الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أهداف محققة.. والوقت بدل الضائع!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خسرت مصر «قلب العالم العربى» أهدافا نبيلة ومحققة نتيجة إهدار الوقت، وعجزت كثيرًا فى استشعار الوقت بدل الضائع بشريًا.
نعم خسرنا فى مجالات عديدة كمجتمع رغم رصيدنا من الكفاءات الإنسانية، ويرجع هذا لافتقارنا إلى إتقان ممارسة المسئولية وإرساء قواعد المشروعية وتأسيس فكر هندسى عمرانى بأسلوب رشيد، رغم رصيدنا من القواعد الصخرية التى تؤسس القدرة الذاتية وابتكار مصطلحات مسيئة وتسىء إلى أصحاب المقام الرفيع من خلال المواقف وبعيدًا عن الموضوعية وإطلاق تفسيرات عاجزة مليئة بالغمز واللمز وربطها بالصيحة الرئاسية فى وقفتها مع النفس ومع المجتمع الذى انطلقت فى الاحتفال بذكرى المولد النبوى والكلمات فى عمقها وتلقائيتها بعيدًا عن اللهجة المراسمية وفى مناسبة لا يرقى إلا كل إجلال وتعظيم، فهى كلمات معلنة فى الوقت الصحيح والإحساس الصادق، فلم تكن مجرد مواعظ.
إن الأمراض المجتمعية تحاصرنا كما قال الرئيس السيسى فقد تظهر على هيئة إعلام مريض أو ثقافة بلا ضمير، فساحة الاجتهاد الفقهى القانونى تصيب المجتمع بتصلب الشرايين أو قد ترتدى زى الدعوة من أى موقع، وعندها لن نستطيع إدارة المجتمع، ليكون قادرا على العطاء بفكر صحيح.
وفى ظل عظمة ذكرى مولد الرحمة المهداة استلهم العالم كله بأرفع المعانى وأرقى المفاهيم التى فرضت على الدنيا وفى المقدمة الرئيس المصرى، حينما أشار إلى أن سلوكيات العديد من المسلمين بعيدة تمامًا عن صحيح الدين وقال أرى العجب فى إدارة الدولة وكان تعليق البسطاء على هذه الصراحة أنه يرصد ما يجرى (داخل صندوق الدنيا) والمتابع لكلماته خارج نطاق الخطاب المكتوب يعبر به بلغه سهلة وواضحة لتصل مباشرة إلى الأمة فى صورة (برقيات) فلا هى خطبة عصماء أو قصيدة، ودائمًا يبتعد عن تفجيرأمور أخلاقية، كلمات شديدة الأدب، والإيجاز فى الحديث فيخاطب أهل العقد والرأى ويضع الشركاء فى المسئولية فكل الأمور فى وضح النهار.
القضية ليست مزايدة سياسية لمواقف تاريخية ولا تأخذة العزة بالأثم أو من يتصدى لمسيرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، فعليه أن يتطهر من الرواسب القديمة، وأن يكون الأساس سلوكه هو العمل الصالح المتجرد، وكما قيل (لا تمنحوا الحكمة أهلها فتظلموهم، ولا تعلموها غير أهلها فتظلوها).
والسؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المقام من يتصور أن السنة النبوية أمر قابل للقسمة.. ومن الذى يسأل هل إذا بذل العلماء الإجلاء العطاء فى ساحة الاجتهاد؟ هل هذا يعتبر تجديدًا لثوابت الدين؟ وهل هناك قيد على الإسهام الفكري؟ هل دعوة غير مسبوقة على مدى مسيرة الدين الإسلامي.. هل أنكرنا جهد مسيرة العلماء، وقد اخترت نموذجًا حظى برعاية الإمام الأكبر مصطفى عبدالرازق وشقيقه الإمام على عبدالرازق، الذى كان وزيرًا للأوقاف، وهو الإمام الذى شجع الباحثين على تحقيق المؤلفات المهمة وتصدى لها أستاذنا الكبير على سامى النشار، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الإسكندرية وشاركته فى تحقيق المؤلفات القيمة الراحلة الدكتورة سعاد عبدالرازق وقصدت بالنموذج أنهما شقيقين، أحدهما كان شيخًا للأزهر والثانى أحدث ضجة كبرى بكتابه «الإسلام وأصول الحكم»، وجاء بعد ذلك وزيرًا للأوقاف، أى أن كلا منهما من وعاء دعوى واحد، كما أن الإمام الأكبر الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر، أمر عندما كان أمينًا لمجمع البحوث الإسلامية بإصدار كتاب موسوعى عن «صون المنطق والكلام عن فنى المنطق والكلام» للإمام جلال الدين السيوطى وهو تلخيص لكتاب الإمام تقى الدين تيمية المتوفى عام 728هـ، ونصيحة أهل الإيمان فى الرد على منطق اليونان.
