الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التأهيل المهني المفقود لذوي الإعاقة..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بينما يوشك 2018 «عام ذوى الإعاقة» على الانتهاء احتفلت مصر الإثنين الماضى باليوم العالمى لذوى الإعاقة، دون أن تضع الحكومة بأجهزتها المختلفة استراتيجية واضحة لخدمة قضايا نحو 15% من تعداد سكان مصر.
باستثناء إصدار قانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة وبعض البيانات الرسمية لم يشهد هذا الملف تغيرا حقيقيا يشير إلى أن الحكومة جادة، سواء فى تطبيق بنود القانون أو حتى فى تفعيل ما تعلنه من إجراءات وخطط عبر البيانات الإعلامية الصادرة عن وزاراتها المختلفة.
منهجيا من الصعب توقع خروج استراتيجية علمية فى ظل عدم وجود بيانات دقيقة عن حجم المشكلة، بفرض أن ذوى الإعاقة يمثلون مشكلة ما للمجتمع، فقد صدر تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بشأن تعداد سكان مصر دون أن يذكر تفصيليا أعداد المواطنين من ذوى الإعاقة وتصنيفهم من حيث الإعاقة والعمر والجنس والمستوى التعليمى والاجتماعي، والتوزيع الجغرافى، ذلك أن وجود تعداد وتصنيف دقيق على هذا النحو يساعد على تحديد الاحتياجات، ومن ثم وضع استراتيجية تنطوى على خطط عمل مرحلية تحدد الأولويات فى إطار الإمكانات المادية والتمويلية المتاحة ما يساعد على وضع مدى زمنى لمعالجة المشكلات الراهنة وبرنامج علمى للتعامل معها بشكل مستدام.
ولأن عملية بناء الاقتصاد المصرى هى الملف الأكثر إلحاحا، والذى يتصدر أجندة الحكومة، نشير فى هذه السطور إلى أحد أهم الحقوق المفقودة لذوى الإعاقة وهؤ التعليم الفنى الجيد والتأهيل المهنى المواكب لاحتياجات سوق العمل لتمكينهم من حقهم فى المشاركة بعملية البناء.
إذا كان دمج ذوى الإعاقة فى التعليم بمراحله المختلفة يواجه العديد من الصعوبات ويحتاج إلى برامج مرحلية حتى نصل إلى الدمج الكامل فإن دمجهم فى المجتمع ليشاركوا فى النهوض بالاقتصاد الوطنى قد يكون الخطوة الأسهل والأسرع، فمن ناحية يحتاج سوق العمل إلى المزيد من العمالة الماهرة نتيجة اتساعه نسبيا بفعل المشروعات القومية التى تنفذها الدولة، ومن ناحية أخرى ذوو الإعاقة الفئة الأكثر حماسا لتحقيق ذاتها وإثبات قدرتها على خدمة المجتمع.
رغم أن جميع مدارس الأمل الخاصة بذوى الإعاقة السمعية «الصم»، تنتمى إلى مدارس الدبلومات الفنية والصناعية، إلا أن الطالب الأصم يتخرج فيها دون أن يجيد القراءة والكتابة، ودون أن يتعلم حرفة أو صنعة ذلك أن أغلب المدرسين العاملين بها لا يعرفون لغة الإشارة، كما أن معاملها والورش الخاصة بها تفتقد لأبسط الإمكانات، وقد نتج عن هذا خروج عشرات الآلاف منها صفر اليدين يعانون البطالة ومن ثم الحاجة والعوز.
مع العلم أن من استكمل تدريبه منهم فى الورش الأهلية تفوق وصار «أسطى» كبيرا أى أن المشكلة ليست فى الطالب الأصم وإنما فى المنهج والمعلم الذى يرفض تنمية مهاراته على نحو يمكنه من أداء واجبه.
ورغم أن من بين ذوى الإعاقة الذهنية عشرات الآلاف الذين لا تحول إعاقتهم دون تعلم حرفة أو صنعة إلا أن مدارس التربية الفكرية لا تهتم بهذا الجانب إطلاقا علاوة على إهمالها باقى الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية.
