الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

براعم مصر في "دفاتر الاختطاف".. ٢٢٦٤ بلاغا في القاهرة خلال 2018.. 3 آلاف و٦٣٠ عدد الأطفال المنتهكين.. أساليب مبتكرة للخطف من الشوارع ووسائل المواصلات والمدارس والحضانات والمتنزهات العامة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خرج ولم يعد، ملصقات إعلانات غطت بكثافة حوائط شوارع العاصمة، وبعض المحافظات فى الفترة الأخيرة فى صورة تدعو للقلق، الملصقات تحمل صورًا وبيانات عن أطفال مفقودين تركوا منازلهم دون رجعة، الاختفاء سماه البعض بالاختطاف المقصود من جانب عصابات محترفة فى سرقة البراعم بهدف استخدامهم فى التسول أو بهدف الاتجار فى أعضائهم البشرية، نجدة الطفل من جانبها أطلقت نفير خطر حين سجلت نحو أكثر من 2264 بلاغ اختطاف خلال العام الجارى 2018 على مستوى العاصمة فقط، كم البلاغات أفقد توازن الأسر وخَلّق حالة من الرعب بدأت تسيطر على معظم الأمهات فى ظل تساؤلات عن القادم المجهول فى قائمة الاختفاء والخطف ومصير الغائبين من البراعم والرضع.
القضية مرعبة وأخذت الكثير من اهتمام الرأى العام مؤخرًا، المسئولون يكثفون حاليًا البحث حول أسباب خطف الأطفال والأسرار الكامنة حول عصابات الاختطاف وأصابع كبار «المتسولين» فى القضية، وبحسب البلاغات الرسمية، يقع الخطف إما من خلال الشوارع أو من أمام المنازل أو المدارس والحضانات وأحيانا بالمتنزهات العامة، المراقبون رجحوا أن يكون أحد الأسباب الرئيسية لانتشار عمليات الخطف هو وجود بعض الثغرات الأمنية فى الشوارع بعد أن تبين أن أكثر من ألف طفل مختطفين من أمام منازلهم ومن أماكن عامة فى جميع أنحاء الجمهورية لاستخدامهم فى التسول أو بيع أعضائهم أو الاتجار أو الفدية خلال أقل من ٥ أشهر.
دفتر التغيب
عشرات من المختطفين فى دفتر التغيب وقوائم البحث دون نتائج، تقول والدة الطفل محمد الباز، إن ابنها تم اختطافه من أمام المنزل فى الساعة السابعة صباحا منذ ما يقرب من الأربعة أعوام، ولم يتصل بهم أى أحد ليطلب فدية أو أى شيء وما يثير العجب فى هذه القضية أنه تم حفظ محضر التغيب وتوقفت جميع التحريات، ومنذ عام تقريبا نهاية ٢٠١٧ تحديدا تم القبض على خاطف طفل آخر يدعى «عصام» وتم عرض صورة محمد الباز المخطوف من دكرنس من سبتمبر ٢٠١٥ عليه واعترف عصام أن هو الخاطف وقد باعه لسيدة تدعى «وفاء» بألف جنيه، وهذه السيدة تعمل فى نفس نشاط خطف الأطفال، وذكر عصام أن هناك طبيبًا يدعى أحمد من المطرية يساعده بسرقة الأعضاء وأنهم يسلموه أطفالا يتم خطفها ليسرق أعضاءهم، وتم اقتياد عصام لمركز شرطة دكرنس وتم استدعاء وفاء التى أنكرت كلام عصام فى المحضر الذى حمل رقم (٨١٠٧) لعام ٢٠١٥.
أسماء أبوالحارث عبدالله، حالة أخرى من المخطوفين من الفيوم، اختفت من الشارع فى ظروف غامضة، وقد قام أهلها بالبحث المتواصل يوم اختطافها على أمل أن تكون تائهة فى الجوار، ولكن لم يعثروا عليها وتم تحرير محضر بالواقعة يحمل رقم (٢٠٤٠) لسنة ٢٠١٤.
