الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإسماعيلية.. وأسوار الطوب الأحمر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

صدمات متوالية يتلقاها شعب الإسماعيلية بفعل تصرفات خاطئة وقرارات غريبة، قبل شهور وتحت سمع وبصر الجميع تم الاعتداء على أفضل مسطح أخضر فى مصر، حيث قام عدد من الشباب بتصنيع كرافانات حديدية وتحول المسطح إلى غابة من المقاهي، المسطح الذى يقع فى نمرة ستة ويطل على قناة السويس وعلى بعد أمتار منه تقع النقطة المقدسة التى استشهد فيها الجنرال الذهبى عبدالمنعم رياض، لم تأخذهم شفقة باللون الأخضر ولا بدماء الشهيد التى نشم عطرها ونتمنى أن تكون مزارا سياحيا لتتعلم الأجيال القادمة معنى الفداء.

قامت الدنيا ولم تقعد حتى صدر قرار بنقل تلك الغابة القهوجية إلى مسطح أخضر ثان فى نادى المنتزه بحى الشيخ زايد، وما إن تنفس الناس ارتياحًا حتى صدمهم محافظ الإسماعيلية حمدى عثمان الذى صفقنا له تشجيعًا عندما حرر منطقة نمرة ستة من غابة الكرافانات، وجاءت الصدمة فى واقعتين متتاليتين ومتشابهتين، الأولى قيامه ببناء سور بالطوب الأحمر حول استراحة المحافظ التى تطل على شارع محمد على وكوبرى سالا، الفيلا محاطة أصلًا بسور من الكريتال الحديد ومؤمنة بحراسة على مدار 24 ساعة، ليأتى ذلك السور الغشيم كنغمة نشاز فى حى الإفرنج الذى صممه الفرنسيون فى بداية إنشاء قناة السويس، لا يعرف معالى محافظ الإسماعيلية أن الأحياء والمدن كالبشر تمامًا لها ملامح وشخصية وروح، بل أزيد بالقول إن التصميم الهندسى قد يتنفس كالبشر تمامًا وعند إجراء أى جراحة خاطئة للبشر أو للعمران يموت الإنسان وتخرب العمارة، هذا بشكل عام وتأتى الفيلا التى هى استراحة المحافظ لتشكل وضعًا أكثر خصوصية فهى تقع فى مقابل فيلا ديليسبس مباشرة وفيلا ديليسبس معروف أنها تضم بعض مقتنياته وأن هناك مطالبات بفتحها كمتحف للجمهور، ويقال إن فيلا استراحة المحافظ أقامت فيها الإمبراطورة أوجينى عند افتتاح القناة، ويقال أيضًا إنه على بعد أمتار من فيلا استراحة المحافظ تمت عملية فدائية نادرة على مدخل كوبرى سالا اسمها «عملية عربية البرتقال» أكدها البعض فى كتاباته ومنهم جميل عطية إبراهيم الذى رصدها فى واحدة من رواياته، ومنهم من نفى وقوع العملية.

القصد من هذا أن ذلك المربع المشحون بالتاريخ لا يمكن بأى حال من الأحوال الاعتداء عليه بالأسمنت والطوب الأحمر المقزز، ولا يمكن حصار الجمال بالأسوار، الأمر الذى ينعكس سلبًا على الناس فى الشوارع، وبينما يواصل المحافظ بناء سور الفيلا رغم المناشدات والكتابات الطيبة التى تدعوه للرجوع عن الفكرة فوجئ شعب الإسماعيلية بسور آخر عظيم يتم تشييده حول مبنى ديوان عام المحافظة حتى أن بعض مثقفى الإسماعيلية وصف الحالة بأننا فى صراع بين فضة المعداوى والدكتور أبوالغار كما فى قصة العظيم أسامة أنور عكاشة.

ومبنى المحافظة الذى يطل على الشارع التجارى محاط بسور من الكريتال ويتعامل الناس مع المبنى باعتباره بيتهم وعندما يصدمهم المحافظ بحصار البيت من خلال سور قبيح لا بد أن ينزعج الناس ويغضبوا وتتوالى الكتابات وحملات التضامن والمطالبة بوقف هذا التشويه وهذا الإهدار للمال العام، وأتمنى أن يقرأ المحافظ جيدا ردود الفعل الغاضبة ومنها رفض النائب أشرف عمارة لهذا السور وأن يفكر فى معنى البلاغ الذى بادر شباب الإسماعيلية بتقديمه إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، البلاغ الذى حصد مئات التوقيعات بمجرد الإعلان عنه.

فى فيلا استراحة المحافظ عاش الدكتور أحمد جويلى وعبدالمنعم عمارة وغيرهما وهم فى أمان تام، وفى ديوان عام المحافظة وقف الشباب قبل سنوات قليلة كحوائط بشرية لحمايته، وليس فى كلامى أى رمزية أو مبالغة كانت دموع المثقف الإسماعيلى محمد حلمى وجسد شاعرها الكبير مدحت منير وصوت الدكتور محمد المصرى وفدائية مسعد حسن على ومعهم المئات إن لم يكن الآلاف من شباب المدينة المخلصين والذين لا تتسع المساحة لذكر أسمائهم، كانوا أسوارًا بشرية لتأمين المنشآت الحيوية فى الإسماعيلية، فلا تخدعنى معالى المحافظ بقولك إن إقامة الأسوار يتم تنفيذها لأسباب أمنية.

والمهم فى ذلك هو أننا لسنا فى مناطحة أو عناد مع مقام مقعد المحافظ الذى نحترمه ولكننا فى تفاهم يبحث عن مستقبل أجمل لهذه البلد، ولا شك أن تراجع المحافظ عن تلك الأسوار سوف يسعدنا وسوف نشكره لاستجابته لنا وسوف نكتب أن لدينا محافظا يستجيب بمحبة لصوت الناس، التراجع عن القرار لا يقلل أبدًا من سلطة المحافظ بل يدعمها، ولا يهز أبدًا صورة المحافظ فى عيون الناس، بل وقتها سوف نضع من يستجيب لصرختنا فى عيوننا