وقد قام النشار بتحقيق «صون المنطق» وأمر الإمام عبدالحليم محمود بنشر كتاب «جهد العزيمة فى تجديد النصيحة» وتمت المراجهة للكتاب على المخطوط الأصلى وهو كتاب له قيمته صدر بعام 1970م، وتصدت المدرسة التى توجت الفكر فى الفلسفة الإسلامية بفضل النشار، حيث نهل من علمه أيضًا فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر وتعلم فى هذه المدرسة وهو يعرف الفارق بين «المنقول والمعقول»، وأنا شخصيًا لا أميل إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر تشارك فيه رموز الدعوة وتشارك فيها مكتبة الإسكندرية باعتبارها بيت الحوار والأساتذة العلماء والكتاب، وأتصور أن دعوة القيادة السياسية أعمق من مجرد انعقاد مؤتمر، فكثيرًا ما انقعدت المؤتمرات تحت هذا العنوان، وأول ما تصطدم هذه المؤتمرات بعقبات بروتوكولية هى تضع أول عوامل عدم نجاحها والأكثر إلحاحًا فى هذه المرحلة الأفكار الموضوعية الراسخة الهادفة وبأساليب براقة، فقد قالت الدكتورة سعاد عبدالرازق «كان للمسلمين الفضل العظيم فى اكتشاف المنهج التجريبى، وكانوا أول من تنبه فى تاريخ رواد الفكر الإنسانى إلى جوهره، وظن الباحثون لمدة طويلة من الزمن أنه فى أفق معصوم فوق الخطأ والصواب وجاء المسلمون مستندين على كتابهم العظيم وسنتهم، وأقاموا مستندين على السمع أولًا منطقًا آخر، ثم صدقهم العقل فى منهجهم السمعى الديني» والقصد من ذكر مختصر المقدمة، أنها توضح بأن الاجتهاد كان فى حالة استنفار علمى وليس استرخاء. إذن هناك ثوابت علمية لشوامخ الإسلام والأمر يحتاج إلى تحويل مبادرة رئيس مصر إلى ما تستحقه على المستوى العالمى والعالم هذا العام يستعيد مجده العربى، فنجده عرفانًا بالدورالذى له كقائد عربى أصيل، وإذا بادرت الإمارات بأسلوبها بالتصدى لهذه القضية بأسلوبها المتميز البعيد عن النمطية، فإننى أحس بأننا سنواجه مثل هذه القضايا بثوابت الدين وتراثنا على مائدة البحث، والقضية ليست مجرد مناقشات أو صراع بين المدارس المنهجية، لكننا سنحتمى بسلاحنا الذى لا يعرف الهزيمة، وهى الثوابت التى تجرى فى حياتنا مجرى الدم.
نريد أن يؤكد الملتقى أن العالم الإسلامى قدم الثقافة الفكرية بينما قدم الآخرون الثقافة المادية، إن الإسلام ليس حالة طارئة فى الحضارة ولا يتعايش مع المنهج الهامشى، فهو ليس مجرد آلية عمل لكنه تفاعل متجدد إذا استعدت الروافد لاستقبال مياه هذا النهر المتجدد.
وإذا تحقق هذا الحلم فسوف يسجل تاريخ البشرية دعوة رئاسية مصرية واستجابة قيادية إماراتية تحيطها مسيرة عربية وإسلامية منزهة تفتح فى عروق الشعوب دماء ذكية.