنتفض، والبيت الأبيض، والخارجية الأمريكية، تخرج لتطالب ماكرون بضرورة تلبية مطالب المتظاهرين، واعتبار أن الشباب الفرنسى، ثائر وطاهر ونقى.
لم نجد «سيرك» سياسيا منصوبا للمظاهرات التخريبية الفرنسية، ونحن كمصريين لدينا قناعة تامة بأن ما يحدث فى فرنسا تخريب وتدمير وفوضى، وأن ما كان يحدث فى مصر إبان سرطان ٢٥ يناير ٢٠١١ يتكرر فى فرنسا، من حرق وتخريب وسرقة واقتحام السجون وتدمير المتاحف وظهور القناصة أعلى البنايات، والتعدى على رجال الشرطة، وتشويه الرموز، والتسفيه من الرئيس الأسبق.
مصر ستبقى دولة كبيرة، مستقرة، آمنة، وأن السماء ترسل لنا رسائلها العظيمة، وتقول لنا، شاهدوا بأنفسكم، كل من ساند ودعم الخراب فى بلادكم، يدفع الثمن الآن، ويذوق من نفس الكأس، وأن تحذيراتكم، ونصائحكم، كانت الحق، انظروا ما يحدث لقطر وتركيا وإيران وأمريكا وفرنسا وبلجيكا وفى الطريق ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، لنتذكر الجنرال خالد الذكر عمر سليمان، حينما قال: إن مصر ستكون واحة الأمان فى المنطقة، وسيكون كل ما حولها مشتعل ويعانى من الاضطرابات.
علينا أن ندرك قيمة الوطن واستقراره وأمنه وأمانه وألا ننساق مرة لدعاوى التخريب والهدم التى تخرج علينا من وقت لآخر تحت زعم الضيق من ارتفاع الأسعار والوضع الاقتصادى الصعب، علينا أن نعلم أن بناء الأوطان ليس بالأمر الهين أو السهل وأن الضريبة التى ندفعها فى ظروفنا الحالية أهون بكثير مما يدفعه أشقاؤنا من حولنا.. حفظ الله مصر وشعبها وجيشها
* هذا المقال كُتب قبل أن تعلن الحكومة الفرنسية إلغاء قرارات فرض الضرائب على عدد من السلع، أهمها الوقود.