الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بناء الإنسان يبدأ من هنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت أتردد على جامعة القاهرة بشكل شبه منتظم، واتخذ من كلية دار العلوم مزارًا. بين جدرانها أسترجع ذكرياتي، ومع طلابها أجدد دماء أحلامي، ومن بعض أساتذتها أنهل من معين أدب لا ينضب، وعصور شعر تصحح مسار ذائقتي، وعلوم شريعة تشهد على مرونة الدين، وصلاحيته لكل الأزمنة مع احتفاظه بثوابته.
انقطعت زياراتى للجامعة فترة دامت سنوات، ثم قطع القطيعة استجابتى لدعوة تلقيتها من الدكتور عبدالراضى عبدالمحسن عميد كلية دار العلوم لحضور مهرجان (من أجل مصر) الذى تنوعت فعالياته ما بين السياسة والثقافة وعلوم الشريعة والإعلام وألوان من الفنون قدمها طلاب الكلية، ومحاضرات لشخصيات عامة وخبراء فى كافة المجالات، فعاليات المهرجان ركزت على أهمية بناء الإنسان والانتماء للوطن، وعرجت كلمات الضيوف إلى المخاطر التى أحاطت _ وما زالت _ بمصر، وكيفية مواجهة الشائعات التى يطلقها مشعلو الفتنة، والحرب التى أعلنتها الدولة على الإرهاب، وإلقاء الضوء على نماذج دفعت حياتها ثمنًا لاستقرار الوطن، لذلك كانت أسرة الشهيد ساطع النعمانى من بين الحضور، وكانت لكلمات زوجته وشقيقه أثر كبير فى نفوس الطلاب الذين توافدوا من كافة كليات الجامعة على كلية دار العلوم.
لا يستطيع أحد إخفاء الدور الذى لعبه الإخوان فى دار العلوم، ولا الدور الذى يلعبه السلفيون، فالطالب يكون محل نزاع بينهما منذ أن تطأ قدمه الكلية، هذا يغريه، وذاك يخوفه، وما بين هذا وذاك يكون الطلاب فى حيرة من أمرهم، خاصة هؤلاء القادمين من الأقاليم. المنتمون لجماعة الإخوان اعتادوا أن يكونوا فى خدمة الطلاب، إما بمساعدتهم فى الإقامة بالمدينة الجامعية أو خارجها، وإما بتوفير الكتب وأحيانًا الدعم المادى لغير القادرين، ومن جانبهم يركز السلفيون على استقطاب الطلاب بجرعات دينية، ترغبهم بها تارة.. وتخيفهم بها أخرى، وينجو من الصراع بين الاثنين (الإخوان والسلفيون) من لديه خلفية عنهما، وكان رصيده الدينى والسياسى أقوى من تأثيرهما.
ليس فى دارالعلوم فقط.. فقد امتد تأثير الإخوان والسلفيين إلى أغلب كليات الجامعة كما الجامعات الأخرى، وما كان لأحداث (بين السرايات) أن تتفاقم إلا بدعم من بعض طلاب جامعة القاهرة، الذى امتد تأثيرهم إلى اعتصام (النهضة) وستظل الأسلحة التى تم ضبطها فى الجامعة شاهدًا على عبث جماعة الإخوان بفكر الطلاب، وتحريضهم على العنف.
ما شاهدته فى كلية دارالعلوم من أنشطة طلابية أثرت مهرجان (من أجل مصر) ما هو إلا انقلاب على فكر سعى الإخوان والسلفيون لبثه بين الطلاب، الأنشطة تؤكد أن هناك جهودًا كبيرة بذلت من قبل إدارتى الجامعة والكلية لتصحيح أوضاع خاطئة، كان لها أثر فى تشكيل فكر ووجدان قطاع من الطلاب، فلأول مرة أرى من بين أنشطة طلاب دار العلوم الموسيقى والغناء والاستعراضات، وأستمع إلى طلاب انفتحوا على الأحداث فى الداخل والخارج، يدركون حجم المخاطر التى تحيط بمصر، وأهمية الالتفاف حول القيادة السياسية، خاصة فى هذه الفترة التى تشهد فيها المنطقة هذا الكم من المتغيرات، أما المسابقات فى الإبداع الأدبى وحفظ وتجويد وترتيل وتفسير القرآن فهى ثوابت فى دارالعلوم، ضاعفت الإدارة الحالية للكلية من عددها وقيمة جوائزها.
لم أكن متفردًا فى انبهارى بما شاهدته فى مهرجان دار العلوم، ولم أكن استثنائيًا فى مطالبتى باقتداء باقى كليات الجامعة بها.. فقد سبقنى إلى ذلك وزراء سابقون وخبراء تفاعلوا مع الطلاب وأشادوا بالحدث وطالبوا بتعميمه لمحو ما تبقى من أثر لفكر الإخوان، ومجابهة ما يثار من أفكار للسلفيين.