طفلة أخرى اسمها ندا تامر عبدالنبى، من أبناء محافظة القليوبية بمدينة بنها اختفت فى ظروف غامضة من أمام منزل والدها ببنها حيث كانت تلعب مع صديقاتها عندما اختفت، وقد قام أهلها بالبحث المتواصل عنها ولكن دون جدوي. ويوجد الطفل حسام أحمد محمد، من أبناء محافظة سوهاج، والذى اختطف أيضًا فى ظروف غامضة حيث اختفى الطفل من أمام منزله، وتم تحرير محضر باختطاف الطفل يحمل رقم (٦٣٩١) لسنة ٢٠١٥ بجنايات البلينا بسوهاج.
كما اختفت الطفلة سلمى أحمد مصطفى، أيضا فى ظروف غامضة بمدية ١٥ مايو بحلوان، وقد تم تحرير محضر بالواقعة يحمل رقم (٢٧٨٧) لسنة ٢٠١٣، ولم يستدل على مكان الطفلة حتى الآن، ولا توجد أى معلومات كافية للوصول إلى مكانها ومعرفة ظروف اختطافها. وفى واقعة أخرى قالت والدة الطفل يوسف العدوى، القاطنة بمنطقة فيصل: إن ابنها كان معتادا أن ينزل ليشترى بعض الأشياء من تحت المنزل، ولكنه تأخر ولم يعد للمنزل فنزلت للبحث عنه، ولكنها لم تر أى أثر له حتى دلها أحد المارة أن امرأة منتقبة أخذته فى توك توك وتحركت بعيدًا فذهبت الأم مسرعة إلى سائقى التوك توك فى الميدان حيث أظهرت لهم صورة الطفل وحينها قال سائق منهم إنه ركب معه فعلا مع سيدة منتقبة وذهب بهم إلى المكان الذى أوصلها له فى مساكن الشروق وطلبت معاونة الشرطة التى حررت لها محضر تغيب يحمل رقم (١٤١٥٥). وفى شهر يوليه الماضى تمكنت قوات الأمن من إعادة الطفل هشام سامى، الذى تعرض للاختطاف أمام منزله بمدينة الشروق إلى أسرته مرة أخرى، وتعود الواقعة لخطف الطفل «هشام سامى» من سيارة صديقة والدته خلال توصيله لمنزله بعد انتهاء يومه «بالحضانة»، الخاصة به بمدينة الشروق، لتفاجأ صاحبة السيارة بقيام سيارة أخرى بمنعها من المرور، ومن ثم اختطاف الطفل والهروب بأقصى سرعة.
انتهاك الطفولة وبطء العدالة
شمل تقرير تحليلى حول انتهاكات حقوق الطفل للمؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة عمليات الاختطاف، وذكر التقرير أنه بلغ عدد الأطفال المنتهكين بداية من يناير وحتى ٢٨ ديسمبر من عام ٢٠١٧ نحو ٣٦٣٠ طفلًا تم انتهاك حقوقهم الشرعية عن طريق القتل والاستغلال الجنسى والعنف الأسرى والعنف المدرسى والإهمال، وغيرها من الانتهاكات فى ١٩٠٩ قضايا تم تداولها إعلاميًا من خلال الصحف والجرائد الحكومية وغير الحكومية... وكانت نسبة الإناث من تلك الانتهاكات ٣١٪، بينما نسبة الذكور ٤٠٪ و٢٩ ٪ نسب للأطفال لم يتم ذكر نوعهم.
لفت التقرير إلى استمرار ارتفاع معدل الاستغلال الجنسى للأطفال بخلاف الاختطاف، قائلا: «إن أكثر الفئات العمرية عرضة لانتهاكات حقوقها هى الفئة بين ١٦و١٥ سنة وتنوعت الانتهاكات التى تعرضت لها الفئة بين الاختطاف والاستغلال الجنسى والإصابة بالطلقات النارية والتسمم والإصابة فى الحوادث والقتل فى الحوادث المختلفة.
من جانبهم أرجع خبراء أسباب عدم عودة الأطفال إلى ذويهم فى وقت قصير إلى عدم شن حملات أمنية وأهلية شاملة للقضاء على عمليات الخطف للأطفال، فيما تساءل أولياء أمور عن العدالة وقالوا إن من أسباب استمرار خطف البراعم بطء العدالة فى توقيع العقوبة على مرتكبى الجرائم مؤكدين: «هذا يساهم فى تنامى ظاهرة خطف الأطفال وتصاعد مؤشرها»، واصفين الأمر بالكابوس الذى صار يعيشه كل أب وأم مصرية يوميًا حال خروج أبنائهم للشارع سواء إلى مدارسهم أو إلى حضاناتهم والعودة، قائلين: «الأمر يسبب ازعاجًا كبيرًا».


