الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ابن العاق.. ورقة التوت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كأن القاضي قد ترك كرسيه وجلس بين دوائر النساء اللاتى تتزاحم بهن قدميك وأنت تسير في طرقات المحكمة، منتظرات رحمة القانون وروحه قبل نصوصه، قبل أن يعلن حيثيات المحكمة الدستورية حول الولاية التعليمية.
الحيثيات على ما يبدو أنها خرجت في مشهد درامي، تقف فيه المرأة أمام القاضي، وعقلها مع القرار، و"جيبها" مع المحامي، وقلبها مع الطفل، وتكون أنظارها إلى الميزان، تتعشم في حديث منصف لها، فجاءها رد القاضي بحيثيات بدأت بالتصدي لـ"ذوي النفوس الضعيفة" وختمها بحق الحاضن في الولاية.
تقول الحيثيات "إن بعض ذوى النفوس الضعيفة من الآباء أو غيرهم ممن لهم الولاية على النفس - نكاية فى الحاضنة، أو لإرغامها على التنازل عن بعض أو كل حقوقها أو حقوق الأبناء الشرعية - يتعمد عدم تقديم طلب لإلحاق الطفل بأى من دور التعليم رغم بلوغه سن التعليم، أو سحب ملفه التعليمى من الدور التى كان يتعلم فيها، وتقديمه إلى أخرى أقل مستوى أو تختلف نوعًا أو تبعد مسافة عن مسكن حضانته، بما قد يضر بمستقبله التعليمى، خاصة أنه تم انتزاعه من دور تعليم تتوافق وقدراته ومستواه، ورفاق دراسة ومدرسين تآلف معهم، فكان لزامًا على المُشرع التدخل لحماية هذه الفئة من الأطفال، حفاظًا على مستقبلهم التعليمى، والذى يستطيل أثره بالضرورة، إن عاجلًا أو آجلًا إلى المجتمع، وهو ما لا يتوافق مع مقاصد الشريعة الإسلامية".
بالطبع يرى الكثير من ضعاف النفوس أن قرار "الدستورية" جَارَ على حقهم في الولاية على أبنائهم، باعتبار أن الولاية على النفس حق أصيل للوالد ولا يجب إنقاصه، ولكن الحقيقة أن القرار نصّ على تكون الولاية التعليمية على الطفل للحاضن، وعند الخلاف على ما يحقق مصلحة الطفل الفضلى، يرفع أي من ذوى الشأن الأمر إلى رئيس محكمة الأسرة، بصفته قاضيًا للأمور الوقتية، ليصدر قراره بأمر على عريضة، مراعيًا مدى يسار ولى الأمر، وذلك دون المساس بحق الحاضن فى الولاية.
أى أن القرار أعطى للأب حقه كاملا في إلحاق ولده بالتعليم الذى يراه مميزا ومناسبا له، إذًا فما الأزمة؟ تكمن الأزمة الحقيقية في أن الأب فقد ورقه ضغط مهمة يبتز بها الأم كيفما شاء، فنجد أن هذا الأب يختار تعليمًا أقل من الملحق به الطفل أو يمتنع من الأساس عن إلحاقه بالمدرسة وكذلك سحب ملفاته الدراسية بمنتهى السهولة وتسريحه من التعليم أو إلحاقه بمحافظة أخرى غير التى تقطن بها الأم، وهذا ما فطنت إليه وزارة التربية والتعليم، لتقر حق الولاية التعليمية للمطلقات الحاضنات بدون الحاجة للحصول على أمر وقتى.
أما عن الفكرة الرائجة بأن الأم تستغل ذلك لإرهاق الأب ماديا عبر إلحاقه بالمدارس الدولية وغيرها من المدارس مرتفعة التكاليف فقد استطاع القضاء تنظيم ذلك، حيث إنه بناء على دخل الزوج ويساره يتم تحديد المستوى المناسب لالتحاق الأطفال، وفى الغالب يكون ذلك بالمدارس الخاصة متوسطة التكاليف، وفى حال رغبة الأم في اختيار مستوى تعليمى أعلى فعليها تحمل فارق التكلفة.
دعونا نلقى نظرة عما قبل قرار الدستورية العليا، لم يكن صدور حكم بالولاية التعليمية وخاصة للأم غير المطلقة بالشيء الهين، فقد كان الأمر يتطلب شجاعة واسعة من القاضى تجعله يحكم بما استقر في ضميره تجاه مصلحة الطفل وليس بالأوراق، فتجد هناك المئات من الأمهات اللاتى صارت أقصى أمنياتهن في الحياة هى رؤية أبنائهن بالزى المدرسى، ولكن القانون كان يقول لها عفوا فأنت لست مطلقة! وليس من حقك حماية أبنائك.
ومن المضحك أن ضعاف النفوس حينما ترفع المرأة قضية مصروفات دراسية هم أنفسهم مَن تتعالى أصواتهم فى المحكمة من عدم قدرتهم على الإنفاق، متحججين بأنهم لم يختاروا نوعية التعليم التى سيلتحق بها الصغير، مطالبين بإلحاق الصغير بالمدارس الحكومية وتحمل نفقاتها فقط لا غير.. إذًا فأزمة هؤلاء الحقيقية ليس في فقدانهم الولاية التعليمية ولكن في فقدانهم ورقة التوت الأخيرة التى كانوا يسترون بها عوراتهم بعد ابتزاز الأم واستفزازها.
وهنا استطاع القانون ولو جزئيا الحفاظ على الفُتات من حقوق الأطفال، وكذلك إنقاذ الأمهات من حلقة في سلسلة المعاناة التى يغزلها لهن ضعاف النفوس، تلك اللفظة التى أطلقها القاضى من مرارة ما حملته له القضايا.