دكتور أشرف مرعى أمين عام المجلس القومى لشئون الإعاقة قام من جانبه بدعوة المسئولين عن مدارس التربية الخاصة والتعليم الفنى بوزارة التربية والتعليم إلى أكثر من ورشة عمل تعلق جانب منها بإمكانية دمج الطلاب من ذوى الإعاقتين السمعية والذهنية فى مدارس التعليم الفني، وبالفعل أصدرت الوزارة القرار رقم «252» الخاص بدمج الطلاب ذوى الإعاقة فى المدارس، إلا أن الوزارة وحتى الآن لم تضع خطة واضحة خاصة برفع كفاءة مدارس الصم وتزويدها بالمعدات وإخضاع معلميها للدورات التدريبية اللازمة لتعلم لغة الإشارة وأسلوب التعامل مع الطالب المعاق سمعيا.
بحسب دكتورة إنجى مشهور مستشار وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى لذوى الإعاقة جرت محاولة أو محاولتان لربط تلك المدارس بسوق العمل بالشراكة مع بعض الشركات الصناعية الكبرى لتتولى هى عملية تطوير البنية الأساسية وتوفير برامج للتدريب والتأهيل المهنى على معدات حديثة، وقالت فى محادثة هاتفية (لقد أسفرت هذه التجربة عن نتائج مبهرة).
دكتورة إنجى التى تعترف بتدنى مستوى التعليم الفنى داخل مدارس الصم، أوضحت أنه سيتم العمل على مراجعة مناهج وطرق التدريس فى جميع المدارس الخاصة بذوى الإعاقة، وتوقعت الانتهاء من هذه العملية بحلول عام 2020، لكنها فى الوقت نفسه لا تمتلك على ما يبدو رؤية أو خطة لمعالجة العيوب الموجودة فى مدارس التعليم الفنى الخاصة بالصم، لاسيما أن تجربة الشراكة مع الشركات الصناعية لن تتم إلا فى مدرسة أو مدرستين على الأكثر.
النقطة المضيئة الوحيدة هى أن قرار الدمج فى التعليم سيشمل دمج ذوى الإعاقتين الذهنية والسمعية فى مدارس التعليم الفنى العامة، حيث أكدت لى د. إنجى أنه سيتم تدعيم المدارس التى تبلغ عن تقدم أحد الطلاب من ذوى الإعاقتين للالتحاق بها، مؤكدة أن المدرسة ملزمة بقبوله والوزارة ملزمة بتأهيل المدرسين وتزويد المدرسة بالإمكانات المادية اللازمة.
انتهى حديث مستشار وزير التعليم لذوى الإعاقة، لكن ربما كان من الأجدى تعميم تجربة الشراكة مع الشركات الصناعية وجمعيات رجال الأعمال لتشمل جميع مدارس الصم بمختلف المحافظات لتدارك الخسائر الفادحة الناتجة عن المنظومة التعليمية الحالية ولتدعيم سوق العمل بأيدى عاملة يحتاجها بدلا من أن تذهب إلى أرصفة البطالة.
وأتصور أن وزارة التضامن الاجتماعى مدعوة للاستفادة بتجربة «التعليم» فى الاستعانة بجمعيات رجال الأعمال وأصحاب المصانع على نطاق أوسع فى عملية تطوير مراكز التدريب والتأهيل التابعة لها فهى المسئولة عن تدريب وتأهيل الآلاف من ذوى الإعاقة الذين لم يلتحقوا بالتعليم أو فشلوا فى استكماله.
وللأسف أغلب تلك المراكز يقوم بتدريب ذوى الإعاقة على حرف لا تناسبهم، وبمعدات لا أبالغ إذا قلت بانتمائها إلى العصر الحجري، فعلى سبيل المثال يتم تدريب ذوى الإعاقة على مطابع تعمل بنظام الجمع اليدوى التى لم يعد لها وجود فى الواقع العملى ليفاجأوا برفض سوق العمل لهم، الأدهى من ذلك بعض مراكز ومكاتب التأهيل توجه المكفوفين للعمل فى حرف لا تناسب طبيعة إعاقتهم، ولى صديق يدرس حاليا فى بريطانيا للحصول على درجة الدكتوراه، تم توجيهه للعمل بإحدى المصابغ باعتباره تلقى تدريبا على حرفة الصباغة والتعامل مع الألوان.