أسباب الظاهرة
يرى اللواء محمد نور، الخبير الأمنى إن من أهم الأسباب وراء انتشار عمليات خطف الأطفال الظاهرة، إهمال الأمهات الذى يعتبر سببًا من الأسباب المؤدية لهذه الظاهرة، وثانيًا العشوائيات المنتشرة بشدة فى مناطق كثيرة بالجمهورية، وثالثًا «قبائل الهنجرانية» التى ظهرت بكثرة فى القاهرة فى الوقت الحالى، وتعتبر هذه القبائل من أكثر القبائل الداعمة لعصابات اختطاف الأطفال.
وأكمل «نور» هذه المجموعات الثلاث هى من أهم المسببات الرئيسية لانتشار الظاهرة، مؤكدا أن قبائل الهنجرانية، هى قبائل لا يعرف أحد أصولها الحقيقية، ولكن من المرجح أنها قبائل عربية دخلت عن طريق سيناء وبدأت أعمالها فى مصر عن طريق محافظة الشرقية.
وتابع نور، هم قبائل يعتبرون البنت ثروة فهى تجنى الأموال عن طريق النشل، أما الولد فكل دوره هو مساعدة الفتاة بشكل بسيط جدًا فى عملها؛ فقد يكون دوره المراقبة أو الاستطلاع أو قيادة السيارات التى تستخدم فى عمليات السرقة، والفتاة التى ترفض العمل فى النشل أو السرقة تكون منبوذة، وقد يُحكم عليها بالقتل من أهل القبيلة، وهذا ما يحدث أيضًا معها إذا أصرّت على الزواج من خارج القبيلة.
كما نوه إلى ضرورة توعية المواطنين عن طريق وسائل الإعلام عن خطورة هذه القبائل ودورها فى عمليات اختطاف الأطفال لاستخدامهم لاحقًا فى عملياتهم القذرة.

من جهته شدد أحمد مصيلحي، عضو الائتلاف المصرى لحقوق الطفل على ضرورة المواجهة عن طريق التنسيق بين الجهات المختصة والجمعيات الأهلية المهتمة بالطفل، وقال إن صفحات عرض الأطفال المخطوفين وصورهم زادت بشدة فى الآونة الأخيرة، وهو ما يعكس الخطر ويزيد من حالة الرعب فى المجتمع على مستقبل البراعم.
وحذرت أمل جودة، عضو ائتلاف حقوق الطفل من استمرار تصاعد مد جماعات الهنجرانية فى القاهرة، قائلة: «هم جماعات يعتمدون على السرقة وخطف الأطفال كأسلوب للحياة وغالبا ما يستخدمون الأطفال للتسول فقط ولم تنتشر حتى الآن حالات بيع أعضاء كثيرة»، مؤكدًا أن الانتهاكات بالطفل ليست بالعنف فقط بل باختطافه وتعذيبه.

إعادة تأهيل
أما عن الأثر النفسى على الطفل العائد من الاختطاف فيقول الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة إن هناك عدة مشاكل يسببها الاختطاف لدى عودة الطفل إلى منزله والعديد من هذه المشكلات يبقى مرتبطا بالطفل لفترة طويلة، وإذا لم يتم علاجه سريعًا يمكن أن تؤدى إلى مضاعفات بمستقبل الطفل وأولها أنه يبقى الأثر النفسى لعملية الاختطاف مؤلمًا عليه ويؤدى لإصابته بعديد من الاضطرابات النفسية، ومنها اضطراب الانضغاط التابع لحادث صادم والذى يحدث عقب حدوث صدمة للشخص.
وأكمل فرويز أن هذا أيضًا يتسبب بأن الطفل يسترجع ذكريات تجربة الاختطاف المؤلمة وإعادة معايشة التجربة فى ذهنه، كما أن استغراق الطفل فى الذكريات لدرجة تجعله منعزلًا عن العالم من حوله، وغير مستجيب له، يمكن أن يفقد الطفل علاقاته الاجتماعية مع زيادة اليقظة والحذر أو زيادة التهور والاندفاعية، كما أنه من الممكن أن يتأثر مستوى الطفل الدراسي؛ فيرفض الذهاب للمدرسة أو يرفض استذكار دروسه مع صعوبة فى التركيز.
وأضاف فرويز أن إهمال العلاج النفسى للطفل يُعتبر من الأسباب المؤدية إلى تكوين الشخصية المضادة للمجتمع عند سن ١٨ عامًا، والتى يصعب علاجها أو تغيير أفكارها، ولا يتوقف دور المجتمع فقط على مكافحة الخاطفين والشخصيات المضادة له وإرساء احترام القانون، ولكن يمتد دوره لعلاج الطفل المخطوف نفسيًا وإعادة تأهيله حتى يتجاوز الأثر النفسى لعملية الاختطاف، وأيضًا تربية أطفالنا بشكل صحى والاهتمام بصحة الطفل النفسية؛ حيث إن لها الأثر الأكبر فى تكوين الشخصية.

