الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

"دي ساد".. عاشق التعذيب

دي ساد
دي ساد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عُرف الكاتب الفرنسي "دوناتا ألفونس فرانسوا دى ساد"، أو بـ"الماركيز دى ساد" في تاريخ البشرية بأنه الرجل الذي اشتقت لفظة "السادية" من اسمه، والذي كان من دعاة أن يكون المبدأ الأساسي هو السعي للمتعة الشخصية المطلقة من دون أي من القيود الأخلاقية أو الدينية أو القانونية.
كان دي ساد، المولود في الثاني من يونيو عام 1740، ابنًا لعائلة تعود في أصولها إلى إحدى أعرق وأقدم العائلات الأرستقراطية الفرنسية؛ لكنه درس في طفولته على يد عمه الذي كان مثقفًا ماجنًا، ثم التحق بإحدى المدارس الخاصة بأبناء الطبقة النبيلة لإكمال دراسته، وفي سن الخامسة عشرة التحق بسلاح الخيالة بالجيش الفرنسي ليشارك في حرب السنوات السبع التي نشبت بين القوى العظمى في أوروبا آنذاك، وأثبت بسالته لتتم ترقيته إلى رتبة عقيد وهو في سن التاسعة عشرة من العمر.
في عام 1763 ترك دي ساد الجيش وعاد إلى باريس شابًا باحثًا عن المتعة، حيث كانت باريس آنذاك تزخر بأخبار الحفلات الماجنة وخيانة الأزواج والزوجات في قصورها، ما جعل عائلته تخطط لزواجه من"رينيه دي مينتري" ابنة العائلة البرجوازية الغنية التي أعجبت بالماركيز الشاب والوسيم، وسكن الزوجان في أحد القصور بالقرب من باريس، إلا أن الزواج لم يغير شيئا من طباعه، وعادت أخبار فضائحه الجنسية تنتشر وتصبح على كل لسان، حيث كان يقضي جل وقته في بيوت الدعارة، ولم تكن علاقاته نسائية فقط، بل شملت الرجال كذلك، واشتكت البغايا من معاملته السيئة لهن، إذ كان يتمتع بإلحاق الأذى بهن وتعذيبهن، لذلك تعرض للاحتجاز والسجن لفترات قصيرة، بل وحذرت الشرطة جميع بيوت الدعارة في باريس من خطر التعامل معه. وجاء عام 1778 حاملًا رسالة إلى قلعة الماركيز تخبره بأن والدته مريضة وتحتضر، وعندما ذهب لزيارتها في باريس اكتشف أنها ماتت، وألقي القبض عليه، وسجن دي ساد في قلعة فينسن، واستطاع الهرب منها، لكنه سرعان ما ألقي القبض عليه مرة أخرى، وأعيد إلى سجنه ليقضي فيه عدة سنوات أمضاها في تأليف رواياته الإباحية.
كتب دي ساد إلى زوجته عام 1783 يصف نفسه بأنه "متعجرف، ومندفع بتهور، سريع الغضب، متطرف في كل شيء، مع ثراء متمرد من الخيال حول السلوك البشري لم تشهد له الحياة مثيلًا، وقد تجديني باختصار شيئًا زائدًا، فإما أن تقتليني أو تأخذيني كما أنا، لأنني لن أتغير"؛ وفي عام 1784 تم نقل الماركيز إلى سجن الباستيل الشهير، وكان خلال السنوات الخمس التي قضاها هناك يكتب بسرعة جنونية، وعندما وضع عام 1788 قائمة بمؤلفاته فقد ضمت نحو خمسة عشر مجلدًا، ولا يشمل ذلك المؤلفات التي كان يخفيها من حراس السجن لاسيما كتابه "120 يومًا في سادوم"، الذي قال عنه أنه "خيال مستهتر لم ير له مثيلًا من قبل"، ولما كان مُعرضًا لأن يخنق في إحدي الجولات التفتيشية الروتينية فقد صنع نسخة من قطع رقيقة من الورق عرضها ما بين عشرة واثني عشر سنتيمترًا ألصقها لتشكل لفافة طولها أكثر من 12 مترًا، واستغرق هذا العمل منه سبعة وثلاثين يومًا لإعداد مثل هذه النسخة التي كُتبت بيد ميكروسكوبية على جانبي اللفافة.
خرج الماركيز من السجن عام 1790، ليجد كل شيء حوله قد تغيير، فأطلق على نفسه اسم "المواطن ساد" وسكن في باريس لأن قلعته دمرتها الجموع الغاضبة أثناء الثورة، والتقى بممثلة مغمورة اسمها "ماري كويستانس كيسنه" أكمل معها بقية حياته، وكانت أموره المادية تزداد سوءا، فأجبر عام 1796 على بيع أطلال قلعته وممتلكاته بسعر زهيد، واستمر خلال السنوات التي تلت الثورة بتأليف رواياته الإباحية، إضافة إلى بعض الروايات السياسية، كما قدم عدة عروض لبعض مسرحياته، ولاقى بعضها نجاحًا جيدًا.
في عام 1801 أمر نابليون بونابرت بإلقاء القبض على الشخص الذي ألف روايتي "جوستين" و"جوليت" وإيداعه السجن بدون محاكمة، فتم القبض على دي ساد وأودع أحد سجون باريس، لكنه سرعان ما نُقل إلى سجن آخر لمحاولته إغواء مسجون شاب؛ وفي عام 1803 قامت عائلته بإعلانه مجنونًا، ودبرت لإخراجه من السجن، وأودع في إحدى المصحات العقلية وسمح لعشيقته ماري أن تعيش معه مُدعية أنها ابنته، وفي المصحة استمر الماركيز بتأليف رواياته وقدم بعض مسرحياته، كما لم يتوقف عن البحث عن الجنس رغم بلوغه سن السبعين، فأقام علاقة مع ابنة أحد الموظفين في المصحة تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما، واستمرت هذه العلاقة حتى وفاته في الثاني من ديسمبر عام 1814.
غاصت كتابات دى ساد في أقاصي ما يمكن تخيله من أفكار للنفس البشرية؛ تقول الكاتبة "كلويه ديليس" في كتابها "دي ساد معاد النظر ومُـلطّفـًا لبنات اليوم" أنه "لم ينكح طفلًا ولم يدعُ إلى نكاح الأطفال، ولم يشجع هذا أبدًا، فهو مثل لويس كارول لم يدع الفتيات للركض وراء أرانب الجانب الآخر من المرآة"، وفي إحدى رسائله ذكر دى ساد "نعم، أنا ركبت المعاصي، وقد تخّيلت بكتابات كل ما يمكن تخيّله في هذا المجال، لكنني بالتأكيد لم أفعل كل ما تخيّلته ولن أفعل أبدًا، أنا فاجر، لكنني لست مجرمًا أو قاتلًا".