الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بوقالات عويشة "1- 2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عويشة محمد الخريف رائدة ليبية فى مجال العمل الإذاعى الليبى، بمبنى «الصمعة الحمراء» بشارع الزاوية- مدينة طرابلس، باشرت عملها كمُذيعة رسمية بتاريخ (15-5-1958م)، حينها لم تسبقها إلا السيدة نديمة بن موسى (شقيقة الفنان المتعدد العطاء الراحل كاظم نديم)، والتى تركت الإذاعة سريعًا لتكون المُعلمة الرائدة أيضا، وسيدة بإذاعة بنغازى: حميدة بن عامر، والتى سبقت السيدة خديجة الجهمى التى انتقلت بعملها لإذاعة طرابلس فى ستينيات القرن الماضي، ظلت السيدة عويشة أنثى المكان الوحيدة تدخلُ بخمارها «تسمى باللهجة البيشـة»، رفقة زملائها من المذيعين، والمحررين والممثلين، والفنيين، حينها كانت الظروف الاجتماعية عصية على من تدخل المدرسة لمحو أميتها، فما بالك بمن تعمل بالإذاعة، عانت عويشة من نظرة قاسية مُجحفة بحقها، إذ قاطعها الجيران، وحرضت الجارات والدتها لتمنعها من ممارسة ما اعتبرنه عارًا آنذاك، فصوتها المنطلق من الراديو يفضحها فى دكان الفحم (البياض) بشهادة إحداهن!، عدا ظلم ذوى القربى، فمنهم من هددها بالقتل، لكنها صمدت مدافعة عن خيارها، واضطلعت بدورها بتوجيه رسالتها الإذاعية إلى مستمعيها عبر كل برامجها، «ما يـطلبه المستمعون»، ثم تقاسمت إعداد وتقديم برنامج (مع الأسرة) من طرابلس، مع السيدة حميدة بن عامر بإذاعة بنغازى يومًا بيوم، لتشكل علاقتها التخصصية التى تواصلت مع الأسرة الليبية بعامة، والمرأة فيما بعد بخاصة، وأصبح مشروعها عبر توالى سنوات عملها بالإذاعة الليبية الحكومية، وإذاعة طرابلس المحلية منحَ معارفها وخبراتها المُتعلقة بتفاصيل الحياة الأسرية، والعادات والتقاليد، الملابس والمصوغات وما عمرت به المدينة القديمة من تراث تقليدى، فقد وثقت صوتا لسيرة بعض صناعها وحرفيها الرواد فى سوق الحرير، شارع الدباغ، سوق القزدارة، وتفننت طوال مواسم بث برنامجيها الرمضانيين (صحة وعافية)، (مطبخ رمضان) فى إشهار ثقافة الطبخ، ومنها الوجبات الشعبية الليبية على تنوعها وتعددها.
الإذاعية عويشة تصدر بوقالاتها
علاقتها بالبوقالة- ولا أبالغ إذا ما قلت عشقها- بثتها فى برنامجيها (رمضان أيام زمان) أواخر التسعينيات، و(زغرودة الخميس 2002م) حيث خصصت فقرة لها تفاعلت معها مستمعات مُهتمات، وحافظات للبوقالة، كالحاجة فاطمة الخوجة، حينها كانت السيدة عويشة تستعيد بذاكرتها ما حفظته من أيام الطفولة بباب بحر شارع سيدى سالم، فهناك وُلدت ونشأت، وبين جنباته عاصرت (سهريات الليالي)، كان بيتهم يعمر بمن تدعوهن والدتها الحاجة حوا، «صبايا الأهل والجيران، كل منهن مشغولة بما تتعلمه وتتقنه، فمنهن من تغزل الصوف، أو تُطرز قماشتها (بماكينة الكناويشة أو بالقرقاف) والجارات من النساء الكبيرات فى السن الخالتين: سليمة، وفاطمة الخُمسية، تحاذيهن صفرة الشاى (عالة الشاهى الليبية ولوازمها: أدواتٍ، وصحون الحلويات) وتفوح فى المكان روائح البخور (الفاسوخ، والجاوي، والوشق)، حميمية اللمة، وأجواء القعدة النسوية تُكملها وتُجملها شارة البدء بطقس بعث البوقالة وأوله: أن تعقد إحدى الفتيات (وأحيانا امرأة متزوجة) حاشية أو أحد طرفى غطاء رأس (تستمال حرير أو برمبخ) وتقرب العُقدة من فمها لتبوح بسرها، وعادة ما تكون أمنيتها المخفية مُتعلقة بزوج مأمول، أو بعودة شقيق، أو أب غائب... إلخ، فالأمانى والرغبات مُشرعات، عندها تُطلق إحدى السيدات الحاضرات بوقالة يتم ترجمة فحواها على ما أضمرته الفتاة وعندها تصير الأمنية معلنة، وهكذا يتواصل سمر الليالى بأمانى وتطلعات الفتيات بما تنشره البوقالة من أمل وتفاؤل وبهجة، الواحدة تلو الأخرى..، وعودة إلى اهتمام وعناية السيدة عويشة بالبوقالة، وهى تصدر كتابها الأول التوثيقى بجهد مثابر، فحين أطلعتها على ما جمعته الشاعرة الليبية (المقيمة بهولندا) كريمة الشماخى فى كتابها (البوكالة فى الموروث الشعبى الليبى) التى عرضتُ كتابها بالمقالين الماضيين بادرتنى بملاحظاتها.