وقال هيثم الجندى، مسئول لجنة الطفل بالمجلس القومى لحقوق الإنسان إن الإحصاءات الأمنية لجرائم خطف الأطفال قد ارتفعت معدلاتها، وأن مسبباتها قد تعددت ما بين الرغبة فى التربح بطلب فدية خاصة من الأسر، أو بيع الأعضاء البشرية، وقد يتم الخطف لدوافع مرضية جنسية، أو حتى انتقامًا من أهله لأسباب ما، وقد أصبحت الشحاذة باستخدام الأطفال هى السائدة.
وتابع الجندى أن الناتج النهائى عدم الإحساس بالأمان فى الشارع المصرى خوفًا على الأطفال واسترجاعًا لكل أنباء وصور اختطافهم، وتلك ظاهرة جديدة علينا أن نعترف بوجودها كتمهيد حقيقى لمواجهتها. وأوضح مسئول لجنة الطفل بالقومى للإنسان أن القانون المصرى يحدد عقوبة الخطف للأطفال ويميز بين الخطف العادى أو الخطف بالتحايل أو الإكراه، فيشدد عقوبة الجريمة الثانية ويخفف العقوبة للجريمة الأولى، قائلا: «حقيقة لم أتبين الفرقى وتابع، فواقعة الخطف واحدة ونتائجها واحدة وآثارها على المختطف وأسرته واحدة، متسائلًا: «وهل يحدث خطف بدون تحايل أو بدون إكراه؟ وهل هناك خطف بالتراضى والقبول؟ ربما يكون عند أهل القانون إجابة شافية». وتابع الجندي، علينا أن نقر بأن جريمة اختطاف الأطفال وتكرارها وتزايدها أصبحت موجودة ومقلقة للشارع المصرى، وأنه الآن الأهم من انتظار تغليظ العقوبة هو تطبيق العقوبة بالفعل وتلافى كل الثغرات القانونية المعروفة للإفلات منها، ومنع بعض المظاهر الدالة عليها، كتجريم الشحاذة باصطحاب الأطفال وخاصة للمنتقبات وإيجاد وسيلة للكشف عن تزوير شهادات الميلاد الخاصة بالأطفال التى يلجأ إليها البعض لإخفاء جرائمهم، وسرعة النظر فى تعميم بصمة الأطفال فى شهادات ميلادهم، وجدية تفعيل خط نجدة الطفل للإبلاغ عن الحالات المشتبه بها من جانب المواطنين، مشددا: «الشارع المصرى فى حاجة إلى مزيد من الحزم حماية للناس ولأبنائهم».

نجدة الأطفال:

تلقى خط نجدة الطفل ٩٠٠ بلاغ لخطف الأطفال خلال ٢٠١٨ فقط وهى نسبة ٤٥٪ من عدد البلاغات ويتراوح سن الأطفال المخطوفين بهذه البلاغات بين عام و٣ أعوام، كما تلقت ٦٨٢ بلاغا من سن ٧ سنوات إلى سن ١٢ سنة وهى نسبة ٣٤٪ أى أن النسبة الأكبر بالاختطاف هى بين الأطفال من سنة إلى ست سنوات، حيث يسهل استهدافهم واختطافهم واستخدامهم بالتسول أيضًا. وبلغ عدد البلاغات للفئة الثانية ٦٨٢ بلاغًا بنسبة ٣٤.٨٪ وهى المرحلة العمرية من ٧ إلى ١٢ سنة، وتعتبر هذه المرحلة هى بداية الالتحاق بمنظومة التعليم، حيث تأتى البلاغات لحالات عنف أو اضطرابات سلوك والتى تجعل الأسرة تلجأ إلى الخط لطلب